خميس التوبي- الوطن العمانية-
الحديث الأميركي ـ ومن معه في معسكر التآمر والعدوان على سوريا ـ عن ما يسمى “المعارضة المعتدلة” وتسليحها، لا يختلف في شيء عن الحديث عن استراتيجية محاربة ما يسمى تنظيم “داعش” الإرهابي ودور التحالف الستيني في هذه المحاربة المزعومة، ذلك أن كلا الحديثين مبني على الكذب والخداع وتزييف الواقع في أعين المتابعين، ويريد معسكر التآمر والعدوان قيادة حملة التضليل وغسل الأدمغة إلى ما لا نهاية، حتى يحقق ما وضعه من خطط ومشاريع استعمارية في المنطقة.
لقد أثبت التدخل العسكري الروسي في محاربة الإرهاب وفي مقدمته الإرهاب القاعدي بذراعيْه “داعش والنصرة”، ليس صواب الموقف الروسي العسكري والسياسي وواقعيته فحسب، وإنما مدى سياسة الابتزاز والتحايل لمعشر المتآمرين والمرتكزة على الكذب والنفاق والفبركة والتدليس والتشويه والتحريض، واختلاق انتصارات مزعومة على إرهاب “داعش” في كل من العراق وسوريا، في الوقت الذي تتمدد فيه أذرع الإرهاب وبخاصة ذراعا القاعدة “داعش والنصرة” تحت مظلة الاستراتيجية الإعلامية والتحالف الستيني الهلامي.
وعلى الرغم من إقرار الولايات المتحدة بفشل برنامجها لتدريب الإرهابيين لإسقاط الدولة السورية تحت الواجهة المزعومة وهي دعم “المعارضة المعتدلة”، فإنها لا تزال مصرة على مواصلة صناعة هذا الوهم وتسويقه للرأي العام الأميركي، لإخفاء علاقتها بتنظيم القاعدة الإرهابي عبر ذراعيْه “داعش والنصرة”، وانحيازها المطلق لهذا الإرهاب في مواجهة دعوات الحلول السلمية والمبادرات التي تقودها منظمة الأمم المتحدة عبر وسيطها ستافان دي ميستورا، الذي أكد بدوره أن مفتاح الحل في سوريا يتوقف على التوافق الأميركي ـ الروسي، وهذا ما لا يريده معسكر التآمر والعدوان بقيادة الولايات المتحدة، بدليل ضجيج هذا المعسكر الذي يتصاعد يوميًّا على وقع قوة الضربات الروسية المؤلمة والدقيقة ضد العصابات الإرهابية القاعدية التابعة لمعسكر التآمر الذي يسوقها كذبًا وزورًا على أنها “معارضة معتدلة”. ولو كان هؤلاء المتآمرون على سوريا صادقين في كل ما قالوه ويقولونه وسيقولونه، لكانوا امتنعوا منذ البداية عن إنتاج خلايا الإرهاب وعصاباته ودعمها، وتدريبها وتسليحها وعدم توفير الغطاء السياسي، والتحرك لتوفير الغطاء العسكري الجوي لتبيد الحرث والنسل في سوريا، وتستكمل مشروع تدمير الدولة السورية، كما فعلوا ذلك في ليبيا ويفعلونه في العراق، وامتنعوا عن فرض عقوبات اقتصادية جائرة بحق الشعب السوري، وعن محاولة استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع لاستهداف سوريا، وأيدوا المبادرات السلمية وشجعوا الحوار الوطني السوري ـ السوري. ثم إن من يعلن أمام الملأ أنه يحارب الإرهاب، لا يضيره أن يشترك معه آخر في ذلك، ولا يرفض التنسيق معه. ولكن ما يحدث هو العكس، فمعسكر التآمر والعدوان الذي يدَّعي أنه يحارب الإرهاب يكاد يبكي دمًا مما أصاب من خسائر عصابات الإرهاب، وفي سبيل إيقاف ذلك أخذ يشن حربًا سياسية وإعلامية ونفسية ضد روسيا.
إن هذا الرفض المطلق من قبل معسكر التآمر والعدوان للحلول والمبادرات السلمية والسياسية كافة في سوريا، والانحياز للإرهاب القاعدي بجميع أذرعه وخلاياه وعصاباته والدفاع عنه، والصراخ والنباح بسبب العمليات العسكرية الروسية، كل ذلك وحده كافٍ للبرهنة على عدم مصداقية هذا المعسكر المتآمر في محاربته الإرهاب وبخاصة إرهاب “داعش”، و”مساعدة” الشعب السوري حتى تحقيق تطلعاته، و”رفضه” تقسيم سوريا. فالأمر كله متعلق بأطماع استعمارية إمبريالية صهيو ـ غربية ـ إقليمية ـ عربية، وما إرهاب “داعش” ومساعدة الشعب السوري ودعم “الإرهاب المعتدل”، سوى أقنعة زائفة ووسائل إقناع كاذبة موجهة بالأخص للرأي العام الغربي، تشبه تمامًا تلك الأقنعة والأكاذيب التي ساقها غزاة العراق للتمهيد لإسقاطه وتدميره ونهب ثرواته وتجريفه من العقول والكوادر الكفؤة، وإخراجه من المعادلات الإقليمية، وقطع دوره في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته ومقاومته، وهي أيضًا الأقنعة والأكاذيب ذاتها التي ساقها غزاة الناتو لتبرير نسفهم الدولة الليبية ونهب ثرواتها، وإسقاطها من المعادلات الإقليمية، وقطع دورها في دعم الشعب الفلسطيني.
لذلك، ليس مثيرًا للدهشة والاستغراب إعلان الولايات المتحدة أمس الأول على لسان الكولونيل باتريك رايدر المتحدث باسم قيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) أنها ألقت جوًّا أسلحة وذخائر لخلايا إرهابية تابعة لـ”سي آي إيه”، وصفتها بأنها “مجموعات عربية سورية خضع المسؤولون عنها لعمليات تدقيق ملائمة من جانب الولايات المتحدة”. أي أن إرادة معشر المتآمرين سائرة نحو مواصلة دعم الإرهاب بكل انتماءاته حتى الإطاحة بالدولة السورية، طالما لم تتحقق بعد الأهداف ذاتها التي ساقها المتآمرون للإطاحة بالعراق وليبيا، وبخاصة مشروع أنابيب الغاز التي يرمي المتآمرون مدها عبر الأراضي العراقية والسورية إلى أوروبا، لضرب روسيا واقتصادها وحرمانها من استثمار غازها في القارة العجوز، والذي تمثل إمداداته ورقة ضغط روسية.