ستراتفور - ترجمة الخليج الجديد-
تسعى الإمارات إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر في الوقت الذي تحاول فيه أبوظبي التأقلم مع تقليص التواجد الأمريكي في المنطقة. وبالفعل، ناقش مستشار الأمن القومي الإماراتي "طحنون بن زايد آل نهيان" وأمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" تحسين العلاقات الاقتصادية بين الدولتين خلال اجتماع في الدوحة يوم 26 أغسطس/آب الجاري.
وتشير زيارة "طحنو بن زايد" للعاصمة القطرية إلى أن الإمارات تحاول طي صفحة السياسة المتشددة ضد قطر، والتي بلغت ذروتها في الحصار الذي قادته الإمارات والسعودية ضد قطر بين 2017-2021.
تحولات في المنطقة
يأتي تواصل أبوظبي مع الدوحة في وقت تشير فيه الولايات المتحدة لرغبتها في تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط للتركيز أكثر على التهديدات في المحيط الهادي والهندي.
وسحبت الولايات المتحدة مؤخرا قواتها من أفغانستان وتنخرط أيضًا في مفاوضات على مخرج آخر من العراق.
ونتيجة علاقة الإمارات الوثيقة بإدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" كان لدى أبوظبي الشجاعة للمشاركة في حصار قطر، فضلا عن مواصلة مغامراتها العسكرية في اليمن وليبيا، دون خوف من الغضب الأمريكي.
ولكن منذ تولى الرئيس الأمريكي "جو بايدن" منصبه في يناير/كانون الثاني، أظهرت الإمارات رغبة في التحول عن هذه السياسة الخارجية المغامرة نتيجة زيادة ضغوط البيت الأبيض وتواصل انتقادات المشرّعين الأمريكيين لسلوك الإمارات.
كما طبّعت الإمارات العلاقات مع إسرائيل في 20 أغسطس/آب 2020 فيما يعود جزئيا لسعيها للبحث عن حلفاء جدد بخلاف الولايات المتحدة، لمحاولة تعويض التراجع المحتمل للنفوذ العسكري الأمريكي في الخليج.
ولطالما كان استقرار الإمارات جزءًا حاسمًا من سمعة البلاد التي مكنتها من جذب المستثمرين الدوليين والعاملين الأجانب، لكن هذه السمعة تعرضت للتقويض مؤخرا بفعل هجمات التخريب الإيرانية على ناقلات الوقود بالقرب من ساحل البلاد.
كما تسببت العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران في طرح أسئلة حول احتمالية الزج بالإمارات (التي تستضيف القوات الأمريكية) في نزاع إقليمي محتمل بين واشنطن وطهران.
انتعاش اقتصادي محتمل
ومن المرجح أن يؤدي الدفء البطيء في العلاقات الإماراتية القطرية لتحسين بعض جوانب اقتصاد البلدين، مع عودة استثماراتهما المتبادلة.
وبعد أن تعرضت الحكومات التي تدعمها جماعة "الإخوان المسلمون" في ليبيا وتونس ومصر إما للإطاحة أو الإضعاف، فمن المحتمل أن تتراجع مخاوف الإمارات من نفوذ الجماعة مما يخلق مجالا أكبر للتعاون بين الدوحة وأبوظبي، بالنظر إلى كون دعم قطر لجماعة "الإخوان المسلمون" نقطة خلاف رئيسية بين البلدين في السابق.
ومع تجدد التواصل مع قطر في أعقاب الحصار الذي استمر 4 سنوات، يبدو أن شركات الإنشاءات الإماراتية جاهزة بالفعل للاستفادة من المشاريع الكثيرة التي لا تزال الدوحة بحاجة لإنهائها قبل بطولة كأس العالم في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
ويمكن أن يؤدي دفء العلاقات أيضا إلى إعادة فتح الروابط الجوية بين قطر والإمارات، وهو شئ محوري في ربط الدوحة بالتدفقات السياحية العالمية بالنظر إلى أن مطارات دبي هي أكبر مركز للرحلات الجوية في المنطقة، وقد تؤدي زيادة التعاون أيضا إلى عودة المستثمرين والمستهلكين القطريين إلى الإمارات للمرة الأولى منذ عام 2017.
لكن من المرجح أن يستغرق الانتعاش الكامل للعلاقات التجارية المزيد من الوقت، كما أن تحسين العلاقات الدبلوماسية سيتطلب جهودا إضافية من كلا الجانبين.
وكان المستثمرون القطريون في السابق مصدر دخل رئيسي لقطاع العقارات في الإمارات، وكثيرا ما تردد المستهلكون القطريون على مراكز التسوق والفنادق الفاخرة في البلاد، لكن هذه الأعمال التجارية توقفت فجأة خلال الحصار.
تغيرات استراتيجية
مع تراجع التوترات مع قطر، قد تركز استراتيجية الإمارات الإقليمية على الدبلوماسية بدلا من القوة والأعمال العسكرية في بلدان مثل اليمن وليبيا وتونس.
وقامت الإمارات بالفعل بتخفيض قواتها في اليمن، وقد تستمر في الابتعاد عن الصراعات العلنية هناك، كما يمكنها أن تبدأ أيضا في دفع وكيلها في اليمن (المجلس الانتقالي الجنوبي) لاتخاذ موقف أكثر فاعلية في تخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن التي مزقتها الحرب.
وبالإضافة إلى ذلك، قد تصبح أبوظبي أقل ميلًا لاستخدام القوة العسكرية في ليبيا، التي يفترض أن تعقد انتخابات في ديسمبر/كانون الأول 2021، لتعتمد بدلا من ذلك على النفوذ والمساعدات لتعزيز حليفها "خليفة حفتر".
وأخيرا، قد تتراجع حماسة الإمارات في التدخل بشكل مباشر في السياسة الداخلية لبلدان مثل تونس، بمعنى آخر، قد تفضل أبوظبي استخدام المساعدات والدبلوماسية بدل الأساليب الصريحة مثل حظر السفر لتحقيق هدفها الاستراتيجي بإبقاء "الإخوان المسلمون" تحت السيطرة.