الخليج أونلاين-
أعادت المصالحة الخليجية كثيراً من الآمال حول تفعيل دور مجلس التعاون الخليجي، وإعادة تنشيط العمل على مشاريع استراتيجية أوقفتها الأزمة الخليجية، أو كانت عثرة في طريق إنجاز الوحدة الاقتصادية بين الدول الست.
وجاء وباء فيروس كورونا المستجد ليؤكد أهمية التكاتف الاقتصادي الخليجي في الوقوف أمام آثاره التي انعكست سلباً على اقتصاديات دول الخليج، خصوصاً بما يتعلق بأزمة انخفاض أسعار النفط لأسعار قياسية، مصحوباً بقلة الطلب عليه، وتأثير ذلك على الموازنات العامة لدول الخليج، وانخفاض معدلات النمو وتعثر العديد من المشروعات العملاقة.
وفي ظل التحديات الراهنة والمعطيات السياسية الجديدة، ما إمكانية أن تحقق دول الخليج في إطار مجلس التعاون شكلاً من التكامل الاقتصادي ينتهي بعملة موحدة ثم وحدة اقتصادية شاملة على المستوى القريب؟
وحدة اقتصادية في 2025
تمتاز دول الخليج عن غيرها من الدول العربية باستقرارها السياسي، ووجودها ضمن تكتل "مجلس التعاون" الذي أسس في ثمانينيات القرن الماضي، لمواجهة المخاطر والتحديات الخارجية التي تواجه الدول الست المطلة على مياه الخليج العربي؛ حيث استطاع الاستمرار رغم كل الظروف التي واجهت المنطقة، وخصوصاً الأزمة الخليجية الأخيرة التي اندلعت عام 2017.
وتمكنت دول الخليج بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف على اندلاع الأزمة من تجاوزها معلنة المصالحة في 5 يناير 2021، فاتحة صفحة جديدة للتعاون بين عواصم الخليج، مع العودة إلى استئناف المشاريع المعلقة تحت مظلة مجلس التعاون.
ورغم أن اجتماعات مجلس التعاون لم تتوقف خلال الأزمة، ونشطت بشكل بارز بعد تفشي جائحة كورونا، فإن مشاريع من نوع السوق المشتركة والاتحاد الجمركي والعملة الموحدة يحتاج أرضية مستقرة وصلبة للبناء عليها.
ومن هنا أكّدت القمة الخليجية، بدورتها الـ 41 (قمة العلا)، العديد من البنود التي تحضّ على التكامل الاقتصادي، من بينها التركيز على المشاريع ذات البعد الاستراتيجي، وأبرزها الانتهاء من متطلبات الاتحاد الجمركي، واتخاذ إجراءات عملية نحو تحقيق السوق الخليجية المشتركة، ومشروع السكة الحديد.
وشددت على ضرورة العمل على وضع منظومة متكاملة لتحقيق الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة، وتبني أهداف وآليات الثورة الصناعية الرابعة في مجال تقنية المعلومات، وتكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي.
كما أكّدت أهمية الاستمرار في دعم وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إيماناً منها بدورها الحيوي ومساهماتها في اقتصاديات دول المجلس.
ووجه المجلس بسرعة تنفيذ ما اتُّفِق بشأنه في خريطة الطريق، واستكمال الدراسات والمشاريع للوصول إلى الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون بحلول عام 2025.
هذا التوجيه، دفع الأمانة العامة لمجلس التعاون لاستغلال الفرصة والعمل على تنفيذ هذه المقررات عبر تنظيم لقاءات واجتماعات بين ممثلين ووكلاء عن وزارات وهيئات مختلفة عن دول الخليج.
وفي 9 مارس 2021، عقدت الأمانة العامة لقاء نقاشياً من تنظيم مكتب هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية لكبار المسؤولين في هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية لتقييم المبادرات والمشاريع الواردة في خريطة الطريق لتحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2025، عبر تقنية الاتصال المرئي.
وضم اللقاء العديد من الجهات ذات الاختصاص، وممثلين عن الوزارات ذات العلاقة في دول مجلس التعاون، ومن ضمنها وزارات الاقتصاد والمالية والتجارة والصناعة والنقل والاستثمار، وهيئات الجمارك، ومسؤولو لجنة السوق الخليجية المشتركة، وغيرها من الجهات، إضافة إلى اتحاد غرف مجلس التعاون، والقطاع الخاص ممثلاً بغرف التجارة والصناعة.
اللقاء أكّد أن البرنامج الزمني سيبدأ لتحقيق الوحدة الاقتصادية باستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي، واستكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة، وصولاً لتحقيق بقية متطلبات الوحدة الاقتصادية.
وناقش المجتمعون سبل تنفيذ المبادرات والمشاريع لتعزيز التكامل بين دول مجلس التعاون في المجالين الاقتصادي والتنموي وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية الخليجية.
ونوقشت التوصيات بشأن تقديم خريطة الطريق المفصلة والمترابطة لمشروع الوحدة الاقتصادية التي تسرع في تطبيق الوضع النهائي للاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، وتنفيذ المبادرات التحفيزية الأخرى.
وستعرض نتائج ومخرجات هذا اللقاء على الاجتماع القادم للجنة التحضيرية الدائمة على المستوى الوزاري لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية المزمع عقده خلال شهر أبريل 2021 للمباشرة في الخطوة التالية من التنفيذ.
أهمية الوحدة الاقتصادية
وتُظهر التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة الخليج، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، أهمية وجود "وحدة اقتصادية" تجمعها من عدة نواحٍ، وقد تمكنت الحكومات الخليجية من إقرار كثير من القوانين المشتركة في التجارة والجمارك والاستثمار والتعليم وتسهيلات السفر، ما يجعل الاستمرار في تنفيذ إطلاق السوق المشتركة والاتحاد الجمركي سهلاً، وصولاً إلى اكتمال ملامح الوحدة الاقتصادية.
وتُعرف "الوحدة الاقتصادية" أنها اتحاد بين دولتين أو أكثر لإزالة الرسوم الجمركية والقيود الكمية على التجارة الدولية، وإقرار سياسة زراعية مُشتركة، وتوفير حرية انتقال الأفراد ورؤوس الأموال، وإجراء تنسيق فعال بين السياسات النقدية وبين الدول الأعضاء، وقد نجح الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه قبل أكثر من نصف قرن في تحقيق أكبر اتحاد اقتصادي من نوعه في العالم، واستطاع قطف ثمار هذا التعاون ببناء قوة اقتصادية عملاقة.
ويتيح اعتماد الدول الخليجية على مصادر الطاقة ذاتها تقريباً من نفط وغاز، في تمويل موازناتها العامة، من تكرار الخطوة الأوروبية بالجانب الاقتصادي على الأقل.
وتهدف السوق الخليجية المشتركة إلى إيجاد سوق واحدة يتم من خلالها استفادة مواطني دول المجلس من الفرص المتاحة في الاقتصاد الخليجي، وفتح مجال أوسع للاستثمار البيني والأجنبي، وتعظيم الفوائد الناجمة عن اقتصاديات الحجم، ورفع الكفاءة في الإنتاج، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتحسين الوضع التفاوضي لدول المجلس وتعزيز مكانتها الفاعلة والمؤثرة بين التجمعات الاقتصادية الدولية.
وتبحث دول الخليج منذ أكثر من عقد، ضمن خطط ورؤى استراتيجية عن بدائل اقتصادية تخفف من اعتمادها على النفط ذي الأسعار المتذبذبة، عبر إطلاق مشاريع استثمارية تشمل مختلف المجالات وتمكنها من تحقيق قفزة اقتصادية كبيرة تحقق لها مزيداً من الرخاء والرفاهية.
وقد نجحت الدول الخليجية في إطلاق العديد من المشروعات السابقة، التي تعمل على تنفيذها مثل "قطار الخليج"، و"حماية الصناعة الخليجية"، و"التعاون الصحي لمكافحة كورونا"، ودراسة مشاريع جديدة مثل "شبكة أمن غذائي موحدة"، و"مشاريع الطاقة المتجددة"، بالإضافة للنجاح في التنسيق الأمني والعسكري بين مختلف الأطراف.