علاقات » دول أخرى

مباريات القرن الأفريقي.. الإمارات والسعودية في مواجهة تركيا والصين تناور روسيا

في 2018/03/22

ثيودور كاراسيك - منتدى الخليج الدولي- ترجمة شادي خليفة -

قبل ما يقرب من 10 أعوام، وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة استراتيجية لإنشاء وجود عسكري إماراتي قوي في الصومال واليمن وباب المندب، وفي نهاية المطاف، كانت مصلحة أبوظبي هي إبراز نفسها في القرن الأفريقي.

وفي هذا المنعطف، وفي خضم تفكك الدولة اليمنية، تقوم أبوظبي، بالتوازي مع المملكة العربية السعودية، بتشكيل البيئة الإستراتيجية، للأفضل أو للأسوأ، ويجب أن يتم تفسير النفوذ المتنامي لدولة الإمارات في جميع أنحاء أفريقيا، والزاوية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية، ضمن سياق جيوسياسي معقد.

وتتنافس أبوظبي مع تركيا ومجموعة من اللاعبين الإقليميين والدوليين، بما في ذلك الصين وروسيا، وتضع مثل هذه المنافسة الاستراتيجية مجموعة من القوى المختلفة ضد بعضها البعض؛ حيث تسعى هذه الجهات الفاعلة المختلفة إلى تأكيد نفوذها في البحر الأحمر وخليج عدن.

وسوف يؤثر المشهد الأمني ​​المستقبلي في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي بشكل كبير على مستقبل تجارة الطاقة العالمية، حيث إن تدفق الطاقة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب يخترق منطقة الصومال واليمن وباب المندب، ما يجعله عرضة لقوى القرصنة والإرهاب.

وفي حين يقوم السعوديون وحلفاؤهم الآخرون بحملتهم الجوية والبرية التي تستهدف الحوثيين، تنتشر القوات العسكرية التابعة للإمارات في معظم أنحاء هذه المنطقة برا وبحرا، وتشارك في العمليات الرئيسية، باستخدام شركات خاصة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، ويمتد المسار من محافظة المهرة على طول الحدود اليمنية إلى الصومال.

وفي الطريق الإماراتي للسيطرة على الأراضي اليمنية، وقع الاقتتال الداخلي بين القادة اليمنيين في الحزام الأمني ​​الجنوبي، الذين كانوا يتدافعون من أجل النفوذ والسلطة، الأمر الذي قد يحدد حكم عدن المستقبلي.

أبعاد الأمن

وهناك زاوية استراتيجية أخرى يجب أخذها في الاعتبار؛ حيث لا ترى الإمارات نفسها كدولة عربية متقدمة فحسب، بل أيضا تعتبر نفسها دولة ذات مصالح أمنية تمتد عبر المحيط الهندي.

وتعد الرغبة الإماراتية في إبراز النفوذ الجغرافي السياسي جنوب شبه الجزيرة العربية جزءا من رؤية أبوظبي الاستراتيجية، وترى الإمارات أن مجالها البحري يمتد من الهند وجزر المالديف على طول الساحل الشرقي لأفريقيا، إلى زنجبار وما وراءها.

وهكذا، أصبح التواجد العسكري في القوس الجنوبي في المنطقة الممتدة بين الصومال وباب المندب واليمن يتعزز بشكل متزايد بسبب ضرورة الحفاظ على التدفق الحر للحركة البحرية.

ونتيجة للرؤية الاستراتيجية الإماراتية، ووضع القوات العسكرية حول منطقة القوس الجنوبي والبلدان على جانبي المضيق، تحولت تلك المنطقة إلى منطقة ساخنة، وتمتلئ الآن هذه المضائق والخلجان والبحار بعدد متزايد من القواعد العسكرية في اليابسة أو البحر.

وليس من الضروري هنا مراجعة العديد من المرافق الجديدة، والسياسة المحيطة بالوجود العملي للقوات الإماراتية أو السعودية، لكن المهم هو أن الصورة الجيوسياسية للحملة العسكرية الخليجية بدأت تظهر لتفسح المجال أمام صراع النفوذ بالقرب من مناطق العبور الرئيسية.

ومما لا شك فيه أن الاستيلاء على الموانئ وأراضي القرن الأفريقي والمنطقة بين الصومال واليمن وباب المندب للاستخدام العسكري، هو نتيجة مباشرة لجهود دول الخليج التي تدفع باتجاه تحويل الصومال واليمن إلى جيران فاعلين وآمنين.

لكن دول الخليج فشلت في أن ترى أن كلا البلدين يميلان بشكل طبيعي إلى رفض أي قوة خارجية تفرض نموذجا سياسيا واقتصاديا قد لا يلائم الطبيعة المعقدة للمجتمعات الصومالية واليمنية على حد سواء.

وبالرغم من قدراتها الآخذة في النمو، لكن البحرية السعودية ليس لديها وصول حقيقي للسواحل، رغم أنها تمتلك أفضل البحريات في خليج عدن والخليج العربي وبحر عمان مقارنة بنظيرتها الإماراتية.

وقبل 5 أعوام، تنبأت كلتا البحريتين بتطور التهديد البحري من إيران ومن الجهات الفاعلة الأخرى التابعة للدولة أو غير الحكومية في منطقة القرن الأفريقي أو حول خليج عمان، واعترف هؤلاء المسؤولون بأن القرصنة قبالة سواحل الصومال ستعود في شكل جديد من شاطئ مختلف.

ومن هذا المنظور، يتم تأمين البيئة البحرية لدول مجلس التعاون الخليجي المحيطة بشبه الجزيرة العربية، بالتعاون مع أساطيل بحرية أخرى خارج المنطقة في سباق من أجل الوجود.

العامل الصيني

ويعد تدخل الصين في هذه البيئة البحرية أمرا فريدا، ويأتي دخول الصين إلى اليمن عبر عدن ليجلب ديناميكية جديدة مثيرة للاهتمام لهذه الساحة الاستراتيجية.

وكان الاجتماع بين نائب الرئيس اليمني الجنرال «علي محسن» وممثل السفارة الصينية في اليمن، في 12 مارس/آذار، بمثابة بداية لدور جديد للصين في دعم الحل السلمي، وتقوم بكين بتعزيز العلاقة مع سلطات عدن من أجل جلب السلام إلى المدينة الساحلية، لبدء تعزيز العلاقات مع المسؤولين المحليين من العديد من المعسكرات المختلفة.

والأهم من ذلك، يثير استخدام بكين لعدن أسئلة مهمة حول دور روسيا في اليمن، وتساعد علاقات موسكو بالإمارات والحوثيين وعدن في الدور الروسي كوسيط في اليمن إذا فشلت المحادثات في في الوصول لأي نتائج.

وتستمر روسيا في طباعة العملة للحكومة في عدن، ومن الواضح أن هناك تقاطعا جديدا مهما بين روسيا والدول العربية بسبب ما تخطط بكين للقيام به.

وأمام الجميع، يتنامى الوجود البحري الصيني عبر القوس الشمالي للمحيط الهندي بسرعة، في موانئ مثل «جوادار» و«شابهار» و«الدقم» و«جيبوتي»، والآن مع عدن، وهي تنشئ قواعد أخرى في شرق أفريقيا.

ويمكن إضافة ميناء جديد في «سريلانكا» إلى قائمة متزايدة من مراكز القوة الصينية لتعزيز وتحديث النظام في جميع أنحاء المحيط الهندي، مع شبكة مثيرة للاهتمام إلى حد ما من المنشآت البحرية في الجزء الشمالي الغربي من المحيط الهندي.

وتتيح هذه الحقيقة لسلاح البحرية للصين الشعبية الكثير من أماكن الرسو والوجود في المناطق البحرية الرئيسية حول شبه الجزيرة العربية.

وبالإضافة إلى ذلك، فهناك جزء بحري من مشروع «حزام واحد، طريق واحد» الخاص بالصين، وتتطابق نقاط المشروع الرئيسية في خطة بكين مع الصورة الاستراتيجية لدولة الإمارات.

وتوضح قدرة الصين على الشراكة والتحالف مع دول الخليج في هذه البيئة قدرة بكين على تجاوز روسيا في الوجود البحري الفعلي، ولدى بكين مصلحة راسخة في التأكد من أن الطرق البحرية، لا سيما عبر الصومال واليمن وباب المندب وخليج عدن وبحر عمان لا تزال خالية من التهديد.

والأهم من ذلك، أن الصين هي بائع أسلحة رئيسي لجيوش الخليج، حيث تتضمن مبيعات الطائرات بدون طيار والأنظمة الجوية التي تساعد على إبقاء الدول الخليجية مسلحة، ليس فقط على الساحة الاستراتيجية المحيطة بالجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، بل أيضا داخل الخليج نفسه، وترحب الدول الخليجية بقدرة الصين على إظهار طريقة للمساعدة في إنهاء محنة اليمن.

وعلى المدى القريب، ستشتري الجيوش الخليجية المزيد من الأسلحة من تلك الدول التي تنتج الأسلحة التي تناسب المتطلبات الاستراتيجية للسيطرة على ساحة المعركة بين الصومال واليمن.

وتدرك جيوش الخليج إمكانية دخول معركة لأعوام عديدة من أجل اليمن ومستقبل الصومال، ولا تعني البراعة العسكرية اليوم بالضرورة نتائج أفضل، والمعركة الآن هي حول تبصر نوع المعركة.

وتساعد البرامج المساعدة، مثل برنامج المساعدات من قبل الإمارات في جزيرة سقطري، على تمكين الإمارات من العمل انطلاقا من الجزيرة الإستراتيجية، ولا تواجه دولة الإمارات معارضة حقيقية لوجودها في سقطري ولكن من هناك، تتوقف كل الرهانات؛ حيث من المرجح أن تواجه سائر القواعد الإماراتية الأخرى حقائق سياسية قاسية على الأرض وفي البحر.

الاهتمامات السعودية والإماراتية

وفي حين أن هناك مناطق خلاف بين الرياض وأبوظبي حول قضايا في اليمن، خاصة حول الحملة العسكرية، فإن أحد الموضوعات التي توحد الجانبين هو تركيا.

وبالنسبة لكل من المملكة والإمارات، فإنهما يحتاجان لمواجهة جهود تركيا المستمرة في دفع الصومال لإخراج الإمارات من أجزاء من البلاد التي تعتمد على العشائر.

وتعد قدرة أنقرة على النجاح في الأماكن التي يفشل فيها الإماراتيون أمرا مثيرا للإعجاب، ويتحدث الكثيرون عن برنامج الدبلوماسية والتدريب العسكري التركي، مقابل نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي تقدمه الإمارات.

وتفتخر تركيا بوجودها الجديد في الصومال، كدليل إضافي على نجاح سياسة أنقرة في أفريقيا، وكان نموذج المساعدات التركي أكثر كفاءة من الجمعيات الخيرية للإمارات، بسبب تركيز أبوظبي على المساعدة الأمنية وتطوير الموانئ، وحاز نموذج الخدمات الاجتماعية المباشرة من قبل تركيا القلوب والعقول.

وتقوم قطر الآن بإنشاء قاعدة في الصومال بمساعدة تركية، واستنادا إلى التوترات الحالية في المنطقة، يشكل اختراق أنقرة لأفريقيا إهانة مباشرة للسعوديين والإماراتيين الذين يرون أن النشاط التركي تدخل وإهانة للذاكرة التاريخية الخليجية.

ومن الواضح أنه ليس كل دول الخليج تشترك في وجهة النظر هذه، ومع الاحتمال شبه المؤكد لصعود «محمد بن سلمان» إلى عرش المملكة، فإن المسار المستقبلي لهذا الخلاف التاريخي الأساسي لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشاكل في المنطقة الجغرافية المعنية.

وعموما، يستمر النشاط العسكري الخليجي، بقيادة السعودية والإمارات، في إحداث الصدى في اليمن والصومال وباب المندب.

ومرة أخرى، سننتظر لنرى كيف سيحل الملك الجديد «محمد بن سلمان» المشاكل التي تواجهها المملكة مع الوجود الاستراتيجي والعسكري لدولة الإمارات عبر هذا القوس الجيوسياسي الفريد.