الخليج أونلاين-
تجري حالياً مفاوضات سرية للغاية بين أبوظبي ونيامي بشأن اقتراح لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية شمالي النيجر، وهو ما يمثل تغولاً جديداً لأبوظبي في قلب أفريقيا.
وكشفت صحيفة "لوبوان" الفرنسية، أواخر مايو المنصرم، عن عقد لقاءات عدة لمناقشة العرض الإماراتي، مؤكدة أن الهدف الجيوستراتيجي للإمارات من ذلك هو السعي من أجل التأثير في إطار المنافسة الاستراتيجية حول مناطق النفوذ بين دول الخليج.
موقع "موندافريك" الفرنسي المتخصص في الشأن الأفريقي، قال إن المفاوضات وصلت إلى مراحلها الأخيرة منتصف يونيو الجاري، مشيراً إلى رفض رئيس النيجر محمد يوسفو للعرض الإماراتي في البداية، قبل أن يتعرض لضغوط دبلوماسية.
ودار الحديث في أعقاب الرفض عن مصطلح "دبلوماسية دفتر الشيكات" التي تتقنها الإمارات جيداً، في إشارة إلى استغلال الأوضاع الاقتصادية السيئة لبعض الدول الأفريقية مقابل الأموال.
وفي حين يتظاهر الطلبة في عاصمة النيجر احتجاجاً على وجود قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية وألمانية على أراضي بلدهم، يواصل يوسفو التفاوض وحده سراً حول مزيد من القواعد الأجنبية، بعيداً عن البرلمان ومؤسسات الدولة.
وبدأ انتشار القواعد الأجنبية في النيجر خلال سنوات حكم يوسفو (منذ 2011 وحتى الآن)، حيث تمتلك فرنسا قاعدة جوية في مطار العاصمة نيامي، تنطلق منها طائرات مقاتلة وأخرى من دون طيار في إطار عملية "برخان" لمكافحة الإرهاب في دول الساحل الأفريقي.
كما تحظى القوات الفرنسية بقاعدة أخرى في"ماداما" شمالي النيجر، في حين سمحت النيجر للولايات المتحدة الأمريكية ببناء قاعدة عسكرية للطائرات من دون طيار في أغاديز شمالاً، بتكلفة بناء تفوق 100 مليون دولار.
وهذه القاعدة تمنح الجيش الأمريكي مراقبة متقدمة بالغة الأهمية، خاصة بعد أن سمحت النيجر مؤخراً للأمريكيين بتسليح طائرات "درونز" (مسيرة من دون طيار)، كما تحظى ألمانيا بقاعدة لوجستية في نيامي لدعم جنودها في دولة مالي المجاورة.
لكن وجود هذه القواعد على أراضي النيجر لم يمنع استهدافها من قبل الجماعات الإرهابية، خاصة من طرف تنظيم الدولة "ولاية الصحراء" وتنظيم "بوكو حرام" غربي البلاد.
وآخر هذه العمليات حدثت في منتصف شهر مايو الماضي، حيث استهدف تنظيم الدولة دورية لجيش النيجر بكمين محكم أدى إلى مقتل 28 جندياً، وهو ما خلف غضباً شعبياً ضد لا مبالاة القواعد الأجنبية أمام تلك الهجمات.
بدورها نقلت مجلة "جون أفريك" عن رئيس اتحاد نقابات الطلبة استغرابه من دور هذه القواعد الأجنبية التي لا تتدخل في حين تتلقى النيجر الهجمات المتتالية، مطالباً برحيلها.
وذكّرت المجلة بتصريح شهير أدلى به الرئيس يوسفو في 2014 حين برر وجود القواعد الأجنبية قائلاً: "بدون المعلومات الاستخبارية التي تمدنا بها دول مثل فرنسا نحن كالعميان".
وتتساءل المعارضة والصحافة في النيجر عن الخفايا الحقيقية وراء السماح بهذا العدد من القواعد والجنود الأجانب على أراضي النيجر، على غرار موقع "Nigerdiaspora شتات النيجر".
ونقل هذا الموقع الرأي الرائج لدى المعارضة والرأي العام من أن "السلطة أصبحت تتخذ من انعدام الأمن وانتشار الإرهاب تجارة للتكسب والربح".
هاجس الإمارات من ليبيا
وليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها الإمارات دعمها للحرب على الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، إذ تمكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الحصول في ديسمبر 2017 على تمويل بـ30 مليون يورو من الإمارات و100 مليون يورو من السعودية لشراء أسلحة فرنسية من أجل محاربة الجماعات الإرهابية في مالي.
و للإمارات وجود عسكري شرقي أفريقيا وبالتحديد في منطقة القرن الأفريقي، لكن سر اهتمام الإمارات بالحصول على قاعدة في النيجر ليس الدولة نفسها ولا ادعاء محاربة الإرهاب، بل هاجس الإمارات هو ليبيا.
إذ إن موقع النيجر جغرافياً على حدود ليبيا يجعل منها مركزاً مختلفاً، والحصول على قاعدة شمالي النيجر قرب الحدود الليبية سيجعلها أول قاعدة خليجية داخلية في قلب أفريقيا.
فالإمارات إضافة إلى السعودية ومصر هي أطراف متدخلة في الصراع الليبي، وتعلن صراحة دعمها للواء خليفة حفتر في حربه المتواصلة على حكومة الوفاق في طرابلس برئاسة فايز السراج والمعترف بها من الأمم المتحدة.
وسبق أن قصفت الطائرات المقاتلة الإماراتية مواقع في ليبيا دعماً لقوات حفتر، كما ساهمت مؤخراً طائرات من دون طيار تابعة لأبوظبي في قصف مواقع في طرابلس ضمن هجوم حفتر المتواصل على العاصمة الليبية منذ أبريل الماضي.
لذا فإن أهمية الحصول على قاعدة عسكرية إماراتية في شمالي النيجر تكمن في وضعها إقليم فزان الصحراوي جنوب غربي ليبيا في مرمى الطائرات الإماراتية، ممَّا يعني دعماً أكبر للواء حفتر في حربه المتواصلة من أجل السيطرة على ليبيا.
انعكاسات ذلك على دولة النيجر ستكون كبيرة، أقلها اعتبارها طرفاً في الحرب الأهلية الدائرة على أرض ليبيا، فهي بذلك توافق على تحويل نيامي إلى قاعدة خلفية للجيش الإماراتي في حرب من مصلحتها البقاء محايدة دون التورط فيها.
لذا فإن بعض المراقبين يتوقعون أن يقوم الرئيس يوسفو بإخفاء بنود أي اتفاق يتوصل إليه مع الإمارات عن الرأي العام وحتى البرلمان، كما حدث سابقاً مع الإيطاليين.
وكان يوسفو قد وقع اتفاقاً مع الحكومة الإيطالية في سبتمبر 2017 ظلت بنوده سرية إلى أن قضت محكمة إيطالية، في بداية هذه السنة، بإخراج بعض بنود الاتفاق للعلن، في حين بقيت أغلبها سرية.
ويقضي الاتفاق بحصول النيجر على نصف الدعم الإيطالي المخصص لأفريقيا، مقابل ترك بعثة عسكرية إيطالية تعمل من القاعدة الأمريكية في نيامي لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، باعتبار خط نيامي وأغاديز والحدود الليبية بوابة عبور لمئات آلاف المهاجرين الأفارقة باتجاه أوروبا.
المحير في الأمر أن سلطات النيجر كانت قد سلمت في 2014 الساعدي نجل معمر القذافي إلى الحكومة الانتقالية في طرابلس بعد لجوئه إلى النيجر، فكيف لها الآن أن توفر الدعم لمن يحارب حكومة طرابلس؟
ليس هذا فقط، فالتخبط في المواقف الدبلوماسية للرئيس يوسفو ليس بجديد وظهر خاصة في بداية الأزمة الخليجية، إذ اختار حينها الاصطفاف مع دول حصار قطر حين استدعى سفير بلاده من الدوحة خضوعاً للضغوطات السعودية الإماراتية.
وهذه الضغوطات وخطوة يوسفو عرضته لانتقادات كبيرة من المعارضة والصحافة، خاصة أنه كان قد زار في فبراير 2017 الدوحة، وسلم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وسام الاستحقاق الوطني أعلى وسام في جمهورية النيجر.