نيها داجيا- فورين بوليسي - ترجمة الخليج الجديد-
تمر العلاقة التي استمرت عقودا بين باكستان والسعودية بمرحلة حرجة.
تتطلع الرياض إلى تنويع اقتصادها المعتمد على النفط من خلال زيادة الانخراط مع دول جنوب آسيا الأخرى، بينما تكافح إسلام أباد لتوسيع العلاقات المملكة؛ شريكها طويل الأمد، بما يتجاوز التعاون الأمني والعلاقات الثقافية.
وفي أحدث محاولة لإحياء تلك العلاقة، وصل رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" إلى الرياض، الجمعة، في زيارة تستغرق 3 أيام لإجراء محادثات مع القيادة السعودية.
وقبل "خان"، وصل قائد الجيش الباكستاني الجنرال "قمر جاويد باجوا" إلى الرياض، الثلاثاء، لتمهيد الطريق نحو بداية جديدة في العلاقات بين البلدين.
وقال بيان صادر عن الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني إن "باجوا" ناقش الأمن الإقليمي والدفاع الثنائي من بين أمور أخرى، خلال اجتماعات مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" وآخرين.
في غضون ذلك، قال الممثل الخاص لرئيس الوزراء الباكستاني للشرق الأوسط والتقريب بين الأديان "طاهر أشرفي"، لمجلة "فورين بوليسي"، إن محادثات "خان" في السعودية ستتناول صفقة خضراء (مبادرة لتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري)، وتعزيز التعاون التجاري، والتعاون في الإعلام والمعلومات والتبادل الثقافي.
وقال إن "خان" سيناقش أيضا مع المسؤولين السعوديين استراتيجية مشتركة ضد الإرهاب.
شراكة استراتيجية
وتتمتع إسلام أباد والرياض بشراكة استراتيجية منذ عقود.
وتاريخيا، كانت المملكة تهب دائما لإنقاذ باكستان ماليا. فمنذ الستينات، تلقت باكستان مساعدات من المملكة أكثر من أي دولة أخرى خارج العالم العربي، ولم تسدد أي قروض تقريبا.
وفي المقابل، قدمت إسلام أباد مساعدات عسكرية وخبرات إلى الرياض.
وفي هذا الصدد، قال السفير الباكستاني السابق لدى المملكة "خان هاشم بن صديق": "يدرك السعوديون جيدا أنه يمكنهم الاعتماد على دعم باكستان حال تعرض أمن بلدهم للتهديد؛ حيث توجد ثقة تاريخية في التعاون الأمني بين البلدين".
لكن العلاقات توترت في الآونة الأخيرة. فقبل 6 سنوات، امتنعت إسلام آباد عن الانضمام للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وهو ما أغضب الرياض.
وإذا ما تم استنثاء التعاون الدفاعي، فليس لدى باكستان الكثير لتقدمه إلى السعودية.
في غضون ذلك، بدأت المملكة في السعي إلى توثيق العلاقات الاقتصادية وزيادة التعاون العسكري مع دول جنوب آسيا الأخرى، بما في ذلك الهند، عدو باكستان اللدود.
وفي أبريل/نيسان 2016، أطلق رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" جولة جديدة من التعاون الثنائي مع السعودية بزيارة أجراها إلى الرياض.
تقارب نيودلهي والرياض
ومع تقارب نيودلهي والرياض، شرعت إسلام أباد، التي تشهد تحولا مضطربا في علاقتها مع الرياض، في إصلاح علاقاتها مع المملكة.
إذ قد يثير فقدان دعم واحدة من أقوى الدول الإسلامية غضب الباكستانيين المتدينين في الداخل، بجانب التسبب في أضرار اقتصادية وأمنية أخرى.
أدركت إسلام أباد أنه يتعين عليها زيادة التواجد السعودي في باكستان. ويمكنها القيام بذلك من خلال تقديم ومتابعة الفرص الاقتصادية للمستثمرين السعوديين، وأن تصبح جزءًا من محاولة المملكة لتنويع اقتصادها.
وإذا لعب "خان" أوراقه بشكل صحيح، فقد تصل عملية السيطرة على الأضرار التي تم إطلاقها بعد وقت قصير من تداعيات أزمة اليمن إلى نهايتها خلال زيارته للسعودية.
بدأت محاولة إسلام أباد لإعادة ضبط العلاقات مع الرياض في عام 2018.
بداية، وضعت باكستان علمها بشكل أساسي ضمن التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن من خلال إرسال قوات في "مهمة تدريب وتقديم المشورة".
وقال مسؤول سابق في وزارة الخارجية الباكستانية مطلع على ذلك التطور، لـ"فورين بوليسي" بشرط عدم الكشف عن هويته: "كان ذلك مفيدا لتلك السياسة".
بعد ذلك، وسعيا لتنويع العلاقات إلى ما بعد التعاون الأمني، تفاوض رئيس الوزراء الباكستاني السابق "شهيد خاقان عباسي" على حزمة اتفاقات اقتصادية وثقافية في عام 2018 عززت برامج التبادل الاجتماعي والثقافي، وأثمرت عن زيادة حصة القوى العاملة الباكستانية في مشاريع البناء بالمملكة، وتأمين الاستثمار السعودي لمحطات الغاز الطبيعي، ومصفاة لتكرير النفط، ومشروعات الطاقة البديلة.
وتم وضع خطة لبناء علاقات أوثق بين البلدين.
ولاية "عمران خان"
بعد ذلك، وصل رئيس وزراء جديد إلى باكستان (عمران خان).
وأضاف المسؤول السابق: "بعد الكثير من الضغط تمكنت باكستان من تنظيم أول زيارة لخان للقاء الملك سلمان بن عبدالعزيز. لكنه وصل إلى الرياض غير جاهز للحفاظ على العلاقات الخارجية".
وبعد شهر، سنحت الفرصة لـ"خان" عندما قاطعت عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، منتدى "دافوس في الصحراء"، الذي يرعاه ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"؛ بسبب مقتل الصحفي "جمال خاشقجي".
وأسهم حضور باكستان للمنتدى، الذي انعقد في أكتوبر/تشرين الأول 2018، في حصولها على على حزمة مساعدات بقيمة 6.2 مليارات دولار من المملكة؛ 3 مليارات دولار من المساعدات النقدية، وإمدادات نفط وغاز بقيمة 3.2 مليار دولار على دفعات مؤجلة.
لقد أخرج هذا الدعم المالي باكستان من أزمة اقتصادية كانت تلوح في الأفق.
وفي فبراير/شباط 2019، وصل "بن سلمان" إلى إسلام أباد لتوقيع الحزمة الاقتصادية والثقافية التي تم التفاوض عليها بين البلدين في أوائل 2018.
انزعاج سعودي متزايد
وعلى الرغم من أن هذا بدا، ظاهريا، وكأنه يرسم صورة مشرقة للعلاقات الباكستانية السعودية، لكن انزعاج المملكة من القيادة الباكستانية كان يتزايد.
وقال المسؤول السابق: "رئيس الوزراء ووزير خارجيتنا حريصون للغاية على التحدث عما يدور في أذهانهم".
فقبل مغادرته لمنتدى "دافوس في الصحراء"، أعرب "خان" عن قلقه بشأن مقتل "خاشقجي"، لكنه أضاف أن باكستان "في حاجة ماسة" للحصول على قرض سعودي.
وبعد ذلك، عرض علنا التوسط في هدنة سعودية إيرانية. وعلق المسؤول الباكستاني بالقول: "إذا كان هناك شيء واحد يكرهه السعوديون فهو الوساطة".
وأكد سفير سابق آخر ، يدعى "عبدالباسط"، على مخاطر مثل هذا التدخل من جانب باكستان، قائلا: "إلى جانب ذلك، نحن لسنا في وضع يسمح لنا بالوساطة؛ لأننا لا نملك أي نفوذ على إيران".
وأضاف: "لا يوجد سبب لإضعاف علاقاتنا مع المملكة عبر تصورنا الخاطئ بأن نكون محايدين بين الرياض وطهران".
وقال المسؤول السابق: "يُحسب للسعوديين أنهم لم ينتقدوا باكستان علنا أبدا"، على الرغم من هذه الإهانات.
لقد نقلوا سرا انزعاجهم إلى القيادة العسكرية الباكستانية.
وسط كل هذا، قرر "خان" أيضا حضور مؤتمر ديسمبر/كانون الأول 2018 في كوالالمبور، الذي نظمته 3 دول تشترك في علاقة سيئة مع السعودية، وهي تركيا وماليزيا وإيران.
وقال الصحفي "كامران يوسف" إن إسلام أباد اضطرت للانسحاب في اللحظة الأخيرة من هذا المؤتمر بعد أن حذرت الرياض من عواقب وخيمة.
وازدادت التوترات بين البلدين في أغسطس/آب 2020، عندما حذر وزير الخارجية الباكستاني "شاه محمود قريشي" من أن إسلام أباد ستبحث في مكان آخر عن دعم إقليمي إذا لم تدع السعودية إلى عقد اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن كشمير.
وردت الرياض على هذا التهديد بسحب القرض الميسر بقيمة 3 مليارات دولار، وعدم تجديد ائتمان النفط والغاز البالغ 3.2 مليار دولار الذي انتهى في مايو/أيار 2020.
فلأول مرة في التاريخ، سعت المملكة لاستعادة أموالها من باكستان.
أصل المشكلة
ويعتقد "بن صديق" أن المشكلة تكمن في اعتماد إسلام أباد على التعاون الأمني كأساس للعلاقات مع السعودية.
وقال: "علاقاتنا الاقتصادية دون المستوى، علاقاتنا في الشرق الأوسط هي جزء من الدبلوماسية الدفاعية".
إنه ليس مخطئا. فالمشاريع الموقعة في اتفاق فبراير/شباط 2019 لم تتحقق بعد. على الرغم من أن وزارة الخارجية الباكستانية لديها سلطة توقيع اتفاقيات تجارية مع دول أخرى، لكنها لا تستطيع إنفاذها؛ لأنها لا تملك أي سلطة على الوزارات الأخرى في البلاد؛ مما أدى إلى تأجيل تلك المشاريع.
وفي حين بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 2.181 مليار دولار خلال السنة المالية 2019-2020، بلغ حجم تجارة السعودية مع الهند 33.09 مليار دولار خلال نفس الفترة.
لكن مجرد اندفاع نيودلهي إلى الأمام في علاقتها مع الرياض، لا يعني عدم وجود أمل للمسؤولين في إسلام أباد لتحسين العلاقات مع أصدقائهم السابقين في المملكة.
هذا العام، وفي خضم محادثات مغلقة محمومة بين إسلام أباد والرياض، تجنبت باكستان سداد المليار دولار المتبقية من القرض الميسر البالغ 3 مليارات دولار، واستأنفت المحادثات بشأن حول إنشاء مصفاة نفط ومجمع بتروكيماويات في مدينة جوادر الساحلية الباكستانية.
إضافة إلى ذلك، تواصل "خان" و"بن سلمان"، في مارس/آذار، بعد انقطاع دام 15 شهرا؛ لمناقشة أوجه التشابه بين حملة باكستان الخضراء النظيفة ومبادرة السعودية الخضراء، وهي مناقشة انتهت بدعوة الأول لزيارة الرياض.
ومع ذلك، ما لم تلتزم إسلام أباد بشأن الصفقات الاقتصادية الموقعة بين البلدين، فإن سحابة دائمة من عدم اليقين ستخيم على العلاقات بينهما.
وخاصة في وقت جائحة فيروس كورونا، يجب على باكستان تنفيذ اتفاقات ثنائية مع السعودية لتعزيز اقتصادها.
وتعد الزيارة الحالية لـ"خان" إلى الرياض فرصة جيدة للبدء.