إنّ التّعاون بين الدول ذات الأغلبية المسلمة كان دائمًا طموحًا لم يتحقّق. ولن يختلف كثيرًا مصير المبادرة السّعودية الباكستانية لتشكيل منظّمةٍ عسكرية للعالم الإسلامي على غرار النّاتو. وفي الواقع، نشأ «التّحالف الإسلامي العسكري» على أساس المنطق الطّائفي الجيوسياسي الذي يضع السنّة في مواجهة الشّيعة، وهو المنطق الذي أدّى إلى نشوب الصّراعات بين المسلمين على مدى قرون. ومن غير المرجّح أن ينجح هذا التّحالف التكتيكي بين بعض الدول القومية السنّية في التّماسك، مع احتمال أقلّ في أن يحقّق هدفه المعلن المتمثّل في محاربة الجهاديين الذين اتّبعوا مشروعًا استراتيجيا يدعو لوحدة أكبر بين المسلمين.
وطلبت باكستان من إيران احترام قرارها بالقيام بدورٍ رائدٍ فى مبادرة السّعودية المعروفة باسم التّحالف الإسلامي العسكري حسبما ذكرت صحيفة إكسبرس تريبيون فى 4 أبريل/نيسان الماضي. وقال سفير طهران لدى إسلام أباد فى وقتٍ سابقٍ أمس أنّه فى الوقت الذى وضع فيه الباكستانيون الإيرانيين في الصّورة حول الخطوة فإنّ إيران لديها تحفّظاتٍ جدّية بشأن هذه المسألة. وعلى الرّغم من ذلك، أكّد وزير الدفاع الباكستاني، في 29 مارس/آذار، التكهّنات حول تولّي رئيس أركان الجيش الباكستاني المتقاعد مؤخّرًا، الجنرال «رحيل شريف»، منصب قائد التّحالف العسكري الذي يضم 39 دولة. وأضاف وزير الدّفاع أنّ المناقشات جارية لنشر فرقةً قتاليةً باكستانيةً في المملكة.
وليست هذه هي المرّة الأولى التي تقوم فيها باكستان بنشر قواتٍ في الشّرق الأوسط بموجب ترتيباتٍ أمنيةٍ ثنائية. وفي عام 1970، أرسلت باكستان قوّاتٍ إلى الأردن لمساعدة المملكة الهاشمية في التغلّب على تمرّدٍ من قبل منظّمة التّحرير الفلسطينية. وكذلك تمّ إرسال قوات باكستانية إلى السّعودية لطرد مسلّحين سلفيّين قاموا بالاستيلاء على المسجد الحرام في مكّة المكرّمة عام 1979. وبعد اثني عشر عامًا، أرسلت باكستان 20 ألف جندي إلى السّعودية خلال حرب الخليج عام 1991. ولكن هذه المرة ستكون مختلفة لأنها المرّة الأولى التي تقوم فيها باكستان بإرسال قوّاتٍ إلى تحالفٍ وليس إلى ساحة معركةٍ محدّدة ولها هدفٌ محدّد.
وتاريخيًا، كان لباكستان علاقة دفاعية وثيقة مع المملكة العربيّة السعوديّة. وبالإضافة إلى نشر القوّات، قدّمت باكستان مساعداتٍ تدريبية للفروع الثلاثة للقوّات المسلّحة في المملكة. وفي المقابل، قدّم السّعوديون مساعداتٍ مالية، وكمّيات من النّفط الخام بأسعار ميسرة، بالإضافة إلى الدّعم الدبلوماسي. ويفسّر هذا مدى النّفوذ الكبير للرّياض في الصراعات السياسية الباكستانية المحلية، وخاصةً العلاقة بين رئيس الوزراء الباكستاني الحالي «نواز شريف» والديكتاتور العسكري الأخير في البلاد، الرئيس «برويز مشرف».
وفي الآونة الأخيرة، في عام 2015، حاولت باكستان مقاومة الضّغوط من قبل المملكة للانضمام إلى الصّراع الطائفي الجيوسياسي الأخير مع إيران. وقد رفضت إسلام أباد بأدبٍ طلب الرّياض الانضمام إلى التّحالف بقيادة السّعودية والمتورّط في الحرب في اليمن. وقد سافر وفدٌ مدني وعسكري رفيع المستوى إلى المملكة لتوضيح الصّورة للملك بأنّ القوّات الباكستانية تمدّدت بين الحدود الشرقية حيث كانت التوتّرات مرتفعة مع الهند، والحدود الغربية مع أفغانستان، وعمليات مكافحة التمرّد الداخلية ضدّ متمرّدي طالبان. ومع ذلك، تعهّد الباكستانيون بتقديم قوّات في حالة كانت سيادة المملكة مهدّدة، وهو ما عليه الأمر الآن. ومن شأن هذا التّهديد أن يفسّر قرار تولّي أكثر الجنرالات الباكستانيين احترامًا لقيادة الكتلة العسكريّة ونشر لواء بطول الحدود اليمنية، حيث يواجه السّعوديّون هجماتٍ من قوات المعارضة اليمنية بقيادة الحوثيّين المدعومين من إيران.
وحتّى الآن، باكستان هي القوّة العسكريّة الإسلامية الكبيرة الوحيدة التي التزمت نحو هذه الكتلة العسكريّة التي تقودها السعودية وتمّ الإعلان عنها في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015. وتعدّ باكستان أيضًا لاعبًا من خارج المنطقة ومن خارج الشّرق الأوسط. والنقطة الأهم، هي أنّ القوتين العسكريّتين الأكبر والأقرب، وهما تركيا ومصر، قد خرجتا من هذا التّحالف.
منافسة داخلية
ويرى الأتراك أنفسهم أصحاب هيمنةٍ إقليمية، ويتنافسون مع السّعوديين على قيادة العالم الإسلامي ذي الأغلبية السنّية. وبينما تنشغل أنقرة في منافستها الخاصة مع طهران، فإنّها لا تتشاطر مع الرّياض النّزعة الإثنية والطائفية تجاه الفارسيين. وعلى الرّغم من أنّها تعتمد على الدّعم المالي من مجلس التّعاون الخليجي، فإنّ مصر لا ترغب أيضًا في رؤية قوّاتها العسكريّة متورّطة في الحروب السّعودية، وخاصةً عندما تواجه مشاكل أكثر عمقًا في الدّاخل وفي الجوار. ونظرًا لموقعها في شمال أفريقيا، فلا تملك مصر نفس المخاوف التي يشعر بها السّعوديون بشأن إيران والشّيعة.
ويفسّر هذا الاهتمام المحدود بين الدّول الإسلامية الرئيسية سبب عدم تحرّك التّحالف الإسلامي العسكري إلى أبعد من مرحلة المفاهيم. وحتّى الآن، توجد ثلاثة أشياء واضحة فقط حول هذا الأمر، أنّ قائد الجيش الباكستاني المتقاعد سوف يتولّى قيادة التحالف، وستقوم باكستان بإرسال لواء لينضمّ إلى قوّة التّحالف، وستتركّز هذه القوّة في الرّياض. أمّا عن حجمها، وأيّ من الدّول الـ 39 سوف توفّر قوات، ومهمّتها، كلّ ذلك لم يتحدّد.
يملك السّعوديون خبرة قليلة جدًا في إدارة القوّات المسلّحة الوطنيّة الخاصة بهم، ناهيك عن قيادة مشروعٍ طموحٍ مثل «النّاتو الإسلامي». ومن المرجّح أن يدفعوا الأموال مقابل هذه المهام، والتي سيتولّاها القائد الباكستاني فور تسلمه للمنصب رسميًا. وتأمل الرّياض في الحفاظ على سيطرتها من خلال ذراعها المالي المتميّز. وحتّى لو تمّ الوصول إلى أساسيات هذه القيادة المشتركة، فإنّ مسألة السّيطرة السياسيّة ستمنعها من أن تكون قوّة متماسكة.
وعلى غرار جميع الكيانات متعدّدة الجنسيات، سيكون التّحالف الإسلامي العسكري متماسكًا بقدر ما تكون الدّول الأعضاء فيه مستعدّة لتقاسم السّلطة. وفي الوقت الذي يتفكّك فيه الاتّحاد الأوروبي ويتساءل عن جدوى النّاتو بشكل جدّي، فمن غير المرجّح أن يكون التحالف العسكري المقترح (الإسلامي اسمًا) قادرًا على العمل في الوقت الذي تتّسع فيه الانقسامات العميقة بين الدّول الأعضاء. وتعدّ فكرة التّضامن الإسلامي فكرةً رومانسية في العالم الإسلامي، لكن لا توجد دولة داخل الأمّة مستعدّة للاستثمار الفعلي فيها. ويؤكّد تاريخ منظّمة التّعاون الإسلامي الذي يعود إلى ما يقرب من 50 عامًا كيف أنّ الدولة القوميّة تتغلّب على التّضامن الديني.
مشروع طائفي؟
وفي حالة التّحالف الإسلامي العسكري، فقد بدأ المشروع طائفيًا نظرًا لاستبعاد إيران، وهو موجّه نحو محاربة حلفاء طهران العرب. وفي جوهره، فإنّه قد أسّس لمعالجة واقع الاضطّرابات الجيوسياسية التي تضرب العالم العربي منذ بداية ثورات عام 2011. وتعدّ السّعودية هي القوّة العربيّة الوحيدة في المنطقة، لكنّها تستمدّ قوّتها من مركزها المالي النّاتج عن كونها أكبر منتجٍ للنّفط الخام في العالم. لكن ليس لديها أي قدرة عسكرية خاصة بها، كما يتّضح من نتائج الحرب الجارية في اليمن. وأسفرت أسعار النّفط المتدنّية عن أزمةٍ داخليةٍ للاقتصاد السياسي السعودي، مقترنةً بالفوضى المتزايدة في المنطقة، الأمر الذي يقوّض أمن المملكة تدريجيًا. ولذلك، فإنّ التّحالف الإسلامي العسكري يهدف أساسًا إلى حماية الأمن القومي السعودي في حين لا يمكن للمملكة الاعتماد على كفيلها الأمني التاريخي، الولايات المتّحدة.
ومن وجهة نظر الولايات المتّحدة، طالما أنّ التّحالف الإسلامي العسكري يحارب «الدّولة الإسلاميّة»ويعمل كحصنٍ ضدّ قوىً أخرى مزعزعة للاستقرار في المنطقة، فإنّه يصبح ذا فائدة للمصالح الوطنية الأمريكية. وقد يكون لديه القدرة على تخفيف عبء واشنطن في دورها الثّقيل تجاه الأمن الإقليمي. وإلى حدٍّ كبير، اضطّرت الولايات المتّحدة إلى المشاركة في تدخّلاتٍ مكلّفة لأنّ الدّول الإقليمية الموالية للغرب تفتقر إلى القدرات الأمنيّة الجماعية. ولا تريد واشنطن شيئًا أكثر من أن تأخذ دولٌ مثل تركيا وباكستان وغيرها زمام المبادرة في القتال ضدّ تنظيم الدولة وغيرها من الجماعات الجهادية، وكذلك في احتواء إيران.
ومع ذلك، تواجه هذه البلدان مشاكلًا على مستوى جبهاتها الداخلية، ناهيك عن وجود مصالح وطنية متنافسة بينها وغالبًا ما تكون متباينة. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّ تنظيم الدّولة الإسلاميّة يحاول السّعى للاستفادة من الفراغات المتزايدة في المنطقة لإقامة الخلافة المزعومة. وفي العديد من النّواحي، يعتبر التّحالف الإسلامي العسكري استجابةً لمحاولات تنظيم الدّولة الإسلاميّة من أجل تشكيل وحدةٍ سياسيةٍ مسلمة. وقد يعزّز هذا النّاتو الإسلامي، الذي من غير المرجّح أن ينجح، الموقف الجهادي حول أنّ الأنظمة الحالية هي سبب الانقسام الإسلامي.
ولم يصمّم التّحالف الإسلامي العسكري ليكون تحالفًا بين المسلمين. وحتّى على المستوى السنّي، فإنّ عددًا قليلًا جدًا من الدّول قد أبدى اهتمامًا. بالإضافة إلى ذلك، ينقسم المعسكر السنّي إلى درجة أنّه من غير المرجّح أن يكون قادرًا على تحدّى الجماعات الجهادية. بل على العكس من ذلك، فإنّ بنيته الطّائفية لن تؤدّي إلّا إلى تعزيز وترسيخ الفكر الجهادي.
جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-