سياسة وأمن » دراسات سياسية

التدخل الروسي

في 2015/10/12

سالم الجهوري - عمان اليوم-

تسير الأمور في الشرق الأوسط إلى المجهول بعد التدخل الروسي في سوريا مؤخرا، والذي واجه انتقادات كبيرة من القوى الكبرى التي أعلنت معارضتها ذلك، هذا التدخل أرادت به موسكو ضرب مجموعة من العصافير بحجر واحد، بعد التلكؤ الأمريكي في تخليص المنطقة من التنظيمات المتشددة التي تعاظمت قوتها خلال الفترة الأخيرة.

لكن التدخل الروسي لمساندة ودعم الحكومة السورية في محاربة التنظيمات الإرهابية لم يكن ليتم لولا التفاهمات التي جرت بين موسكو وواشنطن والعواصم الأوربية، فيبدو أن قناعات الغرب أصبحت أكثر نضجا عن ذي قبل في مواجهة هذه التنظيمات التي أصبحت خطرا دوليا وليس إقليميا، وبالتالي تمت مراجعة ممارساتها وأفكارها وأهدافها، فأوكل للروس التعامل معها، رغم النقد العلني لها.

العصافير التي أرادت موسكو تصويب حجر واحد عليها هي، أنها تريد أن تقول للغرب أنني هنا، ها قد عدت من رحم السوفييت، ثم إنها تراهن على قدرتها العسكرية في سحق هذه التنظيمات، وفرصة لتجريب العديد من أسلحتها الجديدة، والبحث عن نفوذ في المنطقة في مواجهة الدول الداعمة للإرهاب في سوريا، وبناء تحالف مع ايران والصين وكوريا الشمالية يعيد شيئا من التوازنات للأقطاب الدولية، أضف إلى أن الوقوف في وجه هذه التنظيمات سيقلل من الخطر عليها وسيمنع تقدمها وإعادة إحياء مطالبات استقلال الشيشان عن روسيا خلال المرحلة المقبلة، إلى جانب إيجاد توازنات ردع جديدة في الشرق الأوسط، وإثبات جدية التحالف مع دمشق التي وقعت معها اتفاقية الدفاع المشترك منذ ثمانينات القرن الماضي.

قد لا يكتب النجاح كليا لروسيا في مهمتها العسكرية، وقد تواجه الكثير من الفشل على الأرض السورية، لكنها ستحد من تراجع القوة العسكرية السورية أمام التنظيمات التي باتت تملك الكثير من الأسلحة المتطورة، والتي تتدفق عليها من الدول المنتجة والسوق السوداء.

الروس يدركون أن سقوط سوريا يعني سقوط المنطقة برمتها لاعتبارات كثيرة منها تعددية الاتجاهات لدى الجماعات المسلحة وضعف المعارضة المعتدلة وتراجع قدرات الجيش السوري الحر، وتنامي التشدد في المجوعات الأخرى، وهذا لا يهيئ إلى توحد بين هذه الأطياف معا، ثم الإدراك أن الإسرائيليين سيتوسعون أرضا في الحدود السورية وقد يصلون إلى حدود العراق لعدم وجود موانع سياسية وعسكرية، إلى جانب نشوء دويلات ضعيفة كالأكراد والسنة والعلويين وغيرهم من القوميات التي كانت سائدة قبل توحد سوريا في النصف الأول من القرن الماضي.

الروس أدركوا خطورة الموقف، فيما ترددت إدارة الرئيس الأمريكي اوباما في تقدير الأوضاع ورسم مسار يخدم المنطقة قبل مصالحها العليا.