يوئيل جوزنسكي- معهد دراسات الأمن القومي- ترجمة: علاء البشبيشي- شؤون خليجية-
لسنواتٍ، كانت العائلة الملكية السعوديّة قادرة على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية الكبيرة؛ بفضل قدرتها على التوفيق بين آراء كبار الأمراء، وتخفيف التوتر الداخلي بمساعدة عائدات النفط. لكن تراكم التحديات خلال فترة الاضطرابات الإقليمية، والتغيرات الداخلية التاريخية، من شأنه أن يغَيّر وجه المملكة في نهاية المطاف.
ولأنه لا توجد وسيلة للتنبؤ بتوقيت حدوث هذا التحول، إذا حدث؛ ينبغي على صناع القرار في إسرائيل أن يأخذوا في الاعتبار التغييرات الجارية في المملكة، والتي يمكن أيضًا أن تكون لها عواقب على النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وما وراءه، إلى جانب ضرورة تقييم إمكانية تطوير التعاون بين البلدين بعناية.
وكلما كانت المملكة العربية السعودية أكثر ضعفًا داخليًا- وبالتأكيد طالما استمر الجمود السياسي على المسرح الإسرائيلي الفلسطيني- كلما كان النظام السعودي، الذي يخشى الرأي العام الداخلي، أقل قدرة على التعاون مع إسرائيل.
تشهد المملكة العربية السعودية أحد أكثر الفترات- التي نجت منها في السنوات الأخيرة- حساسية. حيث يتضافر مزيج من: العمليات التاريخية التي تُحَوِّل المنطقة، والانخفاض الحاد في أسعار النفط خلال العام الماضي، والصراع الأحدث على السلطة داخل القصر الملكيّ؛ لينتج مجموعة من التحديات الاستثنائية التي تواجه الاستقرار السياسي في المملكة.
التحديات الداخلية
(1) بدأ أحفاد مؤسس المملكة في السيطرة على مقاليد الحكم، وكما هو متوقع يرافق هذا التغيير صراع على السلطة داخل البيت الملكي. ويتركز معظم الخلاف على القوة المتنامية لـ محمد بن سلمان (30 عامًا)، نجل الملك المفضل الذي يفتقر إلى الخبرة، على حساب ولي العهد الأمير محمد بن نايف وفروع العائلة الأخرى.
وعلى الرغم من تركيز وسائل الإعلام على علاقات المملكة الخارجية، خاصة جوانب الصراع المختلفة مع إيران، إلا أن الصراع على السلطة داخل العائلة المالكة يشكل الخطر الأكبر على الاستقرار في المملكة العربية السعودية.
إذ عيَّن الملك سلمان نجله محمد في منصب ولي ولي العهد، ووزيرًا للدفاع، ورئيسًا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، في حين استبعد معظم المقربين من الملك الراحل عبدالله من مراكز القوى.
هذا التعيين ذاته، بالإضافة إلى السياسة الداخلية والخارجية التي يتبعها ولي ولي العهد، أثارت معارضةً، وجدت صداها- على غير العادة- في رسالتين وُزِّعتا بين أمراء المملكة، ونشرتهما في صحيفة الجارديان.
في الرسالتين، يدعو أحد أمراء جيل الأحفاد "أبناء سعود الباقين للتوحد من أجل عزل سلمان". متسائلًا، دون أن يكشف عن اسمه: "كيف رضينا أن يكون مصيرنا رهينة نزوات المراهقين وتطلعات مستعجلين؟".
هاتان الرسالتان، اللتان انتقدتا ضعف سلمان (الذي يعاني على ما يبدو من تدهور الوظائف العقلية)، عكستا تزايد الإحباط بين مجموعات داخل البيت الملكي، تشعر أنها قد أزيحت جانبًا.
بل إن نشر هاتين الرسالتين في حد ذاته يعتبر حدثًا استثنائيًا في السياسة السعودية، حيث يوجد دستور غير مكتوب يفرض أن يكون التوافق، والتوصل إلى حلٍ للخلافات، داخل الأسرة وخلف الأبواب المغلقة.
(2) بموازاة ذلك، يواصل تنظيم الدولة شن هجمات إرهابية ضد الشيعة داخل أراضي المملكة؛ على أمل أن تساعد هذه الهجمات في تجنيد نشطاء، وتقويض شرعية العائلة الملكية واستقرارها.
وتمثل نجاحات التنظيم وعقيدته مصدر إغراءٍ لكثير من السنة الذين تربوا على الفكر الوهابي. ويميل هؤلاء لتوجيه غضبهم ضد السكان الشيعة، أو العائلة الملكية ذاتها؛ إذا أظهرت نهجًا تصالحيًا تجاه الشيعة.
ربما تكون العائلة الملكية أحرزت نجاحاتٍ في صراعها ضد القاعدة قبل عقد من الزمن، لكن التحدي الذي يشكله تنظيم الدولة، وهو أيديولوجي في المقام الأول، يثبت أنه أكبر من سابقه.
وتتحمل العائلة الملكية جزءًا من المسؤولية عن هذا الوضع؛ لأن المؤسسة الدينية السعودية- في ضوء الصراع مع إيران- تستخدم الخطاب المعادي للشيعة لتعزيز التأييد الشعبي.
(3) بالإضافة إلى هذه التهديدات، انخفض سعر النفط بنسبة 50 % خلال العام الماضي، وهو ما يلقى بمسؤوليته جزئيًا على السياسة السعودية. ويعتبر الانخفاض الحالي في سوق النفط ذا أهمية خاصة؛ لأنه يتزامن مع الاضطراب الكبير في منطقة الشرق الأوسط.
صحيحٌ أن العائلة الملكية استطاعت تجاوز خطر حدوث أزمة داخلية؛ من خلال تقديم مساعدات عامة للشعب، مستغلةً ارتفاع أسعار النفط، وتراكم احتياطيات العملات الأجنبية، قبل اندلاع الاضطرابات. لكن استمرار الأسعار عند المستوى الحالي من شأنه أن يعرض قيادة المملكة العربية السعودية لانتقادات شديدة، الأمر الذي سيُصَعِّب توفير الغراء الضروري لتحقيق الاستقرار.
من جانبها، اختارت العائلة الملكية استراتيجية تجمع بين: الاستخدام الحذر للاحتياطيات، والتخفيض المعتدل في الميزانية، بمستوى أقل بقليل مما قد يخاطر بإشعال انتفاضة. لكن من الصعب الوصول إلى هذا الهدف بدقة. لذلك يتزايد تهديد استقرار النظام، لا سيما في ضوء نفقات الدفاع الكبرى، والحاجة إلى تحقيق مطالب الجمهور، واسترضاء قطاعات المعارضة.
كما حذر صندوق النقد الدولي مؤخرًا من أن احتياطيات المملكة من العملات الأجنبية، بالمعدل الحالي، ستنفد قبل نهاية العقد الجاري. وأحد المؤشرات على الوضع الاقتصادي في المملكة هو حقيقة أن سعر المياه لغير المواطنين من المقرر أن يرتفع، وللمرة الأولى، يُنظَر في تخفيض دعم الوقود.
التهديدات الخارجية
(1) التهديد الخارجي المباشر الذي يواجه المملكة العربية السعودية هو: الحرب التي طال أمدها في اليمن. وعلى الرغم من الإنجازات التي حققها التحالف الإقليمي بقيادة الرياض، خاصة "تحرير" عدن، إلا أن نهاية الحملة لا تزال بعيدة المنال، فيما تتغير أهدافها العسكرية باستمرار، وثمة غموض يحيط بالآليات السياسية و/أو العسكرية لإنهاء الأزمات.
ولا تزال أقدام المتمردين الحوثيين الشيعة راسخة في شمال البلاد، على الرغم من الضربات الجوية المتكررة التي تشنها قوات التحالف ضد أهداف تابعة للحوثيين وحلفائهم.
كما تمدَّد القتال إلى المملكة العربية السعودية نفسها، عندما أطلق الحوثيون قذائف وصواريخ أرض أرض إلى داخل الأراضي السعودية. ومن شأن دخول قوات التحالف إلى المناطق الجبلية في شمال اليمن أن يُخَلِّف ثمنًا باهظًا، وقد تتزايد الانتقادات الدولية الموجهة للمملكة العربية السعودية، والتي كانت حتى الآن خفيفة، بسبب وجود عدد كبير من القتلى واللاجئين منذ بدء الحملة في مارس 2015.
وحتى لو افترضنا أن التحالف نجح في نهاية المطاف في دحر الحوثيين إلى معقلهم في صعدة، فسوف تظل اليمن بعيدة عن الاستقرار. فبعد قرابة خمس سنوات من الحرب الأهلية، التي فتَّتت النسيج السياسي الهش في البلاد، من الصعب تصور أن تمارس أي قوة سياسية أو عسكرية على الإطلاق سيادة فعلية على الأراضي اليمنية.
في هذه الحالة، ستظل اليمن في حالة فوضى، وملعبًا للقوى الإقليمية والمحلية، مثل: منظمات الجهاد العالمي المتنافسة. وسوف يظل تأثير السعودية على الأحداث هناك محدودًا. وحتى لو توصل الطرفان المتحاربان لتسوية سياسية، سيظل الحوثيون أنفسهم يشكلون تهديدًا أمنيًا كبيرًا لجنوب المملكة العربية السعودية.
(2) إلى جانب استمرار الحرب في اليمن دون أي حل في الأفق، تبرز الكارثة التي وقعت في مكة المكرمة خلال موسم الحج في شهر سبتمبر الماضي، والتي تمثل ليس فقط مصدر إحراج شعبي ودولي للبلد الذي يزعم أنه خادم الأماكن المقدسة في الإسلام، ولكن يمكن أيضًا أن تنتقص من شرعية العائلة الملكية، وتشكل سلاحًا في أيدي خصومها.
ولمَّا وقع العدد الأكبر من الوفيات في صفوف الحجاج الإيرانيين، هدد كبار المسؤولين في طهران برد صارم ضد المملكة، ما يزيد التوتر القائم بين إيران والمملكة العربية السعودية.
(3) وحتى خارج المسرح اليمني، فإن الوضع الإقليمي للمملكة العربية السعودية ليس مبشرًا. ذلك أن الاتفاق النووي مع إيران، والإزالة التدريجية للعقوبات، يُمَكِّن طهران من مواصلة تدخلها في أهم مناطق الصراع داخل الشرق الأوسط بقوة أكبر، بما في ذلك منطقة الخليج. فيما سيتعين على المملكة مواصلة حروبها بالوكالة ضد إيران.
في الوقت ذاته، تستمر الولايات المتحدة- ما يُشعر المملكة بالأسى- في الإعراب عن رغبتها في تقليل التزاماتها الدفاعية في المنطقة.
أما الجهود السعودية لتوطيد أركان جبهة سنية موحدة ضد التهديد الإيراني المتزايد، فتزيد فقط من هذه الصعوبات. وتبدو هذه الجبهة حاليًا أكثر هشاشة من أي وقت مضى، وبعيدة عن الرؤية السعودية للمحور السني الموحد، وهو ما يرجع جزئيًا إلى الدعم المصري العلنيّ للتدخل الروسي في سوريا إلى جانب نظام الأسد، وحرب مصر الحازمة ضد جماعة الإخوان المسلمين، وهما الموقفان اللذان تعارضهما الرياض.
لسنواتٍ، كانت العائلة الملكية السعوديّة قادرة على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية الكبيرة؛ بفضل قدرتها على التوفيق بين آراء كبار الأمراء، وتخفيف التوتر الداخلي بمساعدة عائدات النفط. لكن تراكم التحديات خلال فترة الاضطرابات الإقليمية، والتغيرات الداخلية التاريخية، من شأنه أن يغَيّر وجه المملكة في نهاية المطاف.
ولأنه لا توجد وسيلة للتنبؤ بتوقيت حدوث هذا التحول، إذا حدث؛ ينبغي على صناع القرار في إسرائيل أن يأخذوا في الاعتبار التغييرات الجارية في المملكة، والتي يمكن أيضًا أن تكون لها عواقب على النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وما وراءه، إلى جانب ضرورة تقييم إمكانية تطوير التعاون بين البلدين بعناية.
وكلما كانت المملكة العربية السعودية أكثر ضعفًا داخليًا- وبالتأكيد طالما استمر الجمود السياسي على المسرح الإسرائيلي الفلسطيني- كلما كان النظام السعودي، الذي يخشى الرأي العام الداخلي، أقل قدرة على التعاون مع إسرائيل.