علاقات » دول أخرى

الاستراتيجية السعودية للتأثير في باكستان

في 2018/12/25

لوب لوج- ترجمة شادي خليفة -

أدت نتائج انتخابات أغسطس/آب 2018 في باكستان، والتي أسفرت عن فوز حزب "تحريك إنصاف"، بزعامة "عمران خان"، وفشل حزب "الرابطة الإسلامية" الباكستانية، بقيادة "نواز شريف"، المرتبط بعلاقات تقليدية بالأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، إلى مخاوف عميقة بين المسؤولين السعوديين.

وفي نظر السعوديين، كان فوز "عمران خان" في الانتخابات انتصارا لطهران وخسارة للرياض.

على سبيل المثال، بعد فوز "خان" الانتخابي، قام الأمير السعودي "خالد بن عبد الله آل سعود" بالتغريد بأن "عمران خان" عميل لإيران.

وعلى الرغم من أن الرياض أصيبت بخيبة أمل نتيجة الانتخابات العامة الباكستانية، إلا أن المسؤولين السعوديين اعتمدوا منذ ذلك الحين سياسة الإغراء لجذب "عمران خان"، حيث كانوا يعملون على تعزيز نفوذهم داخل الحكومة الباكستانية الجديدة.

وهذا هو السبب في أن السفير السعودي في باكستان كان أول مبعوث أجنبي يلتقي مع "خان" في مقر إقامته في ضواحي "إسلام آباد" بعد إعلان نتائج الانتخابات.

وبعد ذلك، قام "عواد العواد"، وزير الإعلام في المملكة العربية السعودية، بزيارة إلى باكستان، واجتمع مع كبار المسؤولين في البلاد، مثل رئيس الوزراء، ورئيس الجمهورية، ووزير الخارجية. كما أجرى ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" 3 مكالمات هاتفية مع "عمران خان" في أقل من شهر، ودعاه لزيارة الرياض.

وفي البداية، أعلنت حكومة باكستان الجديدة أن رئيس الوزراء لن يقوم برحلات أجنبية إلى أي دولة في الأشهر الـ 3 الأولى بعد تعيينه كما أعلنت أن إيران ستكون الوجهة الأولى في الرحلة الخارجية الأولى لـ "خان"، وبعدها سيزور السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ومع ذلك، قبل نهاية فترة الـ 3 أشهر، وبعد شهر تقريبا من أداء اليمين الدستورية كرئيس للوزراء، قام "خان" بزيارة مفاجئة للسعودية في 18 سبتمبر/أيلول، إلى جانب وزير خارجيته، بالإضافة إلى وزير الشؤون الاقتصادية والمالية.

مشاكل باكستان

وكان "عمران خان" قد اكتسح الانتخابات بفضل وعوده بالقضاء على الفساد والحد من الفقر في باكستان.

ومع ذلك، يواجه رئيس الوزراء الجديد وحكومته العديد من التحديات، بما في ذلك التطرف السياسي والديني، ونقص المياه، والنمو السريع للسكان. إلا أن الأزمة الأكثر إلحاحا التي تواجه الحكومة الباكستانية هي دفع الديون الخارجية وحل المشاكل الاقتصادية للبلاد.

ويعتقد الخبراء الاقتصاديون أنه من أجل التغلب على بعض هذه المشاكل، ليس أمام باكستان خيار سوى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي. ومنذ أواخر الثمانينات، تلقت باكستان قروض ا من صندوق النقد الدولي في 12 مناسبة. غير أن "أسد عمر"، وزير المالية الباكستاني، أعلن أن الحكومة تبحث عن طرق مالية بديلة، بما في ذلك المساعدات من الصين والسعودية. ولعل هذا هو السبب في أن أول رحلة خارجية لـ "عمران خان" كانت إلى السعودية. ونتيجة لهذه الرحلة، وافقت إسلام آباد والرياض على التعاون في صفقة شاملة بقيمة 10 مليارات دولار.

وبالنظر إلى معدل البطالة المرتفع في باكستان، والذي يصل إلى 13%، يعرف "خان" أهمية المليوني باكستاني الذين يعملون حاليا في المملكة، والذين يرسلون إلى بلدانهم ما مجموعه نحو 4 مليارات دولار سنويا.

ويعمل هؤلاء العمال الباكستانيون في قطاعات صناعية مختلفة في المملكة، بما في ذلك مصافي النفط، وقطاع التنمية، وإدارة الفنادق، وقطاع الخدمات. ومن ناحية، سيكون لزيادة الاستثمار السعودي في باكستان تأثيرا إيجابيا على خفض معدل البطالة. ومن ناحية أخرى، قد يدفع أي توتر في العلاقات الثنائية المسؤولين السعوديين إلى طرد العمال الباكستانيين.

وكانت المملكة خيار باكستان الوحيد فيما يتعلق بالبحث عن الموارد المالية. ومن خلال الحصول على نفط رخيص الثمن من المملكة، يمكن لباكستان تلبية جزء من احتياجاتها من الطاقة. ويمكن للرياض أيضا أن تساعد إسلام أباد في الحصول على قرض من البنك الإسلامي للتنمية.

في المقابل، يسعى السعوديون لتحقيق أهدافهم الخاصة عن طريق منح مساعدات مالية لباكستان.

وتستخدم المملكة مجموعة كبيرة من الأدوات، مثل الإغراء، والتهديد، والضغط الاقتصادي، والعقوبات، وأخيرا العدوان العسكري، للتسلل إلى الأنظمة السياسية في البلدان الأخرى.

وتعتبر الاستفادة من عائدات النفط الضخمة هي الأداة الأولى التي تستخدمها المملكة عادة للحصول على نفوذ سياسي خارج حدودها.

والأداة الثانية هي السيطرة السعودية على البنك الإسلامي للتنمية. ومن أجل التعامل مع أزمة الديون الخارجية، وضعت باكستان نصب أعينها الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من البنك الإسلامي للتنمية، بدعم من المملكة العربية السعودية.

وقد ساعدت السعودية بالفعل الاقتصاد الباكستاني عبر منح القروض للبلاد.

وعلى سبيل المثال، بعد أن منح صندوق النقد الدولي قرضا إلى باكستان عام 2014، قامت المملكة أيضا بإقراض إسلام أباد 1.5 مليار دولار لتعزيز قيمة العملة الباكستانية.

وتعتبر الحكومة الباكستانية الجديدة العلاقات مع المملكة بمثابة المفتاح لحل أزمتها المالية، والتغلب على بعض التحديات الاقتصادية المتزايدة خاصة مع حاجة إلى مساعدة مالية فورية.

وفي مقابلة مع "تركي الدخيل"، المدير العام لقناة العربية، قال "عمران خان": "رسالتنا هي أننا نقف إلى جانب الأمة السعودية، لأنه في أي وقت كنا بحاجة إلى مساعدة، وقفت السعودية معنا. ولذلك، فإننا سنقف دائما مع المملكة".

وأضاف: "لدى باكستان فرص جيدة للتقدم والتنمية، بما في ذلك القوى العاملة الشابة الكبيرة بين سكانها، وتنوع الموارد التي تديرها الدولة، وعندما يتحسن نظام الحكم في البلاد، ستتحسن كذلك الاستثمارات في باكستان، وسوف نشهد نهضة اقتصادية جديدة في البلاد".

وأعلن "فؤاد حسين شودري"، وزير الإعلام والبث الإذاعي الباكستاني، بعد زيارة "خان" إلى السعودية، أن الرياض دخلت مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني كشريك مستثمر جديد، باستثمار يصل إلى 10 مليارات دولار. وبعد دعوة السعودية للمشاركة في مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، سافر وفد من الرياض إلى إسلام أباد معلنا قرار السعودية بناء أكبر مصفاة نفط في باكستان في ميناء "جوادر".

وقال المدير العام لميناء جوادر في باكستان، "دوستان خان": "ستلبي هذه المصفاة حاجة باكستان للنفط". وتخطط المملكة أيضا للاستثمار في مناجم الذهب والنحاس في إقليم "بلوشستان" في باكستان.

ما بعد خاشقجي

لكن المساعدات التي تم الإعلان عنها خلال زيارة "خان" للرياض لم يتم تقديمها هعلى الفور.

ولم تكن الرياض مستعدة لتقديم الدعم الكامل لحزب "تحريك إتصاف" الحاكم، جزئيا بسبب الإحباط الناجم عن رفض الحزب دعم حرب السعودية في اليمن.

لكن الوضع تغير بعد مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".

وقد واجهت الرياض أزمة تاريخية، واحتاجت إلى تعاون بعض الدول الموثوقة والقوية.

وقاطعت العديد من البلدان مؤتمر الاستثمار الدولي في المملكة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول.

لكن باكستان لم تكن من تلك الدول المقاطعة، وقد حضر "عمران خان" نفسه المؤتمر.

ورغم أن العديد من الشخصيات ومنظمات حقوق الإنسان قد انتقدت خطوة باكستان، فلم يكن أمام باكستان من خيار سوى التعامل مع الرياض لمواجهة أزمتها الاقتصادية.

وبعد زيارة "خان" الثانية، وافقت السعودية على منحة بقيمة 3 مليارات دولار لباكستان، بالإضافة إلى قرض بقيمة 3 مليارات دولار لشراء النفط.

وقد تطلب المملكة من باكستان، في مقابل المساعدات المالية، دعم الأنشطة العسكرية السعودية، وقد تطلب من إسلام آباد أن تقف وراء الملك "سلمان" وولي العهد "محمد بن سلمان" في أعقاب مقتل "خاشقجي"، والمساعدة في التوسط مع تركيا.

وقد يطلب من باكستان إرسال وحدات عسكرية إلى داخل السعودية للحماية من أي تهديدات أجنبية محتملة.

وينظر الباكستانيون للمملكة نظرة قاتمة في هذه الأيام، لذلك، من المحتمل أن يكون لقرار "خان" الحصول على مساعدات مالية سعودية في ظل الظروف الحالية تأثير سلبي على مصداقية الحكومة الباكستانية الجديدة.