محمد عبّود - الخليج أونلاين-
الشراكات الخليجية مع المنظمات الأمنية، سواء كانت إقليمية أو دولية، عكست رؤية استراتيجية خليجية لما تفرضه التطورات المتسارعة على مختلف المستويات؛ السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية.
المؤشرات المستقبلية لتطور الأحداث كانت دافعاً قوياً لإبرام العديد من الاتفاقيات. وحلف شمال الأطلسي أحد الوجهات الخليجية لعقد هذه الاتفاقيات، فجاءت مبادرة إسطنبول في عام 2004، لتعكس رغبة الأطراف المشاركة في تأمين المصالح المشتركة بما يلائم تطور الوضع الراهن.
والاثنين الماضي، وقعت الكويت "اتفاقية عبور" مع الناتو، ليشمل التدريب في المجالات الأمنية والعسكرية والأكاديمية، بالإضافة لسماح الكويت بمرور قوات الحلف في إطار تعزيز الشراكة والتعاون بين الجانبين.
- مخاوف على السيادة الكويتية
وزير الخارجية الكويتي صباح خالد الحمد الصباح، أكد أن الاتفاقية "لا تمس سيادة دولة الكويت وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي"، وإنما تسعى إلى "تقوية العلاقات على مبدأ المنفعة المتساوية، يشمل التدريب في المجالات الأمنية والعسكرية والأكاديمية".
التجربة التي عاصرتها الكويت إبان الاحتلال العراقي، دفعتها إلى التوسع في مثل هذه الشراكات؛ تعزيزاً لموقعها ومكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبما يضمن أمنها واستقرارها، كما أن تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود العراقية، وانتشار العنف والإرهاب في محيط بغداد، وسط تخوفات من اختراق تنظيم الدولة للحدود الكويتية، كانت من الأسباب القوية التي دفعت الكويت للتوقيع على هذه الاتفاقية.
وبسبب زيادة بؤر الصراع بالمنطقة العربية والخليجية، رأى مراقبون أن بعض الدول الخليجية ربما تحذو حذو الكويت في التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات، في إشارة إلى قطر والبحرين، بهدف الحد من انتشار الإرهاب في المنطقة الخليجية.
- انضمام أم تعاون
وتعالت أصوات بوجود رغبة خليجية للانضمام إلى الناتو، إلا أن الناتو أوضح الأمر، منذ البداية، حيث إن شراكته مع دول الخليج لن تنتهي بالعضوية، بل إنه يفضل تعامله مع دول الخليج بشكل منفرد، بما يُطلق عليه تعاون مزود بالأمن الناعم، كالتبادل الاستخباري والتدريب والاستشارات، وهو ما لاح في الأفق إثر توقيعه اتفاقية العبور مع الكويت.
هذا التعامل المنفرد، أثار فضول الدكتور ظافر العجمي، المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج، حيث ألمح إلى أن اجتماع الحلف في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لم يسع إلى التعامل مع دول الخليج ككتلة واحدة، ومن ثم فوت عليهم فرصة صياغة رؤية خليجية موحدة. واستنكر العجمي أن تكون منظمة مكونة من 28 دولة، وترفض التعامل مع دول الخليج الست ككتلة واحدة.
- كيف تستفيد الكويت من الناتو
ولاستفادة الكويت من علاقتها بالناتو، طالب مراقبون بضرورة تقييم السنوات العشر الماضية، منذ أن تم توقيع مبادرة إسطنبول، بالإضافة إلى ضرورة تصدر القيادة العسكرية الخليجية الموحدة لتصبح قناة التواصل مع الناتو، في إشارة إلى تعامل هيكل أمني مع نظيره.
وشهدت تركيا أول اجتماع لمبادرة إسطنبول في 29-30 يونيو/حزيران 2004، حيث اتفقت الأطراف المشاركة على التعاون الأمني الثنائي مع دول الخليج، وتقديم الاستشارات الدفاعية والتعاون العسكري، ومكافحة الإرهاب، من خلال تبادل المعلومات والتعاون البحري، والمساهمة فيما يقوم به الحلف من أعمال لمواجهة التهديدات التي تمثلها أسلحة الدمار الشامل، وتشجيع التعاون في مجال أمن الحدود، والتعاون في مجال التخطيط للطوارئ المدنية.
وعلى اعتبار أن المنطقة العربية "بيئة مشاغبة" وليست مستقرة حالياً، ولكون الناتو يمتلك قواعد في الإمارات والبحرين، وبدأ في تأسيس مركز تدريب له في الكويت، لا بد من دفعه لمواجهة التحديات الحالية، بدلاً من خلق حالة من "الانطباع الزائف" باستقرار أمني بالخليج، بحسب محللين.
كما يمكن الاستفادة من الناتو بصورة أكبر من الاتفاق الحالي، في ظل أزمته الاقتصادية الراهنة التي تعصف بدوله الأعضاء، ورغبتهم في الوقت ذاته بدفع مزيد من الإنفاق على الدفاع، وعليه؛ فإنه يمكن لدول الخليج البحث عن نقاط التعاون المشتركة مع الحلف بشرط أن يكون قائماً على المصالح المشتركة ووفق شراكة أمنية تبادلية واضحة المعالم والأهداف.
- السعودية وعُمان ليسا أعضاء
ومع أن السعودية وعُمان تستحوذان على 70% من نفقات دول الخليج على التسليح والدفاع، إلا أنهما لم تنضما إلى مبادرة إسطنبول التعاونية.
ولم ترفض، حينها، عُمان التعاون مع الناتو تماماً، إلا أنها خشيت الاصطدام مع إيران، فمن ثَمَّ فضلت توطيد العلاقات دون انضمام رسمي، حيث يغلب على سياستها الخارجية الحذر والتوازن، فتجنبت بذلك موقفاً حرجاً مع طهران.
وأما السعودية، فلم يكن الأمر متعلقاً بإيران، وإنما لكونها من كبرى القوى الإقليمية على الساحة حالياً، فلم تكن راغبة في أن تكون على قدم المساواة مع باقي دول الخليج التي تعتمد اعتماداً كبيراً على القوى الخارجية لتحقيق أمنها واستقرارها، وهذا لا ينفي سعي الرياض إلى إقامة علاقات رسمية مع الناتو، إلا أنها ترغب بعلاقات قائمة على الندية بوجه عام، بما يظهر صعوبة أن يكون للناتو دور في المنطقة دون إشراك الرياض فيه، وخاصةً أنها تقود مجلس التعاون الخليجي وباتت تقوم بدور الدول العظمى، وإن كان على مستوى إقليمي.