مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية -
منذ بعض الوقت، يدور الحديث حول مزيد من الدفء في العلاقات بين المملكة العربية السعودية و(إسرائيل). حيث شعرتا بالقلق إزاء ما رأته حكومتيهما ضعفا من قبل إدارة "باراك أوباما" في مواجهة طموحات إيران، وعارض كلاهما الاتفاق النووي الإيراني، أو ما يعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة، ويريد كلاهما أن يرى الكثير من الإجراءات الأكثر صرامة ضد نفوذ طهران المنتشر، ليس أقلها في سوريا.
ولكن مع كل ما قيل، فإن (إسرائيل) تفضل عدم التدخل مباشرة في الصراع السعودي الإيراني، حيث من غير المحتمل أن تستفيد من هذا التدخل، وبالعكس فقد تتعرض لأضرار جسيمة، بحسب مقال "فرانك موزمار" الذي ترجمه "الخليج الجديد" عن مركز "بيجن السادات" للدراسات الاستراتيجية.
وتريد دول الخليج المتحالفة مع السعودية تنشيط اهتمام واشنطن بالمنطقة، لكن هذا أصبح أصعب مما كان عليه في السابق، ليس ذلك فقط لأن الأمريكيين تعبوا من المشاركة العسكرية في صراعات بعيدة، لكن واشنطن لم تعد تحتاج إلى نفط الخليج، وقد أكد الرئيس "دونالد ترامب" في أكثر من مناسبة أن المستفيدين من هذه التجارة يجب أن يتحملوا أمر أنفسهم.
ويضاف كل ذلك إلى التحدي الأهم الذي يواجه الرياض، المتمثل في صورة قيادتها المشوهة. وقد تم إدانة ولي العهد "محمد بن سلمان" على نطاق واسع بأنه أمر بقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، وتعرضت المملكة لانتقادات متزايدة بسبب حربها في اليمن.
وقد تكون واحدة من الأوراق القليلة المتاحة أمام الرياض للعب بها، هي تقديم مبادرات سلمية تجاه (إسرائيل)، وهي خطوة من المحتمل أن تعزز موقفها في واشنطن، مع توفير فوائد أخرى محتملة.
منافع العلاقة
وتواجه المملكة عواقب وخيمة ناجمة عن اشتباكاتها مع إيران الشيعية ووكلائها، وقد تعطل نحو نصف إنتاج البلاد من النفط نتيجة غارة بالطائرات بدون طيار شنها المتمردون الحوثيون اليمنيون المدعومون من طهران على منشآت نفط "أرامكو" الواسعة في بقيق، في 14 سبتمبر/أيلول 2019، وتتوعد الجماعة بهجمات إضافية إذا لم تنسحب قوات التحالف السعودي من اليمن.
وأثبت الهجوم أن الرياض معرضة لهجمات طهران وعملائها، وسيكون المزيد من الضربات الحوثية على قطاع النفط السعودي كارثيا؛ لأن النفط هو الركن الأساسي لاقتصاد المملكة وحجر الزاوية في تنميتها.
ووفقا لآخر بيانات صندوق النقد الدولي، شكلت إيرادات النفط نحو 85% من صادرات المملكة، ونحو 90% من إيراداتها المالية، ويشكل قطاع النفط أكثر من 40% من إجمالي الناتج المحلي، فيما يبلغ العجز في ميزانية المملكة كل عام ما بين 40 إلى 60 مليار دولار.
وتحتاج السعودية بشكل عاجل إلى طريق تصدير بديل للنفط، وهذا سبب آخر لمبادرات الرياض نحو تل أبيب. وتتحدث بالفعل مع (إسرائيل) حول خط أنابيب يمتد إلى إيلات لاستيراد الغاز الطبيعي الإسرائيلي.
وإذا تم تمديد هذا الخط، فإنه يمكن تطويره لاحقا كوسيلة بديلة لنقل النفط السعودي إلى ميناء حيفا العميق للتصدير إلى أوروبا والغرب، حيث سيكون أكثر أمانا وأسرع لضمان الصادرات، كونه سيتجنب العدوان الإيراني على مضيقي "هرمز" و"باب المندب" في البحر الأحمر، كما أنه سيوفر رسوم العبور الكبيرة لقناة السويس.
وقد يفتح هذا الطريق عالما جديدا من أسواق التصدير للمملكة. وفي الوقت الحالي، تتطلع البلاد إلى استيراد الغاز الطبيعي، ولكن في الوقت المناسب، قد تتحرك لتطوير احتياطياتها منه، حيث تملك خامس أكبر احتياطي في العالم من الغاز.
وتقوم (إسرائيل) بتطوير احتياطياتها من الغاز الطبيعي، لكنها لا تملك ما يكفي لبناء خط أنابيب تصدير إلى أوروبا. وقد يؤدي الارتباط مع السعودية إلى تعزيز الفوائد من خط أنابيب شرق البحر المتوسط، الذي قد يكون مربحا للغاية لكلا الشريكين.
مخاطر كبيرة
وسواء كانت السعودية تضغط من أجل الحرب مع إيران أم لا، فإن خياراتها لتجنب ذلك تضيق. ولدى المملكة، التي تقع ضمن مدى الصواريخ الإيرانية، الكثير لتخسره من مثل هذه الحرب أكثر من عدوتها.
وقال "جوشوا لانديس"، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما: "لن تدعم السعودية الحرب مع إيران التي تضر أكثر بالمملكة".
وتواصل طهران الاستفادة من العديد من الاضطرابات في الشرق الأوسط لنشر نفوذها، وتسعى إلى تشكيل جسر بري لربط إيران بسوريا عبر العراق، بما يشمل الحدود مع (إسرائيل) في الجولان، ولبنان، وهي المنطقة التي يطلق عليها اسم "الهلال الشيعي".
ويشكل الشيعة 10% فقط من المسلمين في العالم، لكنهم يشكلون أغلبية كبيرة في إيران، التي استخدمت الحركات الشيعية في أماكن أخرى لتأكيد هيمنتها الإقليمية.
ويمثل "الهلال الشيعي" المكتمل تحديا خطيرا للمصالح السعودية في المنطقة، وسيهدد طرق التجارة الحيوية وأمن المنطقة ككل، فيما سيجعل التدخل في المناطق التي تهيمن عليها إيران أكثر تعقيدا، نظرا لاحتمال التصعيد بين السعودية والقوات الوكيلة المدعومة من إيران.
وعلى نطاق أوسع، يغذي الوجود الإيراني الطائفية المتنامية، التي قد تشكل تهديدا للاستقرار الإقليمي في الأعوام القادمة، وستبذل الرياض ما في وسعها للتخفيف من هذا التهديد، حتى لو قامت في ذلك بمد يد الصداقة لـ (إسرائيل).