شؤون خليجية-
تحرك سعودي استراتيجي نشط في القارة السمراء عسكري واقتصادي وجيوسياسي متنامي، يكشف عن أولوية أفريقيا على أجندة السياسة الخارجية السعودية وتعزيز التحالف الاستراتيجي بين الخليج وأفريقيا، بما يؤشر على مشروع متصاعد لتطويق النفوذ الإيراني في أفريقيا، وتنويع التحالفات وتقليل الاعتماد على الغرب بإنشاء مراكز ثقل خليجية متنوعة ومتعددة داخل أفريقيا، وبخاصة الدول ذات الثقل الاستراتيجي ومنها جنوب أفريقيا، اريتريا،جيبوتي والسودان.
تشكل دول أفريقية جزء مهم من التحالف الإسلامي العسكري الناشئ، وتسعى الرياض إلى الاستفادة من الدول الأفريقية في دعمه، وتحقيق تحالف مع هذه الدول عبر الدعم الاقتصادي لسد الباب أمام الاختراق الإيراني، وتعتبر الاستثمارات السعودية وتوفير الطاقة للدول الصناعية فيها من أهم أدوات الرياض لتحقيق التوازن أمام حضور طهران داخل القارة السمراء.
محاصرة التغلغل الإيراني
تواجه الرياض التغلغل الإيراني في أفريقيا، فإيران قد توسع نفوذها في أفريقيا، خصوصًا بعدما أنفقت عشرات المليارات في نشر التشيع في البلدان السنية الأفريقية، خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر والحرب العالمية على جمعيات الإغاثة الإسلامية، تلك الحرب التي لم تطل إيران من قريب أو من بعيد، بالنهاية أدركت دول الخليج أن الأمن الإستراتيجي الخليجي يبدأ من أفريقيا عمومًا والقرن الأفريقي خصوصًا، وأن عليهم بذل جهود سريعة لمحاصرة نفوذ طهران في مختلف بلدان الضفة الأفريقية المقابلة لساحل الجزيرة العربية (القرن الأفريقي)، فهذه المنطقة كانت خلال العقدين الماضيين بمثابة "حديقة خلفية" لنظام الملالي، تستخدمه لاختراق البلدان الأفريقية، وتعزيز عملياتها الاستخباراتية، والأخطر أن الأمر امتد إلى استئجار الحرس الثوري الإيراني جزر إريترية في البحر الأحمر لتدريب عناصر من المليشيات الحوثية ومليشيات شيعية "عربية" بهدف زعزعة أمن المنطقة، هذا فضلًا عن محاولات "التشييع الممنهجة" للمسلمين السنة في هذه المناطق المنسية.
جنوب أفريقيا
في تعاون استراتيجي عقب جلسة مباحثات رسمية جمعت العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في قصر اليمامة بالرياض مع جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا، افتتح جاكوب زوما والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات العسكرية، في محافظة الخرج (جنوب شرق العاصمة الرياض)، أمس الأحد، مصنع القذائف بالمؤسسة.
وأوضح رئيس المؤسسة العامة للصناعات العسكرية محمد بن حمد الماضي في كلمة ألقاها خلال الافتتاح، أن اليوم يتم تدشين أحدث مصانعها (المؤسسة) لإنتاج قذائف المدفعية وقنابل الطائرات بأعيرة متنوعة لتلبية احتياجات قواتنا العسكرية، المصنع تم إنشاؤه بترخيص ومساعدة في الإنشاء من شركة (راينميتال دينيل) للذخيرة الجنوب أفريقية وبتكلفة بلغت حوالي (240 مليون دولار) لإنتاج ثلاثمائة مقذوف مدفعي أو ستمائة مقذوف هاون يومياً".
والمصنع هو عبارة عن مجمع صناعي، لإنتاج القذائف العسكرية بدءاً من القذائف ذات العيار المتوسط مثل قنابل الهاون عيار (60 ملم، 81 ملم، 120 ملم) مروراً بقذائف المدفعية عيار (105 ملم، 155 ملم)، وحتى القذائف الثقيلة مثل قنابل الطائرات التي تتراوح أوزانها بين 500 رطل و2000 رطل.
يعد ذلك مؤشر على محاولة السعودية الاكتفاء الذاتي من السلاح، بالاعتماد على مصادر بديلة، وبخاصة في ظل اتخاذها مواقف وقرارت عسكرية بعيدا عن الفلك الأمريكي.
من جهته أكد الملك سلمان على العلاقات الوطيدة بين البلدين في المجالات كافة لاسيما السياسية والاقتصادية والعسكرية ، مشيرا إلى أن جنوب افريقيا تعد أحد أهم الشركاء التجاريين للمملكة فضلا عن عضويتها في مجموعة العشرين، مشيدا باهتمامها بقضايا المنطقة وبخاصة القضية الفلسطينية مشددا على أهمية استمرار التعاون تجاه القضايا الدولية والإقليمية لاسيما الإصلاحات في منظمة الأمم المتحدة، ومكافحة الإرهاب والتطرف.
مراكز ثقل خليجية في أفريقيا
تولي الرياض أهمية خاصة بالقارة السمراء وبخاصة الدول التي تجاور حدودها الإقليمية، لاسيما القرن الأفريقي المطل على منطقة البحر الأحمر وباب المندب ومياه المحيط الهندي، وهي المنطقة التي تستغلها إيران لتحقق فيها نفوذا واختراقا قرب الحدود الأمنية للمملكة السعودية.
في هذا الإطار توالت زيارات رؤساء دول القرن الأفريقي للمملكة خلال الأشهر الماضية وعكست تغيرا في السياسات السعودية، نحو الانفتاح على دول القرن الأفريقي وذلك لترميم علاقات دول حوض البحر الأحمر وترسيخ علاقات حسن الجوار والحفاظ على هذا الشريان الاقتصادي الدولي من المغامرات السياسية العبثية لإيران وحلفائها في المنطقة.
وتميزت القمة 26 للاتحاد الأفريقي التي عقدت في أديس أبابا نهاية شهر مارس الماضي، بمشاركة عشرات الرؤساء وقادة الدول، بحضور دبلوماسي سعودي رفيع المستوى، تمثل في وزير الخارجية عادل الجبير، في ظرف أمني وسياسي خاص بالنسبة لأفريقيا.
قاعدة عسكرية في جيبوتي
في 8 مارس 2016 كشف السفير «ضياء الدين بامخرمة» سفير جيبوتي لدى الرياض أن بلاده تترقب توقيع اتفاق بينها وبين السعودية، لإنشاء قاعدة عسكرية سعودية على الأراضي الجيبوتية، مبينا أن ذلك لن يكون مستغربا خلال الفترة المقبلة، خاصة أن العلاقات بين البلدين تشهد تطورا لافتا غير مسبوق في شتى المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية، موضحا أنه في حال وقع الاتفاق فإنه سيشمل التعاون في كل الجوانب العسكرية بريا وبحريا وجويا.
وأوضح «بامخرمة» في تصريحات صحفية أن زيارة الرئيس الجيبوتي «إسماعيل عمر جيله» الأخيرة للسعودية ولقاءه العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» في الرياض، أسست لتحول إيجابي عميق في العلاقة بين البلدين، كما أسفرت عن تشكيل لجنة عسكرية مشتركة تنعقد بشكل دوري، لبحث آفاق التعاون، معتبرا أن مشاركة جيبوتي في «التحالف الإسلامي» لمحاربة الإرهاب، جاءت تلبية لدعوة المملكة، التي وصفها بأنها تلعب دورا مؤثرا على المستوى الإقليمي والدولي.
وشدد «بامخرمة» على أن المياه الإقليمية لبلاده آمنة، وأنها تحت السيطرة من أي محاولات عبثية، مضيفا أن بلاده لن تسمح بأن تستخدم أراضيها للإضرار بجيرانها أو بأي دولة.
4 دول أفريقية تقطع العلاقات مع إيران
مع قدوم الملك سلمان تنامت العلاقات مع القارة السمراء، ما يذكر بالسياسة التي انتهجها الملك فيصل بن عبدالعزيز في حقبة الستينيات، والتي أفضت إلى إنشاء منظمة التعاون الإسلامي، وشهدت الخارجية السعودية تحرك مكثف تجسد في زيارات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى السودان ثم جنوب إفريقيا، ثم متجها إلى زامبيا كامتداد للقاءات المكثفة التي أجراها الوزير مع الزعماء الأفارقة في أديس بابا أثناء قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة.
جاءت النتائج سريعا سواء على صعيد تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، والذي تلعب الدول الإفريقية دورا مهما فيه أو على صعيد قطع العلاقات مع إيران وتحجيمها، فقطعت كل من السودان والصومال وجيبوتي وجزر القمر علاقاتها تماما مع طهران وطردت سفراء إيران لديها معلنة تضامنها مع الرياض.
السودان واريتريا إلى النقيض
يعد "السودان واريتريا" تحديدا نموذج واضح على تحجيم النفوذ الإيراني وإحلاله بنفوذ خليجي متنام حقيقة رصدتها صحيفة "لوبوان" الفرنسية في تقرير نشرته 27 يناير 2016 أكدت فيه أن الصراع بين القطب الشيعي بقيادة إيران، والقطب السني بقيادة السعودية، بدا واضحا في تضارب المواقف السياسية في السودان أكثر من أي بلد أفريقي آخر، حيث كانت الخرطوم إلى حدود سنوات مضت نقطة الدعم الخلفية للنفوذ الإيراني الممتد في شرق أفريقيا.
في المقابل وظفت السعودية وظفت كل ثقلها الاقتصادي لإقناع الرئيس السوداني عمر البشير؛ بالوقوف إلى جانب المملكة في التصدي للنفوذ الإيراني، وهو ما نجحت فيه الرياض إلى حد موافقة البشير على إرسال مئات الجنود للمشاركة في الحملة العسكرية في اليمن، وفي المقابل تعهدت المملكة في ربيع سنة 2015 بضخ مليارات الدولارات لتطوير قطاع الفلاحة وبناء السدود في السودان، أما إريتريا فقطعت علاقاتها الدبلوماسية بإيران بعد أن كانت قبل سنوات مضت تدعم الحوثيين بالسلاح.