اعتدنا طوال العقود الأربعة الماضية على حملات إعلاميّة غربيّة تشنّ على السعوديين ولكنها لا تلبث أن تخف أو تختفي بظروفها ودواعيها. ولعل أول مواجهة إعلاميّة شرسة وقعت بين السعوديين كمجتمع ودولة والإعلام الغربي كانت بعد إعلان الملك فيصل رحمه الله عام 1973 قطع إمداد النفط عن الدول الغربيّة المؤيدة لإسرائيل. وقتها ظهر اسم السعوديّة ورموزها على أغلفة المجلات الكبرى مثل مجلة "تايم" ومجلة "نيوزويك" وغيرها بأكثر من موضوع غلاف وتحقيق رئيس. وقد دشّن غلاف مجلة "تايم" بتاريخ 19 نوفمبر 1973 تلك المرحلة وهو يضع صورة الملك فيصل وعنوان أزمه النفط:"اليد على الصمام". ثم حلّ "الفيصل" على غلاف ذات المجلة كرجل العام في يناير 1975.
في حقبة الثمانينات وبعد هدوء متلازمة النفط وإسرائيل ظهرت موجة جديدة من الحملات الإعلاميّة الغربيّة تسبّبت فيها ثلة من الأثرياء الجدد المحسوبين على السعوديين. كانت تصرفاتهم الحمقاء وبعثرتهم للملايين في حفلات سخيفة ومغامرات تافهة أقوى منشّط للإعلام المتربص لمواقف المملكة المبدئيّة تجاه فلسطين وأهلها حينذاك. ولكن وبشكل عام يمكن أن نقول إن الحملات الإعلاميّة الغربيّة على المملكة العربيّة السعوديّة ظلّت حتى بداية الألفيّة الثانية في حدود الضغوط المحسوبة لإحداث التأثير الموقت لتليين مواقف سياسيّة سعوديّة معينة، أو استجلاب مصالح اقتصاديّة من خلال صفقات كبرى ونحو ذلك.
وكان التحول الأكبر مع أحداث 11 سبتمبر 2001 التي لم تغيّر فقط مجرى العلاقات السياسيّة المعاصرة بين المملكة (الإسلام) والغرب بل هزّت أركان الإنسان الغربي والأميركي بشكل غير مسبوق. ما حصل هنا هو انتقال الحملات الإعلاميّة الغربيّة علينا من حملات تديرها مجاميع اقتصاديّة وسياسيّة لتحقيق مكاسب معيّنة إلى مواجهة مفتوحة مع الشعوب. ووسط موجات الحقد والكراهيّة التي أعقبت هذه الحوادث أتت الإشكاليّة في استحالة تغيير القناعات المزروعة بشواهد رهيبة ومعاصرة في عقل (المواطن) الغربي. هنا لم يعد الموقف يتطلب التعامل مع حملات إعلاميّة (رسميّة أو شبه رسميّة) غاية أهدفها الحصول على تنازلات وحلول توافقيّة في اجتماعات أو حتى داخل الغرف المغلقة. وهكذا صنعت حوادث 11 سبتمبر مركز الوعي الجديد للمواطن الغربي (الأميركي) العادي تجاه المسلمين والسعوديين بشكل خاص وبالطبع لم يكن هذا الوعي إيجابيا ولن يكون. وجاءت هذه الحادثة المرعبة مترافقة مع بدء الانتشار الجماهيري للإنترنت وحريّة تدفق المعلومات فتمكنت كتائب المتطرفين في الجهتين من ضخ (فكرهم) بصخبه وضجيجه فلم يعد هناك صوت يعلو فوق صوت المتعصبين.
أمّا السياسيون الأوروبيون وبنفعيّة محضة فقد ركبوا موجة التعصّب (كما ركبها هتلر من قبلهم) لجذب المتعصبين حتى استحكم (اليمين)على مفاصل القرار الأوروبي. وعلى الضفة الأميركيّة ها هو "ترامب" يلخّص المرحلة وهو يرفع شعارات التطرّف الممهّد للعنف في لغة يراها خصومه أقرب لنسخة إنجليزيّة رديئة من شعارات "البغدادي" زعيم داعش اللغز.
والخلاصة أن حملات الإعلام الغربي اليوم على المملكة العربيّة السعوديّة ليست موقتة ولا تستهدف كسب صفقة تجاريّة أو تعديل موقف سياسي. إذ الواضح أن معظم هذه التعبئة الثقافيّة والروحيّة ضدنا هي في واقعها (مشروع) يستهدف الروح والمستقبل. وهي حملات (ممنهجة) ربما تحتاج من جهتنا إلى مبادرات ضخمة تتجاوز "بنادول" شركات العلاقات العامة وتكون أصدق قراءة لما وراء وعود وابتسامات السياسيين الغربيين أمام الكاميرات.
قال ومضى: كيف (ترتقي) وكل من حولك يهوون (الهبوط).
فايز الشهري- الرياض السعودية-