جيمس دورسي - أوراسيا ريفيو-
لم يكن الهجوم الذي وقع هذا الأسبوع ضد الحرس الثوري الإيراني في إقليم "سيستان وبلوشستان"، جنوب شرقي إيران، وهو الثاني خلال شهرين، ليأتي في لحظة أكثر حرجا لرئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان".
وقد أدى الهجوم على حافلة تقل حراسا من الدوريات على حدود المقاطعة مع إقليم "بلوشستان الباكستاني" المضطرب إلى مقتل 27 عسكريا إيرانيا وإصابة 13 آخرين.
وقد حدث ذلك قبل أيام من موعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" لباكستان، كجزء من جولة في البلدان الآسيوية.
عزل إيران
وبينما من المقرر أن تحتل "بلوشستان" مكانة بارزة في محادثات الأمير "محمد" مع "خان"، تزامن الهجوم أيضا مع مؤتمر برعاية الولايات المتحدة في وارسو، يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه محاولة من إدارة "ترامب" لزيادة عزل إيران اقتصاديا ودبلوماسيا.
وفي داخل المؤتمر، الذي تم إطلاق عليه اسم "المؤتمر الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط"، أصر وزير الخارجية "مايك بومبيو" على أن السياسة الأمريكية تهدف إلى إجبار إيران على تغيير سياساتها الإقليمية والدفاعية، وليس تغيير النظام في طهران.
ومع ذلك، بدا أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يرسل رسائل مختلطة إلى الإيرانيين، فضلا عن الحكومات الأوروبية المتشككة، عبر محاميه الشخصي "رودي جولياني"، الذي وجه خطابا مشجعا إلى مسيرة خارج المؤتمر نظمها "مجاهدو خلق"، وهي حركة إيرانية مثيرة للجدل، ويُعتقد أن المجموعة تتمتع بدعم السعودية.
وقد أيد "جولياني" المتظاهرين، الذين كانوا يلوحون بالأعلام الإيرانية والبالونات الصفراء العملاقة المكتوب عليها بالكلمات، "نعم لتغيير النظام".
وقد أكد "ترامب" الشكوك في أن "جولياني" يمثل مشاعره الحقيقية، بعد التغريد عشية مؤتمر "وارسو" في إشارة إلى الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية: "40 عاما من الفساد.. 40 عاما من القمع.. 40 عاما من الإرهاب... يستحق الشعب الإيراني الذي عانى طويلا مستقبلا أكثر إشراقا".
وفي بيان، ألقى الحرس الثوري باللوم في الهجوم على "مرتزقة وكالات استخبارات الغطرسة والهيمنة في العالم"، في إشارة إلى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة و(إسرائيل).
وأعلنت جماعة "جيش العدل"، وهي جماعة معارضة تتخذ من باكستان مقرا لها، تعود جذورها إلى جماعات مناهضة للشيعة تدعمها السعودية ولها تاريخ في الهجمات على أهداف إيرانية وشيعية، مسؤوليتها عن الهجوم.
وتقول الجماعة إنها لا تسعى إلى الانفصال البلوشي عن إيران. وبدلا من ذلك، فإنها تريد "إجبار نظام الوصاية الإيراني على احترام مطالب المسلمين البلوش والمجتمع السني، جنبا إلى جنب مع المواطنين الآخرين في البلاد".
واستهدف مسلحون مقر قيادة للحرس الثوري في ديسمبر/كانون الأول، بتفجير انتحاري نادر في "تشابهار"، مقر الميناء الإيراني المدعوم من الهند على بحر العرب، على بعد 70 كيلومترا من ميناء "جوادر" المدعوم من الصين، جوهرة تاج الجزء الباكستاني من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
وأثارت الهجمات، إلى جانب المؤشرات التي تفيد بأن السعودية والولايات المتحدة ربما تفكران في اتخاذ إجراء سري ضد إيران باستخدام بلوشستان الباكستانية كمنصة انطلاق، وزيادة الاهتمام الاقتصادي والتجاري السعودي بالمقاطعة، الشكوك حول محادثات "بن سلمان" في إسلام أباد.
بين جوادر وتشابهار
وخلال زيارته، وقع "بن سلمان" مذكرات تفاهم بمليارات الدولارات من الاستثمارات السعودية.
وتتضمن المذكرة خطة من شركة النفط الوطنية السعودية "أرامكو" لبناء مصفاة في "جوادر"، بالإضافة إلى استثمار سعودي في منجم النحاس والذهب "ريكو ديك" في بلوشستان.
ومن شأن الاستثمارات أن تعزز النفوذ السعودي في باكستان، بالإضافة إلى تحقيق موطئ قدم للمملكة في بلوشستان.
وقد تضمنت المساعدات السعودية إيداعا بقيمة 3 مليارات دولار في البنك المركزي الباكستاني، لدعم ميزان المدفوعات في البلاد، و3 مليارات دولار أخرى في صورة مدفوعات مؤجلة مقابل واردات النفط.
وسوف يساعد المنجم والمصفاة السعودية أيضا في الجهود المحتملة لمنع "تشابهار" من الظهور كمركز لبحر العرب.
وتدفقت الأموال السعودية لبعض الوقت إلى خزائن المدارس الدينية السنية المناهضة للشيعة والفاعليات الدينية في بلوشستان.
وتساعد هذه الأنشطة في وضع لبنات بناء محتملة لاتخاذ إجراء سري ممكن إذا قررت المملكة مع الولايات المتحدة العمل على مقترحات لدعم النشاط العنيف.
وقد بدأ التدفق في الوقت الذي نشر فيه المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، الذي يتخذ من الرياض مقرا له، والمعروف سابقا بمركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، وهو مركز أبحاث مدعوم من الحكومة السعودية، دراسة أشارت إلى أن ميناء "تشابهار" يشكل "تهديدا مباشرا" لدول الخليج العربية، ودعت إلى اتخاذ "تدابير مضادة فورية".
وإذا تم تنفيذ مثل هذا الإجراء السري المتصور، فقد يهدد الآمال الهندية في استخدام "تشابهار" لتجاوز باكستان، وتعزيز تجارتها مع أفغانستان ودول آسيا الوسطى إلى حد كبير.
ويتوقع المحللون الباكستانيون تدفق ما يقدر بنحو 5 مليارات دولار من التجارة الأفغانية عبر "تشابهار"، بعد أن بدأت الهند في ديسمبر/كانون الثاني التعامل مع عمليات الميناء.
وتترسخ المخاوف الإيرانية من أن الهجمات الأخيرة تمثل جهدا أميركيا سعوديا ليس فقط بسبب السياسات الأمريكية والسعودية الأخيرة، بما في ذلك انسحاب "ترامب" العام الماضي من الاتفاق النووي لعام 2015، ولكن أيضا ببسب قيام الولايات المتحدة بإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية ضد الجمهورية الإسلامية.
ويعد العداء بين واشنطن وطهران متجذرا وهو يعود إلى دعم الولايات المتحدة والسعودية للعراق في حرب الخليج في الثمانينيات، والدعم الأمريكي المفاجئ العام الماضي للمتمردين الأكراد الإيرانيين، والدعم الواسع من المسؤولين الأمريكيين السابقين والعاملين لـ "مجاهدي خلق"، الذين يحظون أيضا بدعم معلن من الأمير "تركي الفيصل"، الرئيس السابق للمخابرات السعودية، والسفير السابق لدى الولايات المتحدة وبريطانيا.