شيرايو ثاكر - ناشيونال إنترست-
مؤخرا، أنهت الهند فجأة الحكم الذاتي في ولاية "جامو وكشمير"، الشطر التابع لها من إقليم "كشمير"، وقامت بتقسيمها إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية. ولجأ رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" بشكل لم يسبق له مثيل، إلى كل الوسائل لجذب انتباه المجتمع العالمي لهذه القضية، بما في ذلك التلويح بالسلاح النووي. وتغاضت العديد من البلدان عن دعوات "خان" للتدخل؛ حيث نصحت كلا الجارتين بحل المسألة بشكل ثنائي.
ولم يزعج أي شيء السياسيين والجمهور في باكستان ويخيب آمالهم أكثر من التقاعس الصريح للسعودية والإمارات، إلى جانب منحهما أعلى الأوسمة المدنية لرئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي". وتاريخيا، اعتبرت باكستان هاتين الدولتين الخليجيتين حماة ورعاة لمجتمع المسلمين، وتطلعت إليهما في لحظات الأزمات. وفي أعقاب التحالف الاستراتيجي بين الهند والولايات المتحدة والإمارات والسعودية، يجب إعادة النظر في روح الإسلاموية هذه.
أمة محطمة
وفي أعقاب الإجراءات أحادية الجانب التي اتخذتها نيودلهي، وصف السفير الإماراتي في الهند الأمر بأن مسألة "داخلية للهند"، بينما أصدرت وزارة الخارجية السعودية ردا فاترا بنفس القدر. وظهر صمت أوسع من العالم العربي، بما في ذلك البحرين وعمان والكويت. وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الباكستاني "شاه محمود قريشي": "لدى الدول الإسلامية مصالح اقتصادية في الهند". ويرى "قريشي" أن الباكستانيين يجب ألا يتوقعوا أي رد فعل من الدول الإسلامية. ومع ذلك، ظهر القلق أكثر وضوحا في وسائل الإعلام وصفحات الرأي العام العالمية الأوسع. ونشرت صحيفة "ذا نيشن" الرائدة باللغة الإنجليزية افتتاحية حول الأمر بعنوان "أمة محطمة".
ويعد التفسير الاقتصادي للفتور العربي تجاه قضية كشمير نصف صحيح. ومما لا شك فيه، تعد الهند شريكا اقتصاديا ذا قيمة بالنسبة للملكيات الخليجية؛ حيث تتبادل هذه الدول السلع مع الهند بمبلغ يصل إلى 80 مليار دولار سنويا. ومع ذلك، لا تساعد التجارة وحدها في تفسير وجود ردود الفعل الخليجية أو غيابها. وتتاجر الدول الإسلامية التي وقفت إلى جانب باكستان في مسألة كشمير، وهي إيران وماليزيا وتركيا، مع الهند بقيمة تفوق 10 مرات تقريبا ما تتبادله باكتسان نفسها. ويكمن الحل لحيرة باكستان في أمر آخر، ربما في تفهم أن هناك عملية إعادة تنظيم جيوسياسي قد وقعت بالفعل.
المثلث الاستراتيجي
ويعد التقارب الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وثنائي الخليج، السعودية والإمارات، في ذروته، لا سيما بسبب تساهل الرئيس "دونالد ترامب". وعلى الرغم من الغضب العلني من الكونغرس في الولايات المتحدة بشأن مقتل "جمال خاشقجي" والحرب في اليمن، وقفت إدارة "ترامب" بكامل ثقلها وراء الحلفاء الخليجيين. وبصورة متبادلة، دعمت كلتا المملكتين الخليجيتين خط واشنطن تجاه إيران، على الرغم من المخاطر الكبيرة في خليج هرمز والتداعيات الكارثية المحتملة.
وعلى الجانب الآخر، تمت ترقية العلاقة بين الولايات المتحدة والهند إلى شراكة استراتيجية. ويعيد الحوار بين البلدين على المستوى الوزاري، ودعم واشنطن الثابت لنيودلهي في الأمم المتحدة، والتجارة الثنائية المتصاعدة البالغة 142 مليار دولار، تحديد العلاقة في جميع مستوياتها. ورغم وجود قضايا للاحتكاك في مجالات الدفاع والتجارة، إلا أنها يتم احتواؤها من خلال الحوار بشكل دؤوب.
ويؤسس هذا التحول مثلثا ناشئا، لكنه يكبر بسرعة في جميع المجالات الممكنة للتعاون الثنائي مثل الطاقة والدفاع والتجارة والتكنولوجيا والثقافة، ويشمل هذا المثلث الرياض وأبوظبي ونيودلهمي. على سبيل المثال، وقع كونسورتيوم هندي من منتجي النفط مؤخرا اتفاقية مع "أرامكو" السعودية وشركة أبوظبي الوطنية للنفط لتطوير أكبر مصفاة في العالم في الهند، بتكلفة 44 مليار دولار، وهي واحدة من بين العديد من استثمارات الطاقة من قبل دول الخليج في الهند.
وتعد الهند أكبر شريك تجاري للإمارات التي يقيم بها 3.3 ملايين هندي. ودخلت كل من الإمارات والهند في شراكة استراتيجية شاملة مع أول تدريب بحري مشترك بينهما العام الماضي. ومنح ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" مساحة شاسعة من الأرض لبناء معبد هندوسي تقليدي في أبوظبي.
وبالمثل، أعلن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، خلال زيارته الأولى لنيودلهي في فبراير/شباط 2019، عن تأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية لتعزيز العلاقات المتبادلة في مجالات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا، إلى جانب توقيع اتفاقات استثمار بلغت 100 مليار دولار. وحدثت الزيارة في حين كان "بن سلمان" يتعرض للعزلة بشكل متزايد على المستوى العالمي بسبب جريمة قتل الصحفي في واشنطن بوست "جمال خاشقجي"، الأمر الذي تجاهلته "نيودلهي" بشكل واضح. ومن خلال ذلك، دخل "ناريندرا مودي" نادي "دونالد ترامب" و"فلاديمير بوتين" الداعم للأمير علنا.
وليس الأمر أن السعودية والإمارات كانتا تفتقران إلى عوامل محفزة للتقارب الاستراتيجي مع الهند سابقا، لكن لا يمكن تجاهل الدور المحوري لإدارة "ترامب" في التقريب بين الرياض وأبوظبي ونيودلهي. ولدى صمت الهند البارد تجاه اليمن وقضية "خاشقجي" وتجاهل الثنائي الخليجي لما يحدث في كشمير قاسم مشترك واحد، وهو موقف الولايات المتحدة من القضايا.
وعلى الرغم من التناغم الاستراتيجي لملوك الخليج مع نيودلهي الذي تقف وراءه واشنطن جزئيا، واصلت هذه الدول دفع الأموال إلى "إسلام أباد"، عندما كانت في أزمة اقتصادية. ولا ينبغي لباكستان أن تخطئ النظر إلى هذه المساعدات بروح إسلاموية لأنها تأتي مدفوعة بمصالح جيوسياسية قد تتغير مع تغير الظروف.
أمة بدون حلفاء الولايات المتحدة
وقد اتخذت إدارة "عمران خان" خطوات لإعادة تعريف رواية إسلام أباد التقليدية المعتادة حول كشمير وإعادة تصوير القضية بوصفها قضية حكومة قومية هندوسية تقف ضد دولة ذات غالبية مسلمة. وكان الهدف من هذا هو الحصول على استجابة فورية من 50 دولة إسلامية، ومنظمات دولية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي. ومع ذلك، كانت استجابة العالم الإسلامي مختلطة وسلبية في معظمها.
وقد كتب المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" تغريدة قال فيها إن طهران تتوقع "سياسة عادلة" من نيودلهي من أجل "منع اضطهاد وقمع المسلمين في هذه المنطقة". علاوة على ذلك، اعتمد البرلمان الإيراني قرارا يشجب التحركات الهندية، في الوقت الذي أكد فيه الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لإسلام آباد على "الدعم الثابت" من أنقرة، بينما دعا رئيس الوزراء الماليزي إلى "احترام قرارات الأمم المتحدة"، وهو دعم ضمني لموقف باكستان. وليس من المفاجئ أن الدولتين اللتين تدينان الهند بشكل لا لبس فيه، وهما إيران وتركيا، على خلاف مع إدارة "ترامب".
ومن المثير للدهشة أن أيا من هذه المواقف المؤيدة لإسلام أباد علانية لم تدعو لعودة السيطرة على كشمير لباكستان. والأسوأ من ذلك، أن "قريشي"، الذي أعرب في وقت سابق عن أسفه للامبالاة الأمة، لم يشكر المتعاطفين الثلاثة مع قضيته.
وفي الوقت الحالي، ستتعزز أكثر الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند وثنائي الخليج. لذلك، بالنسبة لباكستان، من الحكمة إعادة بناء رغبتها في التضامن الإسلامي العالمي حول محور ماليزيا وتركيا وإيران، الذي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليه بالفعل من خلال منظمة التنمية الاقتصادية لمجموعة الثمانية. وقد تكون الأمة الإسلامية الجديدة، التي يتم إعادة تنظيمها جيوسياسيا دون حلفاء الولايات المتحدة، هي الواقع الجديد لإسلام آباد.