بيتر بيكر - نيويورك تايمز-
منذ أسبوع تقريبا، أقر تقرير من الأمم المتحدة بأن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" كان هو العقل المدبر وراء واحدة من أكثر جرائم القتل المروعة والمثيرة للجدل في الأعوام الأخيرة، وهي القتل الوحشي للصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" في السفارة السعودية في إسطنبول.
لكن "بن سلمان" كان يتجول على الساحة العالمية في اليومين الأخيرين في اليابان خلال قمة الدول العشرين، يتحدث مع الرؤساء ورؤساء الوزراء كما لو كان مجرد قائد آخر يتبادل الحديث حول الاقتصاد والطاقة.
وليس هناك من هو أكثر أهمية للجهود السعودية لإعادة تأهيل صورة حاكمها الفعلي بعد قتل وتقطيع "جمال خاشقجي" من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي كان يتجول مع ولي العهد أثناء جلسة تصوير للقمة يوم الجمعة، واستضافه لتناول وجبة إفطار شخصية صباح السبت، حيث أثنى على الأمير كمصلح يقود مجتمعه نحو الانفتاح.
وقال "ترامب" لولي العهد: "ما يحدث ثورة إيجابية للغاية. أود فقط أن أشكرك نيابة عن الكثير من الناس، وأود أن أهنئكم. لقد قمت بعمل رائع حقا". وأثنى "ترامب" على ولي العهد لمنحه النساء الحق في القيادة وعلى جهوده في محاربة الإرهاب.
وتجاهل "ترامب" أسئلة الصحفيين حول وفاة "خاشقجي"، ودور ولي العهد الواضح فيها، ولم يشر إلى حملة القمع التي شنتها الحكومة السعودية على المعارضة، بما في ذلك محاكمة الناشطات النسويات، والاعتقالات الأخيرة للمثقفين والصحفيين، بمن فيهم شخصين يحملان الجنسية الأمريكية. وبعد الإفطار، ذهب "ترامب" لحضور جلسة حول تمكين المرأة.
احتضان "بن سلمان"
وبعثت رغبة "ترامب" في احتضان "بن سلمان" رغم دوره في قتل "خاشقجي" بإشارة قوية إلى بقية العالم أن علاقة أمريكا بالمملكة العربية السعودية أهم من وفاة "خاشقجي"، وهو سعودي معارض كان يعيش منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة كمقيم قانوني، ويعمل كاتب عمود في "واشنطن بوست".
وبينما تحدث "ترامب" لفترة وجيزة مع "بن سلمان" على هامش اجتماع قمة آخر في "بوينس آيرس" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان هذا أول اجتماع رسمي بينهما منذ وفاة "خاشقجي". ولم يظهر الرئيس الأمريكي وفريقه أي تردد في جعل ولي العهد واحدا من اثنين فقط من قادة العالم المدعوين للانضمام إلى "ترامب" لتناول وجبة منفصلة أثناء إقامته في "أوساكا".
وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد خلصت منذ فترة طويلة إلى أن ولي العهد قد أمر بقتل "خاشقجي"، وخلص تقرير تابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي إلى أن تدمير الأدلة بعد الجريمة "لم يكن ليحدث لولا المخاوف حول دور ولي العهد"، ما يشير إلى تواطؤه.
وقبل يومين فقط من افتتاح اجتماع قمة مجموعة العشرين السنوي في أوساكا، دعت خبيرة من الأمم المتحدة معنية بعمليات القتل خارج نطاق القضاء إلى إجراء تحقيق دولي في وفاة "خاشقجي". وقد نفى المسؤولون السعوديون أن يكون ولي العهد قد تورط في القتل. وتبنى "ترامب" قصتهم على نحو فعال.
وقال "بروس ريدل"، وهو قائد سابق في "سي آي إيه": "يحتضن الرئيس أكثر الحكام طغيانا في التاريخ السعودي. لقد جعل العلاقة مع السعوديين قضية سياسية حزبية. وإذا فاز ديموقراطي عام 2020، فمن المحتمل أن نواجه أزمة وجودية في العلاقة مع السعودية بسبب قضيتي خاشقجي واليمن".
وقالت جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان والصحافة إن الإفطار الذي قام به "ترامب" مع "بن سلمان" سيشجع الأوتوقراطيين في جميع أنحاء العالم، ويوضح لهم أنهم يستطيعون قمع الصحفيين وحتى اغتيالهم دون عقاب أو مساءلة من جانب الولايات المتحدة.
الإفلات من العقاب
وقال "جويل سايمون"، المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين: "لقد تسببت جهود ترامب لتبرير مقتل خاشقجي وتثبيط أي تحقيق حوله في إفلات الجناة في واحدة من أخطر الجرائم في التاريخ الحديث".
لكن "ترامب" أوضح أنه في تقديره، فإن العلاقة بين البلدين أكثر أهمية من حادث واحد، حيث أخبر شبكة "إن بي سي نيوز"، الأسبوع الماضي، أنه لا يريد تعريض مبيعات الأسلحة المربحة للمملكة للخطر من خلال التحدث علنا عن وفاة "خاشقجي".
وقال بعض المتخصصين في السياسة الخارجية إن هذا التصريح يمثل حقيقة مروعة في العلاقات الدولية. وقالوا إن الرؤساء الأمريكيين ليس لديهم خيار سوى التعامل مع الشخصيات البغيضة في بعض الأحيان سعيا لتحقيق الأهداف الأكثر حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة. وقالوا إن السعودية كانت محورا لأمن الطاقة وللنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط لعقود.
وقال "مايكل دوران" الزميل البارز في معهد "هدسون": "من الأهمية بمكان أن يتشاور الرئيس عن كثب مع القائد الفعلي للمملكة. لقد كانت السعودية أهم حليف عربي للولايات المتحدة، وهي شريك لا غنى عنه في الجهود الرامية إلى احتواء إيران".
حسنا، لم يكن "بن سلمان" الاستبدادي الوحيد في المؤتمر في أوساكا. وترأس الرئيس "فلاديمير بوتين" حملة قمع في روسيا، وتم إلقاء اللوم عليه في مقتل بعض الصحفيين والمعارضين السياسيين. ويقود الرئيس الصيني "شي جين بينغ" أكبر حملة قمع في العالم حيث يحتجز مئات الآلاف من مسلمي "الإيغور" العرقيين لأجل تلقينهم ثقافيا ودينيا.
لكن كان لا يزال من المذهل رؤية "بن سلمان" يتجول في الغرفة مرتديا ثوبه الأبيض المتدلي وغطاء الرأس السعودي التقليدي بالأبيض والأحمر، وهو يبتسم ويصافح ويتبادل النكات مع "ترامب" وآخرين. وأثناء تواجده في "بوينس آيرس"، في نوفمبر/تشرين، وقف "بن سلمان" مهمشا في طرف "الصورة الجماعية" الرسمية لقادة العالم. لكن هذا العام، احتل موقعا في الصدارة بين "ترامب" ورئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي"، قائد البلد المضيف.
وكان "خاشقجي" قد تم قتله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين زار القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا، لأجل الحصول على أوراق تسمح له بالزواج. وكان في انتظاره فريق قادم من السعودية، قام بتقطيعه بمنشار عظمي بعد قتله، ولم يتم العثور على رفاته بعد.
وكذبت الحكومة السعودية في البداية حول جريمة القتل، مصرة على أن "خاشقجي" كان قد غادر القنصلية على قيد الحياة. وفقط بعد أن قدمت تركيا أدلة على عكس ذلك، اعترف السعوديون بوفاته واعتقال المشتبه بهم في عملية القتل، وكان بعضهم على صلة بولي العهد.
لكن السعودية منعت أي جهد لتحقيق مستقل. ووجدت "آغنيس كالمارد"، المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء في وكالة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، "أدلة موثوقة" تبرر التحقيق مع ولي العهد.
ويبدو أن هذا من غير المرجح أن يحدث، ويبدو الآن أن "بن سلمان" يستأنف دوره على الساحة الدولية دون دفع تكلفة كبيرة. وقد يحصل دور قيادي في اجتماع مجموعة العشرين العام المقبل، أيضا، حيث من المقرر أن تستضيف بلاده الاجتماع القادم.