العربي الجديد-
في ديسمبر/ كانون الأول 2014، وجّهت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، خلال لقاء أجرته مع اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، سؤالاً بشأن إسرائيل، فكانت إجابته بأنه لا يمانع إقامة تواصل معها فـ"عدو عدوي صديقي" وفق قوله. وعلى الرغم من محاولات التبرير في حينه التي جاءت على لسان رئيس مجلس النواب المجتمع في طبرق، عقيلة صالح، بأنها كانت "زلة لسان"، إلا أن التقارير لم تتوقف خلال الأعوام التالية عن كشف علاقات مباشرة بين حفتر وإسرائيل على المستوى العسكري والسياسي، وانتهت أخيراً إلى تصريحات مباشرة من قِبل رموز معسكر حفتر بالدعوة لـ"التطبيع" علناً.
وفي أغسطس/ آب 2019، كتب معلّق الشؤون الاستخبارية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، المعروف بصلاته الوثيقة بالأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، في تغريدة على "تويتر"، أنّ حفتر على علاقة وثيقة بجهاز "الموساد"، من دون تقديم المزيد من التفاصيل حول طابع هذه العلاقة.
يحضر اسم الإمارات بشكل دائم في التقارير الصحافية التي تتحدث عن اتصالات بين شخصيات من معسكر حفتر والإسرائيليين. ففي يونيو/ حزيران 2017 استضافت جزيرة رودس لقاء جمع شخصيات من الحكومة المنبثقة عن برلمان طبرق والمتحالفة مع حفتر، من بينهم وزير الإعلام والثقافة عمر القويري، بممثلين عن يهود ليبيا المنفيين منذ ستينيات القرن الماضي، وشارك في اللقاء وزير الإعلام الإسرائيلي حينها، الليكودي أيوب قرا. ودافع القويري عن اللقاء في تصريح، حينها، لصحيفة "المرصد" المقربة من حفتر قائلاً "ليس لنا هدف أو مطمع سوى إخراج ليبيا من ورطتها ومأساتها، وسنعمل المستحيل من أجل ذلك". وكشفت الأديبة الليبية، وفاء البوعيسي، التي شاركت في اللقاء، في تدوينة على حسابها على "فيسبوك"، أنها تلقت الدعوة للمشاركة من محمد معين الكيخيا، منسق اللقاء. والمعروف أن الكيخيا، الذي عُيّن لبعض الوقت سفيراً لليبيا لدى الأردن، هو من أبرز الشخصيات المقربة من أبوظبي، وعمل ضمن مشاريع سيف الإسلام القذافي خلال عهد والده معمر القذافي، قبل أن ينضم إلى حزب "تحالف القوى الوطنية" بقيادة محمود جبريل (توفي في إبريل/ نيسان 2020) المدعوم من الإمارات. وعلى الرغم من أنه لم تظهر نتائج للقاء، لكن بدا أنه كان يهدف لتعبيد الطريق أمام خطوات أكبر وأوسع.
كل التحركات التي كانت تجرى في الخفاء خرجت إلى العلن في تصريحات لمسؤولين مقربين من حفتر طالبوا بالتطبيع علناً ونادوا بمساعدة إسرائيلية مباشرة. ففي مطلع ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، أجرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية لقاء مع وزير الخارجية في الحكومة المنبثقة عن برلمان طبرق، عبد الهادي الحويج، أعرب فيه عن أمله في "إقامة علاقة طبيعية مع إسرائيل". وعلى الرغم من اشتراط الحويج حل القضية الفلسطينية للتطبيع مع إسرائيل، إلا أن نائب رئيس هذه الحكومة، عبد السلام البدري، ذهب إلى ما هو أكثر من التطبيع، مطالباً إسرائيل بإنقاذ أوضاع حفتر المنهارة في جنوب طرابلس. وخلال لقاء أجرته معه صحيفة "ميكور ريشون" الإسرائيلية، في العاشر من يونيو/ حزيران الماضي، قال إن حكومته لم ولن تكون "عدوة أبداً" لتل أبيب. وتابع "كنا على مر التاريخ ملجأ لكل أبناء الديانات، لدينا تاريخ طويل من الاتصال مع إسرائيل والجالية اليهودية". وأضاف البدري: "نريد خريطة جديدة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح بلادنا إلى جانب دول المنطقة". وتابع "لا يمكن للأتراك، ولا الروس الذين يساعدوننا عسكرياً، إدارتنا كدولة وفق تصورهم، بالنسبة لنا الشركات الأميركية هي التي أسست صناعتنا النفطية ونحن ندعوها إلى العودة". ووفق الصحيفة فقد أرسل البدري عبرها رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلاً: "لم ولن نكون أبداً أعداء، ونأمل أن تدعمونا، الظروف هي التي حالت بيننا حتى الآن"، مضيفاً "ندعم حل الدولتين، في ذات الوقت لدينا مصلحة مشتركة نحن وأنتم في الجانب نفسه، سيكون غباء منا تجاهل ذلك".
ويرى عضو المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، إبراهيم صهد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخيط الناظم لعلاقة إسرائيل ببعض الأطراف الليبية يبدو أكثر ظهوراً من خلال الإمارات المنخرطة هي الأخرى في ليبيا. ويعتبر أن مسعى حفتر للتقارب مع إسرائيل لا يمكن أن يتحقق من دون عمل من حلفائه، مضيفاً "قد تكون القاهرة احتضنت بعض لقاءات حفتر بمسؤولين وضباط مخابرات إسرائيليين، لكنها بوساطة إماراتية". وبينما يلفت صهد إلى أن أبوظبي هي من عبّدت الطريق لتل أبيب في ليبيا، يكشف عن معلومات لديه تفيد بأن "الإمارات نسّقت للقاءات عديدة جمعت بين حفتر وضباط مخابرات إسرائيليين كانت تهدف إلى التمهيد لمؤامرة تشادية إسرائيلية للوجود في الجنوب الليبي بهدف السيطرة عليه وفصل منطقة الكفرة عن ليبيا بالتعاون مع عناصر قبلية على علاقة بتشاد توجد فعلياً في الجنوب"، مشيراً إلى أن زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى تل أبيب، كان أحد تجليات "هذه المؤامرة"، فقد زار حفتر إنجامينا للقاء ديبي فور عودة الأخير إلى بلاده، وفق صهد.
سعي حفتر للتطبيع مع إسرائيل ليس مستغرباً، فـ"جميع داعميه بالمال والسلاح، وعلى رأسهم الإمارات والسعودية، هم من أصدقاء تل أبيب"، وفق الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق. ويرى البرق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الواقع الجيوسياسي للصراع الليبي فرض على إسرائيل التعامل مع أزمة البلاد من زاوية مصر كونها تشكل تهديداً للأمن القومي المصري وبالتالي فهو تهديد لأمن إسرائيل، لكنه يعتبر أن مجمل الخطوات التي تتخذها أبوظبي تهدف من خلالها لربط ليبيا، من خلال مشروع حفتر، بواقع التطبيع مع إسرائيل مستقبلاً. ويلفت إلى أن تطور الأزمة الليبية الذي دفع بحكومة الوفاق للتحالف مع تركيا جعل تل أبيب تهتم بليبيا أكثر، إذ تجاوزت تأثيرات أزمة هذا البلد حدوده، لتصل إلى شرق البحر المتوسط من خلال الاتفاق البحري الموقّع بين طرابلس وأنقرة.