عباس محمد صالح - الخليج أونلاين-
نشطت دولة قطر مؤخراً في تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية، وأخذت دبلوماسيتها النشطة في أفريقيا تلفت أنظار المراقبين؛ وفي هذا السياق شهدت الفترة الأخيرة انفتاحاً متسارعاً للدوحة تجاه القارة السمراء.
وتواترت في هذا السياق زيارات رؤساء الدول والحكومات الأفريقية لدولة قطر، كما زار أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عدداً من دول القارة السمراء.
وفي إطار هذا الانفتاح المتبادل بين الطرفين، أتت زيارة الرئيس الرواندي بول كاغامي للدوحة، يومي 14-16 من نوفمبر الماضي، حيث تعد رواندا واحدة من أكثر الاقتصادات الأفريقية نمواً، كما يعتبر كاغامي من القادة المؤثرين داخل القارة وخارجها؛ إذ رأس اللجنة المعنية بإصلاح الاتحاد الأفريقي.
وزادت أهمية زيارة كاغامي لدولة قطر أنها جاءت قبل أيام قليلة من القمة غير العادية للاتحاد الأفريقي التي عقدت يومي 17-18 نوفمبر، والتي خصصت لموضوع إصلاح الاتحاد، حيث تحتل المؤسسات ذات الطبيعة الاقتصادية الحيز الأكبر في خطة الإصلاح المقترحة.
تكالب جديد على أفريقيا
ويقرأ الخضر هارون، عميد كلية الاتصال الجماهيري بـ"جامعة أفريقيا العالمية" بالخرطوم، التحركات القطرية في سياق ما يصفه بـ"التكالب على القارة"، حيث قال لـ"الخليج أونلاين": "تشهد المنطقة الآن، وخاصة القرن الأفريقي، ما يشبه تكالباً على أفريقيا، ففشل يوتوبيا العولمة أدى الى الزهد في العمل الجماعي من أجل تحقيق المكاسب للجانبين، وحتى مجموعة دول (البريكس) لا تبشر بنجاح".
وتابع: "يتصارع الكل على القارة الوحيدة التي لا تزال غنية بالمواد الأولية، وكذلك بدافع الخوف في هذه الحقبة التي تبدو زلقة مجهولة المصير".
في حين يقول بدر حسن شافعي، الأكاديمي المصري المختص في الشأن الأفريقي، لـ"الخليج أونلاين": إن "التحركات القطرية تبُرز أهمية بعض الدول القريبة في شرق القارة والقرن الأفريقي، كالسودان وإثيوبيا، كما ينبع الثقل السياسي للقارة من كتلتها التصويتية البالغة 54 دولة، والتي تؤدي دوراً هاماً في المحافل الدولية".
وأضاف: "ولذا فإن توطيد العلاقات معها قد يساعد في تبني قرارات داعمة للدوحة على المستوى الدولي أو حتى الأفريقي، وربما رفض الاتحاد تبني الموقف السعودي الإماراتي في حصار قطر العام الماضي خير دليل على ذلك"، لافتاً في هذا السياق إلى "زيارة أمير قطر، في ديسمبر 2017، لست دول في غرب أفريقيا هي أعضاء في منظمة الإيكواس".
قطر.. وسيط سلام
وتعد جهود الوساطة في النزاعات من ملامح الدبلوماسية القطرية، في قارة تعتبر مرتعاً للنزاعات، ويطرح الانخراط القطري النشط تساؤلات حول احتمالات دخول الدوحة كوسيط في نزاعات القارة المتعددة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن دولة قطر كانت قد تولت، على مدى عامين، التوسط بين الحكومة السودانية ومجموعات التمرد في إقليم دارفور غربي السودان، والذي شهد نزاعاً مسلحاً منذ مارس 2003، حيث أسفرت الوساطة القطرية عن التوصل لـ"وثيقة الدوحة لسلام دارفور" في يوليو 2011، والتي اعتبرت أساساً لحل شامل للنزاع في الإقليم، كما رعت الدوحة لاحقاً مؤتمراً للمانحين لإعمار دارفور في أبريل 2013.
كما توسطت قطر أيضاً بين جيبوتي وإريتريا في نزاعهما الحدودي حول مثلث (رأس ديميرا)، في مارس2011، قبل أن تسحب قطر جنودها الذين كانوا يتولون مراقبة إنفاذ الاتفاق، في يونيو 2017، على خلفية اصطفاف جيبوتي إلى جانب دول الحصار، وهو ما يهدد باندلاع هذا النزاع مجدداً في أي لحظة بحسب المتابعين للأوضاع في المنطقة.
ويري شافعي أن "قطر تتبنى دبلوماسية هادئة ومرنة وناعمة في القارة، عبر السعي للقيام بدور الوساطة في العديد من الصراعات التي تموج بها القارة، وأبرزها سلام دارفور، وكذلك السعي لتسوية الخلاف الحدودي بين جيبوتي وإريتريا حول جزيرة الدميرة".
من جهته يقول هارون، الدبلوماسي السوداني المتقاعد، والذي عمل سفيراً لبلاده في واشنطن، لـ"الخليج أونلاين": إن "على قطر المراهنة على البعد الشعبي في السودان وعبره إلى تشاد، بجانب السعي لدخول دبلوماسي في مسعى تحقيق السلام والمصالحة في "أفريقيا الوسطى" على نحو جهودها في إعادة الإعمار في دارفور".
ويشير إلى التجاذب بين قوى غربية من جهة والسودان وروسيا من جهة أخرى، إزاء الوساطة التي أعلنتها الخرطوم وموسكو، في أغسطس الماضي، لإنهاء النزاع في جمهورية أفريقيا الوسطى، الأمر الذي قوبل بتحفظ فرنسي.
العون الإنمائي
وبحسب المراقبين، فإن من دوافع التحركات الدبلوماسية القطرية في القارة السمراء البحث عن فرص استثمارية أيضاً، ومن هنا يقوم "صندوق قطر للاستثمار" بدور هام، وبحسب تقارير رسمية، فقد أنفق ما يقارب 30 مليار دولار عام 2012 في مشروعات أفريقية وشراكات متعددة.
وبهذا الخصوص، يقول "شافعي" خبير الشؤون الأفريقية: "تنبع أهمية قطر لأفريقيا من اعتبارات اقتصادية وجيوسياسية وأمنية. فهي قارة زاخرة بالموارد الطبيعية، فضلاً عن الأراضي الزراعية التي يمكن استزراعها بشراكة قطرية أفريقية لسد الفجوة الغذائية التي تواجهها دول الخليج بصفة عامة بسبب طبيعة المناخ".
القرن الأفريقي والأزمة الخليجية
وجدت قطر نفسها في مواجهة مخطط لحصارها ليس في نطاقها الإقليمي العربي، وإنما في أقاليم العالم الأخرى، ففي القرن الأفريقي سعت دول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) إلى دفع عدد من دول المنطقة إلى الانخراط في الحصار.
كما أعلنت دول أفريقية، كالسنغال وتشاد وجيبوتي، خفض تمثيلها أو استدعاء ممثليها لدي قطر، قبل أن تتراجع بعضها عن ذلك لاحقاً تباعاً.
وعلى خلفية سعي دول الحصار لإحكام الطوق على قطر، من خلال سد المنافذ البحرية والجوية أمامها، قادت كل من الإمارات والسعودية تحركات مناوئة للدوحة في القرن الأفريقي، ويري المحلل الخضر هارون، الأكاديمي بجامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم، أن "الإمارات والسعودية تعملان في إطار تحالف يشمل أمريكا وإسرائيل بدعوى محاصرة النفوذ الإيراني البحري في أهم ممر مائي لنقل النفط في العالم، وربما تحجيم الإسلام السياسي ومنع تكرار الربيع العربي، وربما ذلك ما حفز الدولتين الخليجيتين للتنسيق".
ويضع السفير السوداني الأسبق الأزمة في سياق صراع القوى الكبرى، حيث يقول:"بالنسبة لأمريكا فتهدف لمحاصرة التمدد الصيني عبر طموح الصين لتجديد وتوسيع محيط طريق الحرير التاريخي الذي سيشمل البحر الأحمر مروراً بالسودان وحتى سواحل مصر".
ويستدرك هارون بالقول: "لا أدري إن كانت الدولتان تدركان المآلات البعيدة لهذا التنسيق في المنطقة"، ويشير إلى أن وجود "قطر تأثر في إريتريا والقرن الأفريقي في إطار تحركات مريبة للتنسيق أعلاه".
وعن مستقبل الدبلوماسية القطرية في أفريقيا، يري هارون أن "تجذر الديمقراطية في كثير من دول أفريقيا يجعل قطر أقرب للمزاج السائد حالياً، مقارنة بالدولتين المذكورتين (السعودية والإمارات) خاصة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي".
وتابع: "على قطر ألَّا تعمل منفردة فهي بحاجة لنوع من التنسيق مع تركيا على الأقل في عمل ثقافي وحضاري مشترك".
إلى ذلك، يعدد شافعي المختص في الشؤون الافريقية أهمية تحركات قطر من خلال أقاليم القارة المختلفة والتي يصنفها لأهميتها كدوائر، حيث يقول: "تعد دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي ذات الأولوية الأولى في الاهتمام القطري لقربها الجغرافي وأهميتها الجيوستراتيجية، ومواردها الاقتصادية، تليها دائرتا الغرب والجنوب".