سياسة وأمن » دراسات سياسية

نواب.. غيابهم أقوى من حضورهم..!!

في 2015/10/27

خليل يوسف- الايام البحرينية-

لا يفتقد كثير من النواب، بل معظمهم - حتى لا نقع في فخ التعميم - الى شواهد تؤكد تكدس المآخذات التي يسجلها الناس على أدائهم الهزيل والبائس معاً، هؤلاء النواب ليسوا اكثر ترفعاً عن شواهد لما حدث من فواجع برلمانية في الفصل التشريعي السابق، وكان أسوؤها تلك التي تخلى النواب طواعية عن صلاحياتهم في المراقبة والمساءلة والمحاسبة والاستجواب، في مشهد اختلط فيه سوء الأداء بسوء التمثيل السياسي وبالغايات والدوافع والمصالح المتشابكة، ووجدنا نواباً في موقف عميق في دلالته وهم يضعون ويقرون «حباً وكرامة» القيود التي جعلت من المجلس النيابي منزوع الدسم، وهذا موقف لم ولن يسجل ضد مجهول، بل ضد نواب ومن كانوا نواباً يفترض انهم كانوا يمثلون شعب البحرين نكلوا بقيم المساءلة والمحاسبة، وهي التي تشكل مرتكزات العمل البرلماني الحقيقي في كل برلمانات العالم، زهقوا روح هذه المرتكزات، وشيعوها على الطريقة المعروفة للجميع.. هل تذكرون..؟!!

ما قصر عنه المشهد البرلماني في الفترة الماضية او الراهنة تعوضه التصريحات الشرهة لنواب هذه الايام والمحفزة على زيادة قناعتنا بانه لن تكون هناك في الفترة المقبلة «لملمة» لما أهدر من صلاحيات، او مفاجأة لإنجاز، او دهشة إعجاب لأداء، وهذه حقيقة قد يكون النواب، او بعضهم على معرفة بها اكثر من غيرهم، ويبدو انه لا فرق عندهم، والأيام المقبلة كفيلة بترسيخ هذه القناعة حين يطرح للتداول قريباً أكثر من ملف في المقدمة منها التقرير الجديد لديوان الرقابة المالية والادارية وسنجد كيف سيتم التعاطي مع هذا التقرير، وكيف ستكون مخرجات هذا التعاطي، وإن كنا لا نتوقع جديداً له وزن وقيمة واعتبار يمكن ان يشكل الخلاصة سوى المراوحة والحلقة المفرغة وتأكيد المؤكد من ردح وشعارات مشروخة وتصريحات يتعثر فيها الكلام الفارغ بالمعميات الساذجة، وكل ما ألفناه وحفظناه، وليس اكثر من ذلك، رغم ان المعضلة هي ان هذا الوقت على وجه الخصوص يفترض ان يكون وقت مساءلة وحساب والتحرك لدفع عجلة الإنتاج البرلماني الى ما يلبي ولو الحد الأدنى من طموحات الناس الذين لايرون بالعين المجردة ثماراً تؤتى وكأنهم في انتظار «غودو»..!!

انتزاع الصلاحيات البرلمانية الحقيقية هي المسألة الأكثر إلحاحاً الآن، وليس الاستثمار في تضييع الوقت والهدف بكثير من الإبداع والبراعة، وكأن ثمة من يريد لنا ان نعود دوماً الى نقطة الصفر التي لا نعرف فى الحقيقة اين هي..؟ ولماذا يراد ان نبقى عند هذه النقطة او قريبين منها او عند حدودها؟ هل لاننا لا نملك أرضاً صلبة في واقع ارادة الاصلاح؟ او ان هذه الارادة غير كافية او لا يراد لها ان تذهب الى حيث يجب ان تذهب؟ هل لأن العمل البرلماني ينظر اليه ويتم التعامل معه من باب لزوم ما يلزم؟ ولماذا لا يكون عودة بل انتزاع الصلاحيات التي اهدرت للمجلس النيابي، واضافة الجديد إليها من أولويات النواب؟ هل يكشف ذلك عن عجز النواب عن تحرير انفسهم من المراوحة والتوقف عن أداء شعائرها؟ على اي حال، وفي كل حال لا يتوجب علينا ان نجهل او نتجاهل بان الحال الهامشية هذه لا يمكن ان توجد وان تعاش وان تستمر إلا في وسط يقبل بها، او يتجاهلها على الأقل، وان الناس لا يمكن ان يضلوا قادرين على ابتلاع مزيد من الاهتراء في أداء النواب، حتى لو نال هؤلاء إشادات مناسباتية من هنا او هناك..؟

ليس عودة الصلاحيات هي وحدها التي يجب ان تكون من أولويات النواب، وإنما يضاف إليها ضمن ما يجب ان يضاف جرعة معقولة مما أسماه ماكس فيبر بـ «أخلاق المسؤولية» التي يستشعر فيها المرء حساباً لمواقفه وأفعاله وأقواله، ونحسب ان هذه مسألة تفرض نفسها على خلفية اكثر من سبب، نكتفي باثنين، الأول يتمثل في الكلام الذي قاله نواب حين الإعلان عن كتلة برلمانية لهم، قالوا ما معناه ان الشارع غير راضٍ عن مجلس النواب، والمجلس اخفق في استخدام ادواته الدستورية، وان العمل البرلماني المتميز والريادة في العمل التشريعي والرقابي وتعزيز الديمقراطية لخدمة المجتمع البحريني سيكون نهج الكتلة القادم، ورغم ان تجربتنا مع الكتل التي تشكلت على مدى السنوات الماضية أثبتت ان هذه الكتل أعجز ما تكون عن تحقيق نقلة نوعية في الأداء البرلماني والتعاطي الأمثل مع ما يهم الناس، ولكن ليس أمامنا في شأن الكتلة الجديدة إلا القول، إن المحك هو الذي سيبين الى اي مدى هؤلاء النواب مؤتمنون على تعهداتهم وأقوالهم؟ والى اي مدى يمكن لهم ان يتحصنوا بشجاعة من يمثلون؟ أما السبب الثاني فهو يفرض نفسه على خلفية ما أثاره نواب بحق زميلة لهم، والقارئ الضعيف الذاكرة يمكن ان يرجع الى أرشيف بعض الصحف المحلية ويتمعن في اللغة التي خرجت الى العلن، انها لغة تكشف القعر الذي وصل اليه من لا يجب ان يصل الى قعر، فالنائبة انتقدت اداء النواب وطالبت بتقييم الأداء من جهة محايدة، ودعت الى تولية الأفضل في المناصب القيادية في المجلس النيابي، وقيمت من منظورها الشخصي أساسيات اتخاذ القرارات في المجلس بالاضافة الى وضع الاداء الإداري داخله، فما كان من بعض النواب إلا المسارعة الى مهاجمة زميلتهم ووصفهم لها بـ «الأنا» والأستاذية، وباحثة عن الشهرة وعن بطولات وهمية، وبأنها معقدة نفسياً ومن هاجس محاربتها، ولم ينسوا ان يسألوا الله لها السلامة من عقدها النفسية، واعلنوا بانهم بصدد رفع شكوى ضدها الى هيئة مكتب المجلس.

المشكلة ليست في رأي النائبة المعنية، ولا في موقف النواب المعنيين حيالها، المشكلة ان من يفترض بهم ان يكونوا في طليعة المؤمنين بالعمل الديمقراطي وبحرية الرأي، ومرحبين بالنقد والانتقاد، وبالاختلاف والتفرع وتعدد الآراء والمواقف لا يتحملون انتقاداً ولا رأياً ولا ملاحظة لا تتوافق مع هواهم، ألا يعني هذا في أبسط تحليل ان حال مجلسها النيابي ليس طبيعياً، رغم انه لم يكن طبيعياً على الدوام اذا ما قارناه بدول العالم المتقدم التي يفترض ان يتعلم نوابنا منها، تعلموا كيف يساءلون ويحاسبون، وكيف يتقبلون النقد من دون «بهارات» او «تهويل»، وكيف يتجنبون الإخفاق، وكيف لا يدخلون في سباق يذهب بالعمل البرلماني الى «الهاوية»، او يكون فيها بعض النواب حكوميين اكثر من الحكومة، تعلموا.. المهم الا تتعلموا على حساب الوطن والشعب، وإلا فان غيابكم سيكون أقوى من حضوركم..!!