فضيلة الجفال- الاقتصادية السعودية-
جمعني ظرف قصير مع مجموعة من الإعلاميين البريطانيين والعرب في لندن. ثرثرنا عن المنطقة حتى علق أحدهم على ردة الفعل والصحافة البريطانية حول قضية البريطاني المسن في جدة الذي حكم عليه بـ 350 جلدة. كان الحدث طازجا يومها، وقلت إن القضية "قانونية" مثل أي قانون في بريطانيا ينبغي احترامه من الجميع. واحتدم النقاش حول الحكم نفسه وهو الجلد بوصفه مستفزا. في الحقيقة لا عجب من التندر النمطي، لاسيما أن قصصنا الصفراء لطالما كانت مادة خصبة للصحافة العالمية. خلال العامين الأخيرين، غطت الصحافة البريطانية قضايانا المثيرة بضمير يقظ، حتى الأسبوع الأخير الذي حمل خبر حكم جلد البريطاني، الأمر الذي جعلت منه BBC السعودية هدفها الأساسي لممارسة الضغط الإعلامي الممنهج. ومن بين ذلك الضغط لصالح قضايا داخلية وسجناء سعوديين أيضا.
المسألة ليست الأخبار والتقارير المتعلقة بحدث، إذ لم توفر الصحافة البريطانية مقاطع فيديو أشبه بالتعليمية للمذاكرة، وبعناوين تلقت تفاعلا جماهيريا مثل: لقد عرفنا خمسة أشياء عن السعودية هذا الأسبوع: المرأة السعودية، وولي أمرها.. إلخ. صحيح أن الصحافة معولمة والسعودية بلد مهم، وبعض قضايانا مثيرة للعالم، لكن ذلك ليس سببا أساسيا في الحقيقة لنكن منصفين، من الطبيعي أن تتعاطف الشعوب والدول مع مواطنيها، فليس البريطانيون وحدهم، السعوديون أيضا تعاطفوا واحتجوا بكثافة أيضا مع قضايا حكم فيها على سعوديين في الخارج مثل حميدان التركي وخالد الدوسري في أمريكا أو حتى مقتل ناهد المانع في بريطانيا.
العلاقات السعودية البريطانية مهمة وحيوية، انعكس ذلك حين نُكس العلم البريطاني في وفاة الملك عبدالله رحمه الله. الاستثمار البريطاني في السعودية نحو 60 مليار ريال، وتصدر ستة آلاف شركة بريطانية منتجاتها إلى السعودية، ويوجد نحو 200 مشروع مشترك بين البلدين. وفي المقابل فإن استثمارات السعودية في لندن وصلت 684 مليار ريال سعودي، تمثل 60 في المائة من استثمارات الخليج في بريطانيا. يضاف إلى أن عدد الطلبة المبتعثين إلى الجامعات البريطانية خلال عقد وصل إلى 100 ألف.
المثير حين تحدثت المذيعة البريطانية إلى سفيرنا لدى الأمم المتحدة أخيرا، ذكرت أن بريطانيا قدمت إلى المملكة أسلحة بأربعة مليارات دولار، فقاطعها السفير بأن المملكة "اشترت" الأسلحة من بريطانيا، فهي ليست منحة بل تضيف إلى الاقتصاد البريطاني الكثير. لم يكن ذلك خطأ في التعبير من المذيعة بل جزءا من الهجوم، فالصفقة أيضا محل رفض ضمن الحملة. ربما نعتقد أن الاقتصاد ليس كل شيء. صحيح فأنا كمواطنة، يسيئني أن تتناول بمنهجة أي صحافة وطني هكذا، وفي الوقت ذاته أتمنى أن تنتفي بعض المواد محط الهجوم لأنها أساءت لصورتنا كثيرا. مواد مثل التي رتبتها الصحافة البريطانية العام الماضي، لدى زيارة الأمير تشارلز للمملكة. وهذا يحدث مع زيارات الرؤساء الأمريكيين في الصحافة الأمريكية أيضا، والقضايا هي نفسها متكررة ومعروفة.
أزعم أن الصحف تتناول قضايا الدول -أي دول- بشفافية تصل إلى الفضائح وكشف الأوراق مثل عنصرية في أمريكا وفضائح سياسية في بريطانيا وويكيليكس وغيرها. لكنها لا تؤثر على صورة أمريكا ولا بريطانيا. هي ليست سوى حرية صحافية وشفافية تسهم في التطوير، في بلد يثق بأعمدة بيته جيدا، ما دام أنه يعمل على تثبيتها جيدا. لكن التناول المتهكم والممنهج حول قضايا معينة يصنع صورة عامة من الصعوبة التخلص منها، إن لها أبعادا سياسية منها هيبة البلد وسيادتها. لذا فمحاولات الهدم المستمرة للصورة باستخدام ثغرات، ينبغي أن تواجه بـ "استراتيجية" حقيقية من المملكة، وبـ "صقور" لها كاريزما وثقة وقدرة على الاتصال.