مثّل لقاء الغداء بين الرئيس «دونالد ترامب» وولي ولي العهد السّعودي الأمير «محمد بن سلمان» الأسبوع الماضي مفاجأة كبيرة حول السياسة الخارجية في حقبة «ترامب»، وعلى الرّغم من الخطاب الحماسي في الانتخابات الذي لم يهدر فرصة لتقريع الحلفاء القدامى الرئيسيين، تحوّلت الإدارة الجديدة لتصبح نعمة للسّعوديين.
وبعد علاقة متوتّرة مع إدارة «أوباما»، والتي ساءت أكثر بالاتّفاق النووي مع إيران، تستعد الرياض الآن لاستعادة مكانتها كأول حليف للولايات المتّحدة في الشّرق الأوسط. لكنّ المملكة لا تضع كلّ بيضها في سلّة واحدة.
ومثّل الاجتماع حدثًا هامًا لكلا الجانبين. وأصبح الأمير «محمد» أول زعيم خليجي يقابل «ترامب»، في حين أعرب البيت الأبيض عن حزنه لرفض المحكمة للمرة الثانية «حظر المسلمين». وتناولت النقاشات إيران، التي يبدو أنّ تقاربها مع الولايات المتّحدة الآن قد ولّى، وتم تناول الإصلاحات الاقتصادية التي يدفع بها الأمير «محمّد» كجزء من رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد السّعودي بعيدًا عن الاعتماد على النّفط. واستغلّ الأمير «محمّد» الفرصة للحديث عن فرص الاستثمار في كلا الاتّجاهين.
وفي هذا الصدد، يبدو أنّ السّعودية قد نجحت في ترويج رسالتها إلى جمهور «ترامب»، مع وعد السّعوديين باستثمارات مشتركة بقيمة 45 مليار دولار في صفقة استثمار يبلغ إجمالي قيمتها 100 مليار دولار في قطاعات التكنولوجيا الأمريكية مع مؤسسة سوفتبانك اليابانية، في واحدة من النّجاحات السياسية المبكّرة لـ«ترامب». وهذا بعيد كل البعد عن أحداث العام الماضي، حدّ قانون العدالة ضدّ رعاة الإرهاب (جاستا) من نطاق الحصانة السياسية وسمح لأسر ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2011 بمقاضاة السّعودية، وجاء الردّ السّعودي وقتها بالتّهديد ببيع أصولها في الولايات المتّحدة البالغ قيمتها 750 مليار دولار. ويظهر أنّ هذا الخلاف الدبلوماسي قد تمّ تجاوزه الآن، بعد قيام الأمير «محمد بن سلمان» بزيارته الثانية للولايات المتّحدة في عام، واعتبار شركة النفط الوطنية السّعودية نيويورك موقعًا مرجحا لطرحها العام.
من واشنطن إلى لندن
وليست واشنطن هي العاصمة الغربية الوحيدة التي تعيد النّظر في نهجها تجاه السّعودية. فبعد انتخاب «ترامب» بشهرٍ واحد، حضرت رئيسة وزراء بريطانيا «تيريزا ماي» قمّة مجلس التعاون الخليجي في البحرين، حيث اجتمع مع القيادات الإقليمية لمناقشة المواضيع الشائكة في المنطقة، في التجارة والأمن. وأخبرت «ماي» زعماء مجلس التعاون الخليجي أنّها أملت في «وضع ترتيبات تجارية جديدة لمنطقة الخليج بأكملها»، في حين زارت العديد من الوفود البريطانية رفيعة المستوى دول مجلس التعاون الخليجي خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة.
قد تبدو هذه العبارات الطنّانة مألوفة، لكن هناك تمييز واضح بين أسلوب «ماي» وأسلوب ترامب تجاه السّعودية وجيرانها. ومع بدء بريطانيا في عملية الخروج من الاتّحاد الأوروبي والمتوقّع أن يكون في ربيع عام 2019، تمثّل التجارة مع دول الخليج قطبًا رئيسيًا لخطط «ماي» لمرحلة ما بعد الاتّحاد الأوروبي. وبلا شك، تأمل الحكومة البريطانية في أن تعزيز العلاقات التجارية مع دول الخليج ستساعد في تعويض الخسائر التي ستنجم عن انهيار العلاقات مع أوروبا، وخاصةً إذا تسبّبت سياسات «ترامب» في نهاية المطاف إلى إضعاف دور الولايات المتّحدة في المنطقة.
وعلى الرّغم من النّغمات الإيجابية التي يبثّها هذان الشريكان الرئيسيّان منذ وقتٍ طويل، فإنّ السّعوديّين يعملون بوضوح على التحوّط في رهاناتهم. وفي حين أرسل الملك «سلمان» ابنه إلى إدارة «ترامب»، فإنه خرج بنفسه في جولة لمدّة شهر في آسيا، التي تشهد طلبًا مرتفعًا على النّفط السّعودي. وتوقّف في محطّات بدولٍ ذات أغلبية مسلمة مثل ماليزيا وإندونيسيا، وكذلك توقّف في دولٍ آسيوية كبرى مثل الصين واليابان. ويتنافس النّفط السّعودي مع إيران وروسيا في تلبية الطلب المتزايد على الطّاقة في آسيا، والذي يتوقّع أن يصل إلى مليون برميل يوميًا هذا العام فقط. وفيما وراء النفط، تتطلّع السّعودية إلى آسيا، والصين على وجه الخصوص، للمساعدة في تنويع اقتصاد البلاد القائم على النّفط، بدلًا من تركيز كامل اهتمامها على الغّرب.
خارج نطاقها التاريخي
وفي هذه الجبهة، قد تكون مملكة «سلمان» محظوظة. وتتلاءم خططه مع خطة الرئيس «شي جين بينغ»، «حزام واحد، طريق واحد»، لتعزيز روابط الصّين مع دول آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. ولدى الصينيون منافسين أيضًا، وفي زيارة الملك «سلمان» لليابان، أعرب العاهل السعودي عن ثقته في علاقة طويلة الأمد تعتمد فيها اليابان على السّعودية من أجل إمدادها بمعظم طلبها من النّفط لعقودٍ من الزّمان. وأظهرت الجولة النوايا السّعودية للتحرّك خارج نطاق علاقتها التاريخية الوثيقة مع الولايات المتّحدة عندما يتعلّق الأمر بطلب المساعدة في تحريك الاقتصاد المتعثّر وإدارة المخاطر الأمنية القابلة للانفجار في الشّرق الأوسط.
وبالنّظر إلى المسار الحالي لإدارة «ترامب»، قد تكون هذه استراتيجية سليمة. وعلى الرّغم من التطمينات الدافئة التي تلقّاها الأمير «محمد» في واشنطن، يبقى «ترامب» غير متوقع، وقد أثبت مرارًا استعداده لكسر توافق السياسة الذي استمرّ لعقودٍ فيما يخصّ العلاقات الخارجية. ويواجه العالم الرئاسة الأخطر للولايات المتّحدة منذ عشرات السنين، وستعاني كل حكومة أجنبية لرسم مسار سياستها الاقتصادية والدبلوماسية في عصر «ترامب».
وعلى الرّغم من ذلك، ومع وجود مخاطرة، توجد أيضًا فرص لمنافسي الولايات المتّحدة، فهل تتحرك الصين، على سبيل المثال، لتحلّ محلّ الولايات المتّحدة في الشّرق الأوسط كصانع رئيسي للقرار في الشرق الأوسط؟ استنادًا إلى خطّ سير جولة الملك «سلمان»، يبدو أنّه يأخذ إجابة هذا السّؤال على محمل الجدّ.
أوراسيا ريفيو- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-