وور أون ذا روكس- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-
أثار التصعيد المتسارع في الخلاف بين السعودية وإيران في أوائل يناير/كانون ثاني التكهنات حول أن باكستان سوف تضطر إلى اختيار أحد الجانبين، وستنضم كحليف للسعودية لتحقيق التوازن مع إيران عسكريا، لكن باكستان لديها سبب وجيه لكي تكون حذرة من هذا الانحياز ضد إيران بسبب مجموعة متنوعة من المصالح المتعلقة بالأمن والاقتصاد والرأي العام المحلي.
تصاعد الضغوط والتوقعات
جعلت المناورات العسكرية المشتركة الأخيرة، وإعادة التأكيد حول الدفاع عن الأراضي السعودية، والمضاربة المستمرة حول علاقة الردع الفعلية، والضغوط من راء الكواليس، بعض المحللين إلى التنبؤ على محمل الجد وبشكل قلق من أن باكستان قد تكون في نهاية المطاف مضطرة للاصطفاف إلى جنب مع المملكة العربية السعودية في المنافسة ضد إيران.
ويتضح القلق في عدد من الأسئلة الأخيرة التي وجهت من قبل الجمعية الوطنية (البرلمان) لوزير الخارجية الباكستاني. وقد أضيف لهذا سلسلة من الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى بين البلدين، بما في ذلك زيارات لنائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» ووزير الخارجية «عادل الجبير» إلى باكستان في أوائل يناير/ كانون ثان، والتي أشعلت تكهنات وسائل الإعلام والمحللين والدبلوماسيين وأدت إلى رفع توقعات تعميق التعاون العسكري.
الأسباب التي ذكرت لهذا الاحتمال مألوفة، بما في ذلك: التعاون العسكري السابق في أفغانستان ونشر القوات الباكستانية في الأراضي السعودية. إضافة إلى مصالح أيديولوجية واقتصادية مشتركة على أساس سنوات من التمويل السعودي؛ ناهيك عن التدخل السعودي النشط في الشؤون الداخلية الباكستانية والعلاقات الشخصية بين الأسرة المالكة في السعودية والقيادة السياسية الباكستانية. والتاريخ الفعلي للسعوديين المتمثل بالوفاء بوعودهم الاقتصادية وتماشي باكستان مع مطالب السعودية.
وفي حين أن باكستان أشارت إلى رغبتها في لعب دور وسيط السلام، فإن أصوات كثيرة تفترض أن صراع السعودية وإيران هو خيار ذو نتيجة صفرية لجميع الجهات الفاعلة في المنطقة.
ومع اشتداد المنافسة بين السعودية وإيران، سوف تجد باكستان تحديا كبيرا في تحقيق التوازن. ويشير بعض المحللين أن باكستان بالفعل «حذرة» من إيران، في حين يتوقع آخرون أنه «إذا جاء وقت الحسم»، فإن باكستان سوف تكون جنبا إلى جنب مع السعوديين حيث أن مصالح جيشها تتركز في اتجاه المملكة العربية السعودية. وبعد كل شيء، فإن باكستان هي بالفعل شريك استراتيجي للمملكة الخليجية، وليست في موقف سياسي يسمح لها بأن تقول «لا» للسعوديين.
هناك أدلة من الأشهر القليلة الماضية، ومع ذلك، فإنه يتم تكذيب هذه التنبؤات. حيث واصلت باكستان التقليل من شأن الرواية السعودية، بداية من إنكارهم أنهم قد انضموا إلى التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد الإرهاب.وفيما يبدو للبعض أنه تحول آخر في موقفها من سوريا، انتقلت إسلام آباد عن دعم هيئة الحكم الانتقالي، إلى المعارضة بشدة للإطاحة بالرئيس السوري «بشار الأسد».
وأظهر استطلاع غير رسمي للقراء أجري من قبل داون، الذي تتابعه نخبة ليبرالية أن ما يقرب من 79% من المستطلعين (5361 من بين 6788) اتفقوا مع موقف باكستان بشأن هذه القضية. وهنا يظهر اتفاق الليبراليين مع السياسة الخارجية الباكستانية الرسمية، وهو أمر نادر الحدوث ولكنه جدير بالذكر.
وهناك أيضا عدد من الأسباب والاهتمامات الاستراتيجية، والمصالح الاقتصادية، وآراء الجمهور المحلية التي توضح لنا لماذا من المرجح أن تقاوم باكستان الضغط السعودي للانحياز ضد إيران، وبدلا من السير على حبل مشدود العمل على تحقيق التوازن بين القوتين الخليج.
المخاوف الاستراتيجية
وهناك عدد من الأسباب الاستراتيجية لدى باكستان كفيلة أن تبقيها على الحياد في الخلاف السعودي الإيراني. وأولها أن اختيار أحد الجانبين يمكن أن يولد آثارا تجعل باكستان عرضة للصراع الطائفي والحرب الأهلية، كما حدث في الثمانينيات والتسعينيات عندما أصبحت باكستان ساحة معركة طائفية بالوكالة من قبل الدول المتنافسة مثل المملكة العربية السعودية، والعراق، وإيران.
ثانيا، يجادل البعض بأن التخلي عن الحياد يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الصراعات عن طريق إحداث تحالفات متنافسة وتكثيف الاستقطاب، وتعزيز أنشطة الجماعات المتمردة في اليمن وسوريا . ثالثا، تتزايد الشكوك بين أوساط النخبة الاستراتيجية في إسلام آباد من التحالف السعودي، حيث أن المملكة العربية السعودية قد تقوم بزعزعة الاستقرار في باكستان من خلال تمويل الجماعات الطائفية بين السنة والمساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى صعود «الدولة الإسلامية». وهذه المجموعة لا تهدد المصالح الخارجية الباكستانية فقط ولكن أيضا تهدد الأمن الداخلي، ويؤكد هذا اعترافات من الاستخبارات الباكستانية.
وأخيرا، والأهم من ذلك، هو أن كونك العدو المباشر لإيران هو أمر خطير. حيث يمكن للوقوف ضد إيران أن يعمل على إحباط مكاسب استراتيجية لباكستان من خلال فتج جبهة ثالثة معادية على الحدود الباكستانية، وهو ما يمثل اختبارا جديدا للجيش المثقل بالفعل مع اثنين من حركات التمرد الكبيرة على الحدود .
ولأن إيران ماهرة في إسقاط الأنظمة من خلال وكلاء غير حكوميين، فإنها تستطيع المنافسة في باكستان أيضا، ويمكن لإيران أن تجعل الأمور صعبة للغاية بالنسبة لباكستان في بلوشستان والسند، والمناطق القبلية. وهذا هو السبب في أن باكستان اختارت في الماضي نزع فتيل التوترات بسرعة بعد مناوشات على الحدود. ومع صلات متعددة لها مع قادة طالبان، ويمكن لإيران أن تكون بمثابة شريك في مكافحة الإرهاب أن تعمل على إفساد جهود المصالحة في أفغانستان التي من شأنها تكثيف رد الفعل السلبي على باكستان. ولا تزال إيران أقل عرضة للضغط الباكستاني، كما أن لديها عدد أقل من الانقسامات العرقية المسيسة أو التي يمكن أن تكون عرضة للاستغلال.
المصالح الاقتصادية
تميل موازين المشهد الاقتصادي المتغير ضد باكستان، وبالرغم من أن النفوذ الاقتصادي السعودي على باكستان ليس مثل ما كانت عليه من قبل، إلا أن السعودية تشكل مصدرا رئيسيا للدعم الاقتصادي من خلال الهبات المالية واستضافة 2.2 مليون عامل أجنبي باكستاني.
ولكن في المقابل، فإن آفاق صفقات الطاقة والتجارة مع إيران من المتوقع أن تكون على شفا تطور كبير بعد رفع العقوبات الدولية على إيران. وحقيقة أن أكبر متبرع لباكستان، الصين، يريد دمج إيران في طريق الحرير الجديد جنبا إلى جنب مع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC)، فإن هذا يجعل باكستان أقل تناغما مع تكلفة الفرصة البديلة للانحياز ضد إيران. بعض العلماء الباكستانيين يشعرون بالقلق من رد فعل سلبي طائفي في حال اختيار أحد الجانبين في خلاف السعودية وإيران، ويمكن لهذا أيضا أن يعرقل مشاريع الاستثمار.
بالتأكيد، يمكن للسعوديين، في محاولة للضغط على باكستان، التهديد بقطع المعونات الاقتصادية، ولكن أسعار النفط تحد من خزائنها كما أن صعود إيران من العزلة الدولية والمزيد من صعود الصين يقلل من نفوذهم.
وفي الحقيقة، فقد هدد زعماء خليجيين ومحللين، ردا على قرار باكستان بعدم الانضمام إلى حرب اليمن في أبريل/نيسان 2015 بمثل هذه الإجراءات. وتظهر بيانات البنك الحكومي أن التحويلات من المنطقة إلى باكستان بين يوليو/تموز وديسمبر/كانون الأول 2015 قد شهدت تراجعا بنسبة أكثر من 9% مقارنة بنفس الفترة من عام 2014.
وتأتي صعوبة التهديدات بطرد العمال المهاجرين من حقيقة أن الدولة السعودية تعاني ماليا وتشارك بالفعل في حربين. كما أن عملية طرد 2.2 مليون عامل أمر صعب، ومكلف، ويستغرق وقتا طويلا للغاية. واستنادا إلى معدلات الطرد الماضية، فإن ترحيل كل من القوة العاملة المهاجرة الباكستانية قد يستغرق ما يقرب من ثلاث سنوات.
وبالفحص الدقيق لبيانات التجارة، يتكشف لنا أن العلاقة الاقتصادية غير المتوازنة تحد من النفوذ السعودي. ففي عام 2013، واجهت باكستان عجزا تجاريا أكثر من 3 مليارات دولار مع المملكة العربية السعودية لأن الأخيرة لا تقع حتى ضمن أعلى 10 مستوردين للبضائع الباكستانية. وبدلا من ترسيخ وجود صلات تجارية قوية، تقتصر العلاقات التجارية في المقام الأول على الواردات الباكستانية من النفط، وهو ما يمكن الحصول عليه من مجموعة من الموردين الآخرين، بما في ذلك إيران.
باختصار، تسعى المملكة العربية السعودية لأخذ الولاء بناء على السخاء الماضي، في حين أن باكستان لديها سبب وجيه لاستباق الفرص الاقتصادية المستقبلية مع إيران خاصة في صادرات المواد الخام والطاقة، وحتى هجرة اليد العاملة. وأن الصين، الشريك الرئيسي الاقتصادي في باكستان،وقعت للتو صفقات تجارية مع إيران بقيمة 600 مليار دولار والتزمت ببناء خط أنابيب للغاز بين إيران وباكستان.
وتلاحظ النخب الاستراتيجية تحسن العلاقات والتعاون مع إيران منذ عام 2002. ويقول العميد المتقاعد والمساعد السابق لرئيس أركان القوات الجوية «خالد إقبال» أن باكستان قد «تستفيد كثيرا» اقتصاديا من رفع العقوبات عن طريق التجارة وتحريض إيران إلى CPEC. بالإضافة إلى ذلك، فإن علاقة الهند مع المملكة العربية السعودية وإيران قد دفعت محلل أبحاث باكستاني للقول بأن باكستان «لم تعد قادرة على اتخاذ الصداقة مع أي بلد كأمر مفروغ منه»، وأنها تحتاج إلى «جعل نفسها قادرة على المنافسة دوليا للاحتفاظ بالصداقات القديمة والفوز بصداقات جديدة مع اللاعبين الدوليين المؤثرين».
القيود المحلية
القيد الأكثر إثارة للدهشة في باكستان قد يكون آراء الجماهير. وفي حين أن المملكة العربية السعودية لها بالتأكيد شعبية بين الباكستانيين، فإنه من غير المرجح أن يكون ذلك عاملا لإجبار الاستراتيجيين للتماشى مع السعوديين، وذلك بسبب أن مواقف عامة الناس أكثر تفاؤلا تجاه إيران وذلك باعتراف النخبة الاستراتيجية لباكستان. وقد كانت باكستان هي البلد الوحيد في استطلاع مركز بيو للمواقف العالمية الذي أعرب غالبيته عن وجهات نظر إيجابية تجاه إيران.
ففي استطلاع عام 2012، قال أغلبية الباكستانيين أنهم يفضلون امتلاك إيران أسلحة نووية، وأعربوا عن رؤيتهم بأنهم لا يشكلون تهديدا على الإطلاق، وهو الموقف الذي استمر منذ عام 2006. وحتى عند تفصيل البيانات الأولية المتوفرة مثل المحافظة، الدين، العرق، والتحضر، ودراسة التركيبة السكانية الأكثر أهمية، فقد كان هناك 69% من السنة، و69% من عرقية البنجاب، إضافة إلى 76% من السكان في المناطق الحضرية، لديهم وجهات نظر إيجابية تجاه إيران.
وينظر 52% من السنة، و58% من عرقية البنجاب، 56% من السكان في المناطق الحضرية إلى برنامج إيران النووي باعتباره أمرا ثانويا أو لا يشكل أي تهديد (في حين أن الكثير من المشاركين لم يكن لهم رأي محدد حوله).
وأكدت استطلاعات الرأي الباكستانية أيضا قوة دعم عالية لإيران، في حين أن عدد قليل قد ألقى اللوم على إيران في تأجيج الصراع في اليمن، ومعظم اللوم كان منصبا على مكائد القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة و(إسرائيل).
وحتى إذا لم يكن لدى الجمهور الواسع حضور كبير في الشؤون الخارجية، تبقى القوى السياسية المحلية القوية في باكستان أيضا قلقة من حرب طائفية إقليمية تفاقم الانقسامات الطائفية في الداخل.
ومن الجدير بالذكر أيضا أنه في أبريل/نيسان الماضي، انضم اثنان من الأحزاب الدينية الكبرى التي يتوقع المرء أنها تقف مع السعوديين، وهما جمعية علماء الإسلام والجماعة الإسلامية (الجماعة الإسلامية)، إلى أطراف أخرى في معارضة مشاركة باكستان في الصراع في اليمن.
التعامل مع الخلاف والتحوط للمستقبل
لدى باكستان تاريخ طويل من الوقوف مع كلا طرفي التنافس: حيث قدمت دعما غير مباشر لكلا الجانبين في الحرب بين إيران والعراق في الثمانينيات (بما في ذلك بيع صواريخ ستينغر إلى ايران)، وقد عززت باكستان علاقاتها مع إيران حتى في ذروة التحالفات الباكستانية السعودية.
باكستان لديها أيضا تاريخ من العناد عند مواجهة التهديدات القسرية. وقد ثبت هذا في العديد من المواجهات مع الولايات المتحدة بشأن أموال دعم التحالف وعلاقاتها مع الجماعات المتشددة، وقد صمدت مؤخرا أمام الضغوط الدولية على نظام العقوبات والعمل العسكري المحتمل ضد إيران.
إسلام أباد تحاول التعامل مع الضغوط الخارجية لتعزيز المصالح الوطنية بمهارة وبإصرار. وبينما يتوقع البعض حتمية الصدام فإن انفتاح باكستان على تحويل الديناميات الحالية إلى توازن جديد مع إيران هو واضح بما فيه الكفاية حتى وفق مراقبين هنود.
إن بقاء باكستان فوق خلافات النزاع بين السعودية وإيران قد يكون الأكثر حكمة وهي الخطوة التي تتيح المرونة الاستراتيجية لمواجهة التحديات الداخلية وموازنة العلاقات الخارجية لباكستان، وأولئك الذين يرون أو يأملون أن تقف باكستان مع المملكة العربية السعودية على الأغلب سيصابون بخيبة أمل.