ستراتفور- ترجمة شادي خليفة -
أدى هجوم في 14 فبراير/شباط على قافلة شبه عسكرية هندية، في كشمير، من قبل جماعة متشددة مقرها باكستان، إلى غارات جوية هندية انتقامية وسقوط طيار هندي أسيرا، ما يثير أخطر نزاع عسكري في جنوب آسيا منذ أكثر من عقد.
وبعد أن خفت التوترات بين الهند وباكستان، امتدح المسؤولون الأمريكيون والباكستانيون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لدورهما في تخفيف الأزمة بين الخصمين النوويين في جنوب آسيا.
وقد تمتع ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد آل نهيان" بالكثير من المكاسب عبر الاستخدام الفائق للقوة الدبلوماسية، سواء ساعد ذلك على تجنب نشوب صراع عسكري كارثي في الفناء الخلفي للخليج، أو اكتساب المصداقية الدولية من خلال إظهار حنكة الإدارة.
ومع ذلك، لا يزال النفوذ الرئيسي للخليج العربي في جنوب آسيا اقتصاديا بشكل أساسي، وتوجد 3 مجالات للمشاركة الأقاليمية، وهي ديناميات العمل، والتعاون في مجال الطاقة، والاستثمارات الاستراتيجية، التي هي ضرورية لفهم كيفية ممارسة دول الخليج العربية للقوة الاقتصادية في جنوب آسيا خلال الأعوام المقبلة.
ديناميات العمل
وتعد الهجرة المرتبطة بالعمل من دول جنوب آسيا إلى دول الخليج العربية أكثر عمليات المشاركة الأقاليمية وضوحا وطويلة الأمد.
وقد مثل مواطنو جنوب آسيا 59.4% من سكان الإمارات في عام 2015؛ حيث مثل الهنود الجزء الأكبر من هذه المجموعة السكانية، بنسبة 38.2% من المجموع.
ونادرا ما تكشف الأرقام الرسمية للسكان في السعودية عن جنسية المغتربين، ومع ذلك، يحتل الهنود والباكستانيون والبنغلاديش المرتبة الثالثة في قائمة التجمعات السكانية الوافدة في المملكة، ويشكل سكان جنوب آسيا ما بين 14.6 و24.5% من إجمالي سكان السعودية، وهو ما يعادل 3 أضعاف عدد سكان الإمارات تقريبا.
ويشكل تحقيق التوازن بين المزايا التجارية للهجرة وبين الاهتمامات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين في الخليج تحديا مستمرا لدول الخليج العربية.
وقد اعتمدت جهود الحكومة لتوليد فرص العمل للمواطنين بشكل متزايد على السياسات التي تقلل من عدد المقيمين الأجانب في البلاد.
على سبيل المثال، أدت حملة أطلقتها وزارة الداخلية السعودية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إلى اعتقال 1.3 مليون من الأجانب وترحيل عدة آلاف من الأجانب المقيمين في المملكة، وكان لهذه السياسات القدرة على التأثير بعمق على اقتصادات جنوب آسيا التي تعتمد بشدة على التحويلات المالية.
وفي عام 2018، تدفق نحو 80 مليار دولار من التحويلات المالية إلى الهند، 38.5% منها مصدرها الإمارات والسعودية، علاوة على ذلك، فإن أكبر مصادر التحويلات إلى باكستان بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هي من السعودية والإمارات.
وتحرص الحكومات على منع التوترات الأخيرة في جنوب آسيا من الانتقال إلى العلاقات بين الهنود والباكستانيين في القوى العاملة في الخليج، ويتم التعامل مع الاضطرابات المرتبطة بالعمل بين المغتربين على محمل الجد؛ حيث تميل الحكومات الخليجية العربية إلى حظر الاحتجاجات والإضرابات.
وخلال التوترات السابقة في جنوب آسيا، حذر أرباب العمل في الخليج العمال المغتربين من أن أي فرد سوف يشارك في احتجاجات ذات توجه سياسي سيتم ترحيله فورا.
وتركز الاحتجاجات التي يقودها المغتربون في الخليج اليوم، رغم ندرتها، بشكل أساسي على الأجور وظروف العمل، وعادة ما تتفرق بسرعة.
التعاون في مجال الطاقة
وتنظر دول الخليج العربية أيضا إلى دول جنوب آسيا كوسيلة لتعميق التعاون في مجال الطاقة بما يتجاوز تصدير النفط الخام إلى المنطقة.
وتوفر دول الخليج العربية نحو 42% من واردات الهند من النفط، وتعد السعودية أكبر شريك تجاري للهند بالنسبة للنفط الخام.
ويضع هذا المستوى من التعاون التجاري كلا من الإمارات والسعودية في موقف قوي لتزويد الهند بتصدير إضافي من النفط الخام إذا لم تجدد الولايات المتحدة الإعفاءات من العقوبات التي تسمح للهند باستيراد النفط الخام الإيراني.
ومع ذلك، يعتبر الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي الوطنية للنفط، "سلطان أحمد الجابر"، أن الهند تعتبر ميدانا واعدا "لتوسيع محفظة الاستثمارات في قطاعات التكرير والتسويق، خاصة في تكرير النفط والبتروكيماويات".
وتعد "أدنوك" و"أرامكو السعودية" الشريكين الاستراتيجيين الرئيسيين في مصفاة تكرير ضخمة بقيمة 44 مليار دولار في ولاية "ماهاراشترا"، وهي ولاية في غرب وسط الهند عاصمتها "مومباي".
ويدور اهتمام السعودية في مجال الطاقة في باكستان حول خطط لتطوير مصفاة بتروكيماويات بقيمة 10 مليارات دولار في ميناء "جوادر"، وهو ميناء مياه عميقة في جنوب غرب البلاد.
ويقدر المسؤولون أن المشروع سيوفر ما يقرب من 3 مليارات دولار من واردات النفط الخام المخفضة كل عام.
وتفكر أبوظبي في إقامة منشآت لتخزين النفط في ميناء "جوادر" كجزء من استثمار بقيمة مليار دولار من قبل شركة الاستثمارات الحكومية "مبادلة".
علاوة على ذلك، يدرس قسم البترول والبتروكيماويات في "مبادلة" استثمارا بقيمة 6 مليارات دولار يتعلق بمصفاة "باك العربية" المخطط لها في مدينة "هوب" بالقرب من "كراتشي"، ومن المتوقع صدور قرار نهائي حول هذا الاستثمار بحلول نهاية عام 2019.
الاستثمارات الاستراتيجية
وتعتمد تدفقات العمالة والسلع ورأس المال بين المنطقتين على البنية التحتية اللازمة للوصول بين المنطقتين، وهو مجال مهم آخر للاستثمار السعودي والإماراتي في جنوب آسيا.
وتستكشف السعودية فرص الاستثمار المرتبطة بالصندوق الوطني للاستثمار والبنية التحتية في الهند، وهو صندوق استثمار تديره الدولة، مكلف ببناء الموانئ والطرق السريعة.
وقد خصص صندوق الثروة السيادية في أبوظبي بالفعل مليار دولار للصندوق الهندي في عام 2017، كأول مستثمر مؤسسي هناك، وفي فبراير/شباط، أطلقت موانئ دبي العالمية في دبي مشروعا متشعبا في الهند بهدف إحداث ثورة في حركة الأفراد والبضائع في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة.
ويتشكل اهتمام المستثمرين السعوديين والإماراتيين في قطاع البنية التحتية في باكستان بشكل أساسي عبر "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني"، وهو عبارة عن مجموعة من مشاريع البنية التحتية بقيمة 60 مليار دولار، تمتد من الحدود الصينية إلى ميناء "جوادر".
وينظر المسؤولون الباكستانيون، الذين يشرفون على الممر، إلى دول الخليج العربية كـ"طرف ثالث" شريك في المشروع، خاصة في مشاريع البنية التحتية التي تمتلك مكونات صناعية وتتعلق بالطاقة.
ونظرا لتصنيف مشاريع الموانئ والمنطقة الاقتصادية الخاصة كأولوية عالية للممر، ستكون شركات مثل "موانئ دبي العالمية" في وضع جيد للفوز بالعقود التجارية المرتبطة بتلك المشاريع.
وفي الواقع، يشير الاستقبال الإيجابي لتعهدات ولي العهد السعودي الاستثمارية بقيمة 20 مليار دولار لباكستان، و100 مليار دولار للهند، خلال جولته في جنوب آسيا في فبراير/شباط، إلى أن المحفظة الاقتصادية السعودية والخليجية ما زالت قوية في المنطقة.
وقد ناقش المسؤولون الإماراتيون بالمثل استثمارات واسعة النطاق في الهند وصلت إلى 75 مليار دولار على مدى الأعوام المقبلة، وتأمل بنغلاديش حتى في الحصول على 35 مليار دولار من الاستثمارات السعودية.
وتظهر المساعدات الاقتصادية المقدمة من السعودية والإمارات إلى باكستان أن دول الخليج العربية يمكنها تقديم دعم مالي ملموس بدلا من الاتفاقات والتعهدات الاستثمارية الضبابية.
وقد قدمت السعودية حزمة مساعدات مالية لباكستان، تتكون من وديعة مباشرة بقيمة 3 مليارات دولار، وتسهيلات مدفوعة مؤجلة لمدة عام تصل إلى 3 مليارات دولار من واردات النفط، وقدمت الإمارات حزمة دعم مالي مماثلة.
ويتناقض هذا الالتزام المالي المتزايد تجاه جنوب آسيا، حتى لو كان يحتوي على شروط مالية تفيد المانحين في النهاية، مع سياسات الولايات المتحدة؛ حيث تخطط إدارة الرئيس "دونالد ترامب" لإنهاء اتفاقية التجارة الخاصة بين الولايات المتحدة والهند.
لكن يبدو أن السعودية والإمارات على استعداد متزايد للعب دور أكبر في جنوب آسيا.
ومع ذلك، لا يرغب السعوديون والإماراتيون في رؤية استثماراتهم تبدد في حالة تصاعد حدة النزاعات الإقليمية، لذا فإن الرغبة القوية في تحقيق عوائد مالية وسياسية من هذه الاستثمارات يحفز هذه الدول على الاستفادة من المزايا الاقتصادية النسبية من أجل توسيع نطاق نفوذها في جنوب آسيا.