زار العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبد العزيز» ماليزيا يوم 26 فبراير/شباط في أول رحلة للعاهل السعودي إلى البلاد منذ أكثر من عقد من الزمان. تضم جولته في آسيا أيضا كل من بروناي واليابان والصين وأندونسيا. لم تتلق جاكرتا زيارة سعودية رسمية منذ ما يقرب من خمسة عقود. ولكن قرار الملك للقيام بجولة نادرة لم يأت من العدم، ولكنه جاء مدفوعا بضغط الحالة الاقتصادية الصعبة على نحو متزايد في المملكة العربية السعودية. يحاول الملك إيجاد المزيد من رؤوس الأموال من أجل الحفاظ على النظام، وقد ذهب ليبحث عنه في آسيا في صورة المشاركة في الطرح العام الأولي المنتظر لشركة أرامكو.
السعودية هي دولة نفطية. وتعد شركة النفط الوطنية، أرامكو، هي مصدر الثروة النفطية الرئيسية في البلاد والتي تتدفق عائداتها إلى العائلة المالكة، ثم إلى الدولة. وتعتمد الدولة بشكل كبير عل عائدات النفط، حيث مثل القطاع النفطي 87% من إجمالي الموازنة السعودية لعام 2015. ويعني انخفاض أسعار النفط أن هناك قدرا أقل من الأموال المتاحة لدفع ثمن البرامج والإعانات الاجتماعية للسلع التي يتم تمويلها من عائدات النفط. وقد وضع هذا الأمر النظام في موقف خطير، حيث يهدد تقليص الإنفاق الاجتماعي بخلق أزمة ثقة بين النخب وهي أزمة من شأنها أن تتحدى موقف النظام والاستقرار في البلاد. المملكة العربية السعودية تجنبت حتى الآن هذه المشكلة عن طريق توظيف احتياطاتها من النفط الأجنبي التي تواصل الانخفاض والتي لن تدوم بالتأكيد إلى الأبد.
البحث عن الأموال
وفي محاولة لجلب رؤوس أموال إضافية لإعادة ملء خزائن الدولة، أعلن الملك «سلمان» العام الماضي أن جزءا من شركة أرامكو سوف يتم طرحه للاكتتاب العام. وتعارض العائلة المالكة الاكتتاب العام منذ تأميم الشركة عام 1980. وقد أراد النظام تجنب هذا الأمر نظرا لأن الاكتتاب يستلزم الإفصاح مما يجعل أرامكو أكثر شفافية. ويمثل بيع أسهم في الشركة خطوة صغيرة في رحلة فقدان سيطرة العائلة المالكة على الشركة. ولكن الحقائق القاسية تفرض نفسها، وتسعى أرامكو اليوم للحصول على رأسمال تبلغ نسبته 5% من قيمة الشركة وهي حصة كبيرة بما يكفي لجلب العائدات النقدية وصغيرة بما يكفي للعائلة المالكة للحفاظ على سيطرتها. وجاء سفر الملك «سلمان» شخصيا إلى آسيا بحثا عن الاستثمار ليؤكد مدى حاجة المملكة العربية السعودية إلى المال.
ونظرا لعدم وجود تفاصيل معروفة حول الشؤون المالية لشركة أرامكو، فإنه يصعب تقدير قيمة الـ5% المنتظر بيعها بالدولار. ادعى ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» أن الشركة تبلغ قيمتها 2 تريليون دولار ولكن هذا الرقم ينبغي أن يوضح موضع تساؤل نظرا لأن تضخيم قيمة الشركة يصب في مصلحة العائلة الحاكمة. وود ماكينزي، وهي مجموعة استشارية، تقدر أن قيمة الشركة الحقيقية تقدر فقط بـ400 مليار دولار (بما لا يشمل قطاعات المصب). وهذا يعني أن عائدات بيع 5% من قيمة أرامكو تبقى شديدة التفاوت ما بين 20 إلى 100 مليار دولار.
لا يتم نشر تفاصيل عمليات أرامكو على نطاق واسع، وترغب العائلة المالكة أن تبقى الأمور على هذا النحو. وهذا يفسر التوجه إلى آسيا، في حين أن معظم رأس المال الاستثماري متواجد في الغرب، وذلك نظرا لأنها تعرف أن رأس المال الغربية سوف يأتي مصحوبا بتكلفة عالية من مطالبات الشفافية لا تبدو المملكة على استعداد لتلبيتها. ففي حين أن أرامكو قد تقوم بطرح بعض أسهمها في البورصة السعودية إلا أن الحجم الهائل للاكتتاب، والذي قد يكون الأكبر في التاريخ اعتمادا على التقييم النهائي، يعني أنها بحاجة إلى الدعم من البورصات الأخرى. بدأت بورصة هونج كونج بالفعل في توجيه المصرفيين للاستعداد للعملية. ومع كون العديد من البورصات الآسيوية لها متطلبات أقل صرامة من البورصات الأمريكية والأوروبية، مع متطلبات إفصاح أقل، فإنها ربما تكون مناسبة بشكل كبير للمتطلبات السعودية.
لماذا يهتم الأسيويون بأرامكو؟
لدى الزبائن الأسيويون للمملكة مصلحة في الحفاظ على أرامكو والمشاركة في تشغيلها. تستورد اليابان 34% من احتياجاتها النفطية من السعودية مما يجعل الرياض أكبر مورد للنفط إلى اليابان. السعودية هي أيضا أكبر مصدر للنفط إلى أندونسيا والصين بنسب 28% و16% على الترتيب. هذه الدول الثلاث قد تعاني من مخاطر اقتصادية إذا عانت أرامكو أو السعودية من مشاكل مالية. لذا فإن مشاركتهم في اكتتاب أرامكو لن تكون سعيا وراء الحصول على عائد استثماري ولكن للحفاظ على تدفق إمدادات النفط حتى ولو كان ذلك عبر مراكمة بعض الأموال.
وفي حين أن معدل حرق الاحتياطات المالية في المملكة العربية السعودية انخفض في عام 2016 مقارنة بعام 2015، فإنها قامت بحرق 80 مليار دولار خلال العام الماضي. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي انخفضت الاحتياطات السعودية بمقدار 2 مليار دولار. ورغم أنه انخفاض قليل نسبيا مقارنة بانخفاض بلغ 10 مليارات دولار خلال أكتوبر/تشرين الأول إلا أنه يعني أن الاتجاه الهبوطي لا يزال مستمرا. ومع معدلات عام 2016، فإن لا يبقى أمام المملكة الكثير من الوقت قبل أن تستنفذ احتياطاتها. ربما تراهن السعودية على ارتفاع أسعار النفط ولكن هذا لن يغير من حقيقة أن المملكة حدت من بدائلها الإنتاجية بسبب سياسة توجيه الإيرادات لتمويل المدفوعات الاجتماعية.
في عام 2015 توقع صندوق النقد الدولي أن المملكة قد تستنفذ كامل احتياطاتها النفطية بحلول عام 2020 إذا استمرت في حرق الأموال بهذا المعدل. زيارة الملك سلمان ليست مهمة في حد ذاتها ولكن الضرورات الكامنة التي أجبرته أن يقوم بمثل هذه الزيارة بنفسه هي المهمة حقا. تكافح السعودية اليوم في معارك ضد اقتصادها الهش وتسعى للحصول على دفعة من التدفقات النقدية التي لن تحل مشاكلها. المملكة اليوم هي منزل مبني على الرمال.
جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-