بروكنغز- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-
دعا عدد من صانعي السياسات والمحللين في الولايات المتحدة دولا مثل الصين والهند إلى «بذل المزيد من الجهد» في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن كل من بكين ودلهي يبذلون الجهد، لكن ربما ليس بالطريقة المطلوبة لزيادة المشاركة الآسيوية في الشرق الأوسط.
لقد سافر الرئيس الصيني «شي جين بينغ» مؤخرا إلى المنطقة، وكذلك فإن رئيس وزراء الهند «ناريندرا مودي» سيعود إلى هناك خلال عطلة نهاية الأسبوع. بعد رحلة سريعة إلى بروكسل لحضور قمة الهند والاتحاد الأوروبي الثنائية، وكذلك إلى واشنطن لحضور قمة الأمن النووي، حيث يتوجه «مودي» إلى الرياض غدا. ولا تعكس هذه الزيارة فقط أهمية المملكة العربية السعودية للهند ولكن أيضا أهمية الشرق الأوسط بشكل عام (أو ما يدعى في الهند غرب آسيا) وهي فرصة تقدمها هذه اللحظة بالذات لصانعي السياسة الهندية.
لقد كان الشرق الأوسط حاسما بالنسبة للهند منذ عقود. لقد كان مصدرا للطاقة، وفرص العمل، والتحويلات المالية، والمعدات العسكرية، كما أنه يحمل أهمية دينية لعشرات الملايين من الهنود. ولكنه كان أيضا مصدرا للقلق والمخاوف حول الأثر السلبي لعدم الاستقرار في المنطقة على المصالح الهندية. ولكن اليوم، ومع زيارة «مودي»، فإن هناك أيضا فرصة لصناع السياسة الهندية نتيجة عدد من الأسباب، أولها أن الهند قد صارت مهمة للمملكة العربية السعودية وعدد من دول الشرق الأوسط إلى حد لم يكن صحيحا من قبل.
طريق باتجاهين
وكما أن لدى الهند علاقات على الصعيد العالمي، فإن لديها أيضا مجموعة متنوعة من الشراكات في منطقة الشرق الأوسط، وتعمل على الحفاظ على موازنة علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران و(إسرائيل). ولا تزال المنطقة مصدرا رئيسيا للنفط والغاز الطبيعي الذي تستورده الهند (58 في المائة من وارداتها من النفط و 88 في المائة من واردات الغاز الطبيعي المسال في عامي 2014 و2015 جاءت من الشرق الأوسط). وبالإضافة إلى ذلك، فإنه، اعتبارا من أول يناير/كانون الثاني عام 2015، كان هناك 7.3 مليون من الهنود المقيمين في المنطقة قاموا بإجراء تحويلات مالية بقيمة 36 مليار دولار في عام 2015 (52 في المائة من مجموع التحويلات المالية إلى الهند). إضافة إلى أن السكان السنة والشيعة في الهند (بين الأكبر في العالم)، وأنشطة مكافحة الإرهاب التي تتم بالتعاون مع بعض الدول في المنطقة، والعلاقة الدفاعية بين الهند و(إسرائيل)، والرغبة في التواصل مع أفغانستان وآسيا الوسطى عن طريق إيران، والسوق المحتملة وما تمثله من قيمة بالنسبة للشركات الهندية.
في نفس الوقت، فإن هناك العديد من دول الشرق الأوسط التي بدأت تتحول إلى آسيا أو على الأقل تعطيها نظرة جديدة. يوجد لدى الهند المزيد من النفوذ أكثر مما كان عليه في أي وقت مضى في الماضي. و هناك عدد من الأسباب مؤخرا جعلت هذه الدول قد تبحث شرقا ومنها:
أولا: سيولة الشراكات الاستراتيجية التقليدية والتساؤلات حول دور الولايات المتحدة في المنطقة.
ثانيا: التباطؤ الاقتصادي في أوروبا والولايات المتحدة في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008.
ثالثا: تغيير أنماط استهلاك الطاقة العالمية.
رابعا: تزايد المخاوف حول الإرهاب في المنطقة.
خامسا: في حالة (إسرائيل)، هناك المقاطعة وسحب الاستثمارات وحركة العقوبات.
في هذا السياق، فإن الهند لديها بعض المزايا. اقتصادها في حالة جيدة نسبيا بالمقارنة مع الدول الأخرى، ويقدم سوقا للسلع والخدمات، وكذلك يحتمل أن تكون وجهة استثمارية. وقد أصبحت الهند على سبيل المثال، أكبر عميل أجنبي لشركات الدفاع الإسرائيلية.
بالنسبة للدول المنتجة للنفط وللغاز الطبيعي في المنطقة، فإن الهند تواصل االإسراف في التزود بكميات متزايدة كبيرة من كل منهما. ولكن، اليوم، دلهي لديها قوة شرائية. لماذا؟ نظرا لأن أسعار النفط منخفضة نسبيا و هناك الكثير من الغاز في السوق، والمشترون التقليديون يبحثون في أماكن أخرى عن الوقود الأحفوري أو عن مصادر أخرى للطاقة النظيفة. الهند، أيضا، لديها المزيد من الخيارات وقد تم تنويع مصادر الإمدادات (قارن مثلا اعتماد الهند على 74 في المائة من نفطها على منطقة الشرق الأوسط في 2006/2007 ثم انخفاض ذلك إلى 58 في المائة الآن).
قد تكون الهند لا تزال تعتمد على منطقة الشرق الأوسط للحصول على الطاقة، ولكن الشرق الأوسط أيضا يعتمد الآن على الهند باعتبارها سوقا.
وبالتالي، قد تكون الهند لا تزال تعتمد على منطقة الشرق الأوسط للحصول على الطاقة، ولكن الشرق الأوسط الآن يعتمد أيضا على الهند باعتبارها سوقا. لقد غير هذا الديناميات الموجودة ويعد النفوذ الهندي المتزايد دليلا واضحا. على سبيل المثال، في صفقة توريد الغاز الطبيعي التي أعيد التفاوض بشأنها بين «راس غاز» القطرية و«بترونت» الهندية، تم تخفيض الأسعار والتنازل عن بعض العقوبات. حتى دول مثل إيران، التي لديها الآن المزيد من الخيارات للشركاء، فإنها لم تتردد في التواصل مع دلهي، ولا تزال لديها مصلحة في الحفاظ على الخيار الهندي. وقد جعلت المنافسات الإقليمية قدرة دلهي على السير بتوازن في المنطقة أكثر تعقيدا، لكنه يعطي أيضا كل بلد سببا للحفاظ على علاقتها مع الهند.
حكومة «مودي» كانت تبحث للاستفادة من هذا الوضع. بينما أبدى ساستها الكثير من الاهتمام بالشرق الأوسط على مدى العامين الماضيين، سواء من صناع القرار أو الصحافة.
وعلى سبيل المثال، فقد سافر «مودي» لدولة الإمارات العربية المتحدة والتقى مع الرئيس الإيراني «حسن روحاني» على هامش مؤتمر منظمة شنغهاي للتعاون، وسافر الرئيس الهندي إلى (إسرائيل) والأردن والأراضي الفلسطينية. وقد زار وزير الخارجية الهندي البحرين و(إسرائيل) والأراضي الفلسطينية والأردن وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك شارك في الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون العربي الهندي في المنامة في وقت سابق من هذا العام. وقد استضافت حكومة «مودي» أيضا أمير قطر وولي عهد أبو ظبي، ووزراء خارجية دولة البحرين، إيران، سلطنة عمان، السعودية، سورية، الإمارات العربية المتحدة، وكذلك وزير الدفاع الإسرائيلي إلى الهند.
ولكن كانت هناك مخاوف من أن هذه المشاركة ليست كافية، وخاصة بالنسبة إلى بعض البلدان. النشاط المتزايد للصين في المنطقة، فضلا عن انخراط باكستان وإيران والاندفاع من قبل القادة الأوروبيين لذلك، كلها عوامل أدت إلى دعوات لاتخاذ إجراءات أسرع. وقد علق وزير الخارجية الهندي مؤخرا : «إننا لم نعد راضين أن نكون متلقين سلبيين للنتائج في هذه المنطقة»، و يبدو أيضا أن هذا يعكس أن دلهي تحتاج إلى أن تكون أكثر استباقية حول تعميق علاقاتها مع دول المنطقة، بدلا من الانتظار أو التعاطي عبر رد الفعل على الأحداث.
التواصل السعودي
وفي هذا السياق يسافر «مودي» إلى الرياض. حيث العلاقة مع المملكة العربية السعودية هي واحدة من الركائز الأساسية لسياسة الهند الشرق أوسطية. حيث تعتبر السعودية مصدرا رئيسيا للنفط، وفرص العمل، والتحويلات المالية، كما أنها وجهة لأكثر من 400 ألف من الهنود الذين يذهبون إلى البلاد للحج أو العمرة كل عام. وبالإضافة إلى ذلك، في السنوات الأخيرة، كان هناك المزيد من التعاون الأمني، مع تسليم الرياض بعض الأفراد المطلوبين في الهند. ويعمل البلدان معا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ولكن هذه العلاقة لم تكن من دون مشاكل من وجهة نظر دلهي. وويتضح ذلك من خلال بعض الأسباب: على رأسها العلاقة بين السعودية وباكستان والقضايا المتعلقة بالهنود في الشتات، بما في ذلك معاملة العمال الهنود في البلاد والجهود الرامية إلى سعودة الوظائف التي قد تحد من فرص العمل للمغتربين الهنود. ناهيك عن المخاوف المتعلقة بالأيديولوجية، وتمويل المملكة العربية السعودية لمنظمات في الهند، والتي قد تكون تعمل على زيادة نفوذ الوهابية في البلاد.
هناك أيضا الديناميات الإقليمية، بما في ذلك تصاعد التوترات بين المملكة العربية السعودية و إيران التي وصلت عواقبها إلى المواطنين الهنود، فعلى سبيل المثال، غادر اليمن إلى دلهي 4640 من الهنود خلال الأشهر الماضية.
وفي الآونة الأخيرة، هناك حوادث الدبلوماسيين السعوديين في الهند وأيضا تؤثر سلبا على التصورات العامة (للنخبة) في البلاد. على المدى المتوسط إلى الطويل، هناك أيضا مخاوف بشأن احتمال عدم الاستقرار داخل المملكة العربية السعودية.
خلال رحلة «مودي»، سيكون هناك تركيز على الإيجابيات على أمل أن تساعد على التخفيف من بعض المشاكل. وسوف يحل رئيس الوزراء ضيفا على الملك «سلمان»، الذي زار الهند وليا للعهد ووزيرا للدفاع فقط قبل تولي «مودي» منصبه. كما سيلتقي «مودي» مجموعة من القادة السياسيين ورجال الأعمال السعوديين. ومن المرجح أن تتضمن أجندة الزيارة الهندية تنويع العلاقات الاقتصادية وزيادة الاستثمارات البينية، فضلا عن التعاون بشكل أكثر وأفضل في مجال مكافحة الإرهاب.
ومن المنتظر أن يجتمع رئيس الوزراء مع العمال الهنود الذين يعملون في الشركة الهندية التي تقوم ببناء جزء من مترو الرياض. وليس من الصعب تقييم السبب في ذلك، نظرا لزيادة الحساسية في الهند (وخاصة في وسائل الإعلام) بشأن معاملة المواطنين في الخارج، وكذلك مصلحة الحكومة في فتح الملعب للشركات الهندية للحصول على قدر أكبر من الوصول إلى الأسواق. ولكن، مع اهتمام الرياض في خلق فرص عمل للسعوديين، سيعمل «مودي» على تسليط الضوء على أن الشركات الهندية يمكن أن تسهم في تدريب وتوظيف السكان المحليين (وخاصة النساء) من خلال زيارة مركز خدمة العمليات التجارية في شركة هندية جميع العاملين فيها من الإناث.
السعوديون على الجانب الآخر يمكن أن يستفيدوا أيضا: إعطاء الرياض سبب لعدم السماح لعلاقتها مع باكستان أن تحد من العلاقة مع الهند، وربما في بعض الأحيان مما يجعلها على استعداد لاستخدام بعض من نفوذها مع هذا البلد لصالح الهند. وعلى الرغم من التوترات الأخيرة في العلاقات السعودية الباكستانية، فإن دلهي سوف تكون واقعية حول حدود أخذ الرياض بعيدا عن إسلام أباد.
حدود النفوذ الهندي
فهل كل هذا يعني أن الهند سوف تفعل المزيد في الشرق الأوسط؟ لجميع الأسباب المذكورة أعلاه، و على الرغم أن الهند شاركت في المنطقة لعدة سنوات، فإنه كما لاحظ وزير الخارجية الهندي، فإن هذا التدخل ليس في جزء كبير منه نتاج لسياسة دولة نشطة. على الأرجح سوف تزداد المصالح الهندية في المنطقة في المستقبل، وبالتالي، نتيجة لذلك فإن مشاركتها الرسمية وعبر الشركات سوف تزداد.
ولكن الانخراط الهندي قد لا يكون وفق ما يفكر به بعض المراقبين الأمريكيين. فكما تنمو قدرات الهند، فإنها سوف تبذل المزيد من الجهد في مجالات توفير الأمن البحري، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، إخلاء المغتربين عند الضرورة، والمساهمة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. كما أنها من المحتمل أيضا أن تفعل أكثر من حيث بناء القدرات داخل هذه البلدان بدعم من الحكومات المضيفة.
ويمكن أيضا أن يكون هناك مجال للهند لتوسيع الحوار في غرب آسيا مع دول مثل الولايات المتحدة. ولكن من المرجح أن تظل حذرة من اختيار أحد الجانبين أو التورط في التدخلات العسكرية في المنطقة ما لم تتأثر مصالحها مباشرة (على سبيل المثال رفضت الحكومة الائتلافية السابقة بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا الانضمام إلى ائتلاف الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على العراق).