شؤون خليجية-
"ما تداعيات زيارة بشار الأسد لموسكو على العلاقات الروسية الخليجية".. سؤال يصعب الإجابة عليه حيث لم يتضح بعد الأهداف الحقيقية وغير المعلنة لروسيا من هذه الزيارة، فإذا كانت ورقة للضغط على بشار وبداية ترتيبات الحل السياسي النهائي فإن ذلك سينعكس بالإيجاب على علاقة موسكو بالخليج، وإذا كانت روسيا تريد التهديد والتلويح بقدرتها على إبقاء نظام بشار لفترة أطول في السلطة فإن ذلك سيؤدي لمزيد من التوتر على العلاقات بينهما، ولكن في جميع الأحوال يبدو أن روسيا حريصة على فتح قنوات اتصال وتفاهم مع الجانب الخليجي وبخاصة السعودية كأهم دولة إقليمية مؤثرة بالأزمة، كذلك يربطها بالخليج علاقات اقتصادية وعسكرية ومالية وتجارية يصعب إهدارها أو تهميشها، وبخاصة سلاح النفط الخليجي.
ويعد التوصل لتفاهمات بشأن ملف النفط وأسعاره وكمياته من قبل دول الخليج أحد أسباب التدخل الروسي في سوريا حيث تريد موسكو فرض وجودها بالقوة على جميع موائد التفاوض الخاصة بالأسد ومصالحها بالمنطقة ومنها النفطية والإستراتيجية وقواعدها العسكرية وأماكن تمركزها، ولا تخوض روسيا الحرب في سوريا إلى ما لا نهاية ولكن لأهداف محددة.
في المقابل قامت السعودية بفتح قنوات اتصال مع موسكو بعد بدء الغارات الروسية في محاولة لاستمالة الدب الروسي واحتوائه مع التمسك بخيار رحيل الأسد لأنه ليس له دور في مستقبل سوريا.
بوتين والخليج إلى أين؟
جاء اتصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، هاتفيًا، أمس الأربعاء، عقب زيارة بشار الأسد كمؤشر لحرص بوتين على إطلاع الرياض على مجريات الأمور وتأكيد مبدأ التشاور والتنسيق وعدم الانفراد بتسويات الحل النهائي. حيث جرى خلال الاتصال بحث العلاقات الثنائية، إضافة إلى الأوضاع في المنطقة ومستجدات الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية.
وكان إلغاء زيارتين خليجيتين للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى موسكو بشكل مفاجئ برغم اكتمال ترتيبات الزيارتين بمثابة جرس إنذار للدب الروسي وعامل ضغط قوي لما تعكسه من تهديد لصفقات كثيفة تستفيد منها بالأساس موسكو، كذلك تدرك روسيا ثقل السعودية كمركز لمحور سني في مواجهة التدخل الروسي الإيراني، بما يعني أن محاولة استفزازها بهذه الزيارة قد يعقد الأزمة ويصعد من فرص اللجوء للخيار العسكري الذي لوح به هذا التحالف على لسان وزير الخارجية القطري الذي لم يستبعد اللجوء للخيار العسكري إن تطلب الأمر ذلك.
زيارة الأسد لموسكو ليست الحاكم الوحيد للعلاقات بين البلدين ولكنها قد تكون ردا على تمسك المحور السني "قطر- تركيا- السعودية" بتسليح المعارضة السورية المعتدلة، ومن ثم إطالة أمد الحرب وإفشال مخطط "بوتين" في تمكين نظام الأسد من مواقع بعينها بما يجعل استضافة الأسد تصعيد لخط المواجهة السياسية والعسكرية مع دول الخليج الرافضة لبقاء الأسد وتمهيد للتفاوض بينهما وفتح المجال للمساومات والصفقات بحسب مراقبين.
بوتين يضغط لحصد صفقات ومكاسب
دخلت روسيا في تحالف مع إيران في سوريا التي تعد أكبر مصدر تهديد للخليج وللرياض تحديدا في الوقت الراهن، ما يجعل روسيا عليها المواءمة بين مصالحها مع طهران ومصالحها في الخليج والذي يضخ مليارات الدولارات على خزينتها من خلال صفقات متنوعة.
ووصل حجم إجمالي التبادلات التجارية بين روسيا ودول الخليج 3.7 مليار دولار عام 2013، كان للإمارات النصيب الأكبر منه بنسبة 67% من حجم التبادل.وهناك مجالات رئيسية والتي من الممكن أن تتحرك فيها العلاقات بين روسيا ودول الخليج، قطاع النفط، برامج التسلُّح، قطاع الطاقة النووية التي اقترحت حديثًا، بعد التوصُّل للاتفاق النووي الإيراني.
وكانت قد انتهت زيارة بن سلمان لروسيا في يونيو الماضي باتفاقيات من السعودية (يقدرها البعض بـ10 مليارات دولار، ويقدرها البعض بحوالي 15 مليار دولار)، كمحاولة للحكومة الروسية للنجاة من المشكلات الاقتصادية التي تواجهها بسبب العقوبات وانخفاض سعر النفط الذي تسببت فيه السعودية بالأساس في صراعها مع إيران.
ومن ثم فروسيا تضغط بورقة بشار لحصد المزيد من الصفقات والأموال ومراجعة سياسات الخليج وبخاصة السعودية تجاه ملف أسعار النفط.
علاقات متشابكة ومعقدة
العلاقات بين الخليج وروسيا معقدة ومتشابكة فروسيا لاعب رئيسي بأهم الملفات الخليجية ليس فقط في سوريا وفي اليمن أيضا حيث استمعت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي، لشهادة خبيرين في الشأن اليمني وفي العلاقات الأميركية الخليجية في 7 أكتوبر الجاري منهما ماري بيث لونغ والتي حذرت من أن إيران تستغل الصراع الدائر في اليمن لتوسيع نفوذها الإقليمي. ونبهت لونغ الإدارة الأميركية وأعضاء اللجنة إلى خطورة ما وصفته بالتنسيق الإيراني الروسي في اليمن، وفي المنطقة بشكل عام، قائلة إن روسيا وإيران تقومان بتوزيع الأدوار بينهما.
على المحك
في ظل استمرار تنسيق روسيا مع حلف "طهران-بشار الأسد" والتمدد الروسي في العراق أيضا، ما يجعل موسكو وطهران معا قادران على تطويق الرياض من جهة الشمال والشرق والجنوب انطلاقا من قواعد روسيا في سوريا، كل ذلك يجعل العلاقات الخليجية الروسية على المحك.
وهو ما يطرح تساؤل حول المقابل الذي تريده روسيا من الخليج حتى تقلل من حجم وعمق ودائرة تحالفها مع إيران، وهل تكفي سياسة العصا والجزرة والدبلوماسية الناعمة للخليج، وهل يستطيع تحمل تبعات تغييرها بالتلويح بخيارات المواجهة المباشرة في ظل استعراض القوة الروسي المتواصل.
وحتى نعرف تأثير زيارة بشار على العلاقات الروسية الخليجية لابد من طرح تساؤل هل يمكن التعويل على "مبادرة" روسية جديدة محتملة تأخذ في الاعتبار أن على بشار الرحيل حتى لو بقي لفترة وجيزة (بضعة أشهر) خلال الفترة الانتقالية؟ حيث يرى مراقبون أنه من السابق لأوانه الرهان على موقف روسي بنّاء، فبوتين، وبعد عشرين يوما على بدء عدوانه على سوريا، لم يستهدف سوى المعارضة السورية المسلحة والعديد من الأهداف المدنية، في حين تحاشى رمي ثقله العسكري ضد تنظيم "داعش". هذه هي الحقيقة المثبتة في تقارير دولية متقاطعة لا تشجع على الركون إلى نيات الرئيس الروسي الذي يمكن أن يكون في تظهيره "عملية سياسية" مزعومة يهدف إلى تغطية توسيع عدوانه في سوريا، وزيادة الضغط عسكرياً على المعارضة بهدف إلحاق هزيمة ميدانية بها، ليتم تعديل موقف بشار التفاوضي تحت مظلة روسيا وإيران.
الأمر الذي سيولد فجوة وربما قطيعة كبيرة بينه وبين دول الخليج وبخاصة إذا فضل بوتين علاقته مع طهران على حساب علاقته بالخليجيين، فالتمسك بالأسد يصعد من احتمالية الانتقال لمواجهة مباشرة بين محور "موسكو - طهران – بشار" من جانب وبين الحلف السني الداعم للمعارضة السورية "قطر-تركيا-السعودية" من جانب آخر، فتقدم المعارضة السورية المعتدلة أمام الأسد سيضعف جبهة بوتين ويوسع دائرة خسائره وفترة وجوده بسوريا.
في المقابل يرى مراقبون أنه وبالرغم من أن موسكو تبدو وكأنها تخطط لتواجد طويل المدى في سوريا، فهذا التواجد سيظل ضمن حدود معينة، وليس للأبد ومن ثم لابد بالنهاية أن تنتهي بفرض تسوية سياسية قد يكون بدايتها زيارة الأسد لموسكو.