رأي الوطن العمانية-
اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الرئيس السوري بشار الأسد أمس الأول في موسكو، جاء في توقيت فاجأ الأصدقاء قبل الأعداء، لاعتقاد أن الظروف لا تسمح بأن يقوم الرئيس بشار القيام بزيارات خارجية لكون حياته غدت هدفًا لأعداء سوريا وشعبها وقيادتها، والمخاطر التي تحيط بمثل هكذا زيارة كثيرة. إلا أن الزيارة في التوقيت وفي هذه المرحلة الراهنة أراد الحليفان الروسي والسوري منها إرسال رسائل كثيرة لحلف التآمر والعدوان، ليس فقط لتؤكد مدى السرية التي أحاطت الزيارة وفاعلية دور الاستخبارات في ترتيبها، واختراق الأجواء السورية والمنطقة والبحر الأبيض المتوسط المغطاة بمختلف الطائرات الحربية وطائرات التجسس وبالأقمار الصناعية، وإنما لتقدم أكثر من رسالة واضحة وصادقة في المغزى والشكل.
فالزيارة أراد الرئيس بوتين من خلالها بداية التأكيد على سيادة سوريا وشرعية حكومتها وشرعية رئيسها بشار الأسد التي أكد عليها الشعب السوري في الانتخابات الأخيرة والإصرار على انتخابه لإعطائه تفويضًا شرعيًّا شعبيًّا يخوله قيادة السوريين في هذه المرحلة الراهنة والحساسة، وبالتالي دعوة الرئيس الروسي لنظيره السوري وتلبية الأخير للزيارة فيها رد بالغ على أعداء سوريا الذين تمادوا في التعدي على خيارات الشعب السوري وعدم احترام صوته واختياره لرئيسه، متجاوزين الأعراف والقوانين الدولية بتدخلهم السافر في الشأن الداخلي السوري، وانتهاك سيادة الدولة السورية وحقوق شعبها وحريته في اختياراته، والقفز على تطلعاته بإنتاج الإرهاب وعصاباته ودعمها بالمال والسلاح والتدريب والرعاية السياسية لها، لتمكينها من أن تعيث فسادًا في الأرض السورية، وتبيد البشر والحجر والشجر فيها. كما أن الزيارة فيها رد واضح على أولئك الذين صعدوا المنابر بعدما قبضوا الأموال المشبوهة وألغوا في السياسة بقولهم بأن التدخل الروسي العسكري في سوريا لن ينقذ الرئيس بشار الأسد.
وفي الاتجاه الآخر، أراد كل من الرئيسين الروسي والسوري التأكيد على صدق التوجه في محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وتخليص الشعب السوري منه ومن ثم المباشرة في الحل السياسي؛ لكون هذا الإرهاب المدعوم من حلف قوامه ستون دولة هو الذي يمثل عائقًا أمام تحقيق تطلعات الشعب السوري، ومباشرة الحل السياسي عبر الحوار الوطني السوري ـ السوري. فالرئيس بوتين كان واضحًا في قوله “نحن مستعدون للمساهمة ليس فقط بالأعمال العسكرية في مكافحة الإرهاب وإنما أيضًا في عملية سياسية”، في حين أكد الرئيس الأسد أن “هدف العمليات العسكرية في سوريا هو القضاء على الإرهاب الذي يعرقل التوصل إلى حل سياسي” مشددًا على “ضرورة وقف كل أشكال الدعم للتنظيمات الإرهابية وفتح المجال أمام الشعب السوري لتقرير مستقبل بلاده بنفسه”.
ولذلك، فالزيارة لم تأتِ من منطلق الرفاهية السياسية أو إغاظة الأعداء والخصوم، بل جاءت لتؤكد أن العلاقة بين روسيا الاتحادية وسوريا هي علاقة تحالف استراتيجي، وأن شعور سوريا بالوجع هو الشعور ذاته في روسيا والعكس صحيح، وأن الإرهاب مثلما يشكل خطرًا داهمًا على استقرار هذين الحليفين ويهدد أمنهما، هو كذلك لا محالة بالنسبة للدول المعادية لسوريا والرافضة للتدخل الروسي العسكري الشرعي المتوائم مع القانون الدولي والشرعية الدولية، والذي جاء بطلب من الحكومة السورية الشرعية المنتخبة.
إذًا، هي زيارة حملت الكثير من الرسائل السياسية والدبلوماسية والعسكرية، خاصة وأنها جاءت بدعوة من رجل الكرملين القوي، في الوقت الذي يحشد فيه حلف التآمر والعدوان على سوريا أساطيله وطائراته الحربية المختلفة والمتعددة المهام، وجيوشه في المتوسط وفي القوقاز، بأن قضايا الأمن القومي ليس فيها مساومات وتنازلات، وفي الوقت الذي يوقع فيه الجانبان الروسي والأميركي مذكرة تجنب الحوادث في الأجواء السورية، وفي الوقت الذي يصل فيه حلفاء المحور الرباعي إلى أعلى مستوى في التنسيق الأمني والمعلوماتي، وأعلى درجات المهنية في التعاطي مع الملفات الساخنة والتحديات المشتركة.