شؤون خليجية -
يحمل قرار إلغاء زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، إلى روسيا بشكل مفاجئ اعتراضاً على قصف المقاتلات الروسية لسوريا، دلالات مهمة في مسار العلاقات الروسية الخليجية، وإمكانية تشكل تحالف سني يضم "قطر وتركيا والسعودية"، وينذر بمواجهة على الأقل دبلوماسية وسياسية، في ظل تصاعد التهديدات الروسية المباشرة والضمنية للدول الداعمة للمعارضة السورية المعتدلة، ولغة موسكو بالإنذار والوعيد في حال تسليحها بأسلحة متطورة نوعية.
يأتي إلغاء زيارة أمير قطر، بعد أيام من إلغاء زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز العاهل السعودي إلى موسكو، فيما يرجح احتمال بوادر تنسيق "سعودي- قطري" في المواقف الدبلوماسية تجاه موسكو، وكلاهما بالفعل ضمن محور "قطري- سعودي - تركي"، ويحمل موقفًا موحدًا تجاه بشار الأسد والمعارضة المعتدلة، فيما تمارس موسكو استعراض القوة العسكرية ضدهم، بل اخترقت الأجواء الجوية التركية بالتزامن مع قصفها صواريخ من سفن روسية ببحر قزوين على أهداف في سوريا، كإنذار لدول هذا المحور الذي ما زال في طور التشكل والبناء، خاصة على الصعيد العسكري، وما زال حلفًا سياسيًا دبلوماسيًا ولم تقرر دوله بعد خوض حرب مباشرة ضد التدخل الروسي، فيما تلتزم بحسب مراقبين باستمرار تسليح المعارضة.
أداة ضغط دبلوماسية
يمثل إلغاء قطر للزيارة أداة ضغط سياسية ودبلوماسية واقتصادية في آن واحد، فالزيارة كانت ستشمل بالطبع عقد صفقات تجارية وتسليحية وتنسيق بشأن ملفات عديدة، ويعكس التزامًا قطريًا سياسيًا وأخلاقيًا بموقفها تجاه بشار الأسد والتدخل الروسي، دون تغير، مع فتح الطريق بالوقت نفسه أمام الحل السياسي، ولكن بشروط وضوابط.
وكانت مصادر روسية قد ذكرت أن أمير قطر الشيخ تميم ألغى بصورة مفاجئة زيارته التي كانت مقررة إلى روسيا، بسبب عمليات القصف الجوي التي تقوم بها المقاتلات الروسية في سوريا، ونقل موقع "راسنوفوسيتي" الروسي عن الكاتب ألكسندر بوخانوف قوله: إنه كان من المقرر أن يزور الأمير تميم موسكو حاليًا، لكنه ألغى الزيارة بشكل مفاجئ، فيما يبدو أنه احتجاج على الهجوم الروسي في سوريا.
منعطف جديد
وقد تكون زيارة أمير قطر مؤجلة لمنح الدوحة فترة لإعادة ترتيب الأوراق والأولويات، ومن المعروف أن قطر تنتهج سياسية خارجية هادئة، وتميل إلى ترجيح الخيارات السياسية السلمية، وشهدت العلاقات القطرية الخليجية والقطرية - السعودية تطورًا نوعيًا في عهد القيادة الجديدة للملك سلمان للسعودية، بجانب التقارب القطري - التركي، الأمر الذي عزز هذا المحور، بل توقع خبراء في إبريل الماضي شن "عاصفة حزم" تركية - قطرية - سعودية على غرار اليمن، إلا أن ذلك الخيار تراجع وبقي ترجيح السعودية خيار رحيل الأسد بحل سياسي أو بعملية عسكرية، ولكن بعد الاحتلال الروسي الفج لسوريا وتدخلها بقوة، تراجعت الرياض قليلًا للوراء، وأعطت أولوية للخيار السياسي كأداة لرحيل الأسد، مع ثبات الموقف التركي والتفاهم حول الأمر نفسه، فيما يبدو أن المعركة السياسية ضد الأسد وبوتين ستكون حاسمة وملتهبة.
وكان أمير قطر قد عقد اجتماعًا، في شهر أغسطس الماضي، مع وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف» خلال زيارته للدوحة، تناولا خلاله الأزمات التي تشهدها المنطقة، وسبل التصدي للإرهاب، وكانت قطر محطة ضمن حراك سياسي روسي نشط صاحبه الأمل في تسوية سياسية، لكن تحفظ وفتور دول الخليج تجاه مبادرة "بوتين" بتشكيل تحالف دولي تقوده روسيا ضد داعش، عجل بالاحتلال الروسي لسوريا لفرض هذا التحالف بالقوة، وفرض حل سياسي برؤية روسية بالقوة أيضًا وتحت قصف الصواريخ الروسية.
منعطف جديد تدخله العلاقات السعودية- القطرية- الروسية، إلا أنه لم يدخل بعد مرحلة الصدام المباشر أو التلويح بمواجهة عسكرية، فميزان القوى العسكرية يميل لصالح روسيا، إلا أن موسكو تحت ضغوط مصالح اقتصادية ومالية وتجارية واستراتيجية مع دول الخليج، ومن ثم من المرجح أن تدخل جميع الأطراف في ماراثون لحصد أكبر مكاسب عسكرية ميدانية ممكنة قبل أول جلسة مفاوضات حول مصير الأسد، مع ترجيح مراقبين أن روسيا تريد تعزيز فرصها وحصد مكاسب استراتيجية لتأمين حدودها وعمقها، وهي لا تمانع في رحيل الأسد كشخص، ولكنها ترفع ثمن رحيله بضغط الصواريخ.
الدب الروسي إلى أين؟
هل يتجرأ الدب الروسي ويرد على قطر بتهديد جديد عقب تهديدات متوالية ضمنية ومباشرة لقطر وتركيا والسعودية منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا، حيث بدأ الاحتلال الروسي لسوريا واستهداف المعارضة السورية المعتدلة، وبخاصة مع توقع استمرار دعم هذا المحور الثلاثي للمعارضة المعتدلة؟
يعد الموقف القطري ثابتًا تجاه نظام الأسد، وهو ما أكد عليه الأمير «تميم آل ثاني» أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر الماضي، بقوله: «لقد عبث النظام السوري بمفهوم الإرهاب، فسمى المظاهرات السلمية إرهابًا، ومارس هو الإرهاب الفعلي، كان على المجتمع الدولي أن يوقف المجازر قبل أن يستفحل أمرها، ويوفر الظروف للشعب السوري لإنتاج البديل العقلاني المدني العادل، إنني أدعو من على هذا المنبر المجتمع الدولي لفرض حل سياسي، ينهي عهد الاستبداد ويحل محله نظامًا تعدديًا يقوم على المواطنة المتساوية للسوريين جميعًا، وليس نظامًا قائمًا على المحاصصة».
ودعا إلى حوار خليجي إيراني تستضيفه الدوحة، ما يجعل الخلاف الروسي مع قطر باهظ الكلفة، لأن الدوحة رغم صغر حجمها الجغرافي تميزت بتقديم أطروحات جريئة للعلاقات مع إيران وقضايا المنطقة.
ملف تسليح المعارضة السورية
يعد ملف تسليح المعارضة السورية، واستمرار القصف الروسي لسوريا، والموقف من نظام الأسد أبرز نقاط الخلاف القطري - الروسي، فقد كشف ثوار حلب في تصريحات لصحيفة "أوبزرفر" البريطانية، أمس الأحد عن تلقيهم خلال الأيام الماضية، كمية كبيرة من الصواريخ المضادة للدبابات من تركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة. وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع قيام روسيا بتمهيد الطريق أمام تقدم قوات نظام بشار الأسد، وكذلك المدعومة من إيران، في حلب.
وفي شأن تسليح المعارضة أفادت النشرة الأسبوعية لموقع "أنتلجنس أون لاين"، الاستخبارية الفرنسية، في عددها بتاريخ 9 أكتوبر الماضي، أن بعض دول الخليج لا تنوي الجلوس والتفرج في الوقت الذي تكثف فيه روسيا انغماسها العسكري في سوريا، واستنادًا للمعلومات التي تم الحصول عليها من مصادر الثوار السوريين، فقد وعدت الرياض والدوحة بدعم الثوار بأحدث جيل من الصواريخ المحمولة أرض - جو، أو منظومات الدفاع الجوي المحمولة (MANPADS).
ووفقًا للتقرير، فإن قائمة المستفيدين من المتوقع أن تضم أحرار الشام، وبعض الكتائب والمجموعات التابعة للجيش الحر المنتشرة في جنوب سوريا، في محافظة درعا. وأفادت النشرة الاستخبارية أن رئاسة الاستخبارات السعودية التي كانت تتعامل مع بعض الألوية منذ بداية الثورة المسلحة، تضغط بشدة لإرسال شحنات الأسلحة، على غرار ستينغر التي تم تسليمها إلى المجاهدين الأفغان في ثمانينيات القرن الماضي. ومن المتوقع أن تتولى الاستخبارات التركية (MIT) التعامل مع الجوانب التقنية للعملية، وأبرزها إيصال الإمدادات إلى الثوار المقاتلين في شمال سوريا.
ومن الواضح أن تركيا على خلاف شديد مع روسيا في الفترة الأخيرة، وتحديدًا منذ بدء الغارات الجوية المكثفة على سوريا، حيث اخترق طيرانها المجال الجوي التركي من دون ترخيص.
وقالت النشرة إن قرار توريد منظومات الدفاع الجوي المحمولة إلى ثوار سوريا قد يعقد خطط روسيا تقنيًا واستراتيجيًا، وإن مصدر القلق الآخر بالنسبة للقوى السنية هو مخطط موسكو لـصبغ عملياتها العسكرية بالصبغة الإقليمية، حيث هددت روسيا من يمد المعارضة المعتدلة بسلاح نوعي، وحذرت من تسليح فصائل المعارضة الذين وصفتهم بـ"الإرهابيين"، بصواريخ جوية متنقلة، تحمل على الكتف، وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون مكافحة الإرهاب أوليغ سيرومولوتوف، أن محاولة توريد صواريخ محمولة لـ"لإرهابيين" في سوريا ستعتبر مساعدة مباشرة لهم، مع كافة الآثار المترتبة على ذلك.
فهل تدخل قطر ومحورها السني على خط المواجهة مع روسيا في مسارات سياسية ودبلوماسية وإقليمية.. وكيف سيرد الدب الروسي؟