أوميد شكري كاليهسار- منتدى الخليج الدولي - ترجمة الخليج الجديد-
أدت الاضطرابات العالمية والإقليمية إلى جعل الهند والسعودية تعيدان النظر في أولويات سياستهما الخارجية. ففي السنوات الأخيرة، وسّعت السعودية علاقاتها مع الهند؛ ووصفت نيودلهي بأنها واحدة من "القوى العظمى" الثمانية، وسعت لتأسيس شراكة استراتيجية بين البلدين في إطار "رؤية 2030".
ومن وجهة نظر الهند، أصبحت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي جهات فاعلة رئيسية في الشرق الأوسط، ما يجعل التعاون معها مهما. وفي 18 سبتمبر/أيلول، وصل وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان آل سعود" إلى نيودلهي في زيارة استغرقت 3 أيام، لتكون الأولى له كوزير خارجية.
وتشير هذه الزيارة إلى تحول في العلاقات السعودية الهندية قد يكون له تأثير على التكامل الاقتصادي والأمن الإقليمي.
توجهات اقتصادية واعدة
في عام 2020، ارتفع حجم التجارة الثنائية بين السعودية والهند إلى 33 مليار دولار، mBocj الغالبية العظمى من هذه التجارة (81% أو حوالي 27 مليار دولار) شكل واردات هندية إلى السعودية؛ فيما بلغت الصادرات السعودية إلى الهند 6.24 مليار دولار فقط.
ولدى الهند والسعودية بالفعل علاقة تعاونية عميقة، لا سيما فيما يتعلق بالغذاء والصحة والطاقة. وعلى سبيل المثال خلال جائحة "كورونا"، قدمت السعودية الرعاية الصحية المجانية للمغتربين الكثر لديها، بما في ذلك ملايين الهنود، في حين سافر أكثر من 1500 عامل هندي في الرعاية الصحية إلى المملكة لتقديم المساعدة أثناء الوباء.
كما أن مخاوف الهند بشأن أمن الطاقة في المستقبل دفعتها لتعزيز علاقاتها مع السعودية التي تعد مزودًا موثوقًا بالنفط والغاز. وفي حين أن هناك مصالح متبادلة بين البلدين، ما تزال هناك عقبات تحول دون زيادة المشاركة الاقتصادية بين السعودية والهند.
وتعتمد حكومة "مودي" على استثمار السعودية بكثافة في الهند، وخلال زيارة إلى الهند في فبراير/شباط، قدر ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" حجم الاستثمارات في البلاد بحوالي 100 مليار دولار، لكن من الواضح أن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن جائحة "كوفيد 19" دفعت السعودية نفسها للسعي إلى جذب الاستثمار الأجنبي.
وتم طرح أسهم "أرامكو" للاكتتاب العام في المقام الأول لتمويل "رؤية 2030"، لكن النتائج المخيبة للآمال من الاكتتاب العام، بالإضافة إلى الانخفاض الحاد في سعر النفط، أجبر القيادة السعودية على البحث في مصادر أخرى لتمويل التنويع الاقتصادي السعودي.
وبالرغم من إمكانية التعاون، فإن رغبة الهند في علاقات جيدة مع إيران المنافسة الإقليمية للسعودية، تعقد الشراكة السعودية الهندية أكثر.
مخاوف مشتركة في أفغانستان
مع استمرار "طالبان" في تعزيز سلطتها، أجبرت التطورات في أفغانستان دولًا مثل الهند والسعودية لتحديد مصالحها الأمنية القومية في كابل في سياق توازن إقليمي جديد.
وخلال زيارته إلى نيودلهي، قال وزير الخارجية "فيصل بن فرحان" إن الإرهاب العابر للحدود يمثل مصدر قلق للسعودية، وأنه تحدث بالتفصيل مع وزير الخارجية الهندي "سوبراهمانيام جايشانكار" حول هذه المسألة.
وهكذا، فإن المخاوف الديموغرافية والأمنية والتهديدات المتزايدة للجماعات الإرهابية في المنطقة دفعت السعودية والهند لبناء مساحات مشتركة في سياساتهما الخارجية.
فقد أثر انهيار الحكومة الأفغانية على كل من البلدين؛ حيث تسبب في أزمة لاجئين في الهند وهدد المصالح الأمنية السعودية. ويعد استقرار وأمن أفغانستان شرطًا أساسيًا لاستمرار الاستثمار الهندي في البلاد، وفي الوقت ذاته، يمكن أن يقلل من المخاوف الأمنية السعودية.
وسابقًا، استثمرت نيودلهي 3 مليارات دولار في مشاريع التنمية في أفغانستان في عهد حكومة "أشرف غني" وقدمت منحا للطلاب الأفغان، في إطار سعيها لتحقيق الاستقرار في أفغانستان ومنع صعود حكومة تسيطر عليها باكستان في كابل.
كما فازت الهند بأفضلية لدى القيادة الأفغانية من خلال المساعدة في بناء مبنى البرلمان الأفغاني، بما يقدر بحوالي 90 مليون دولار.
وفي عام 2020، ادعى وزير الخارجية الهندي "جيشانكار" أنه لا يوجد جزء من أفغانستان "لم تمسّه" مبادرات التنمية الهندية، ولا شك في أن الدافع الذي يحرك جهود الهند هو منع توغل النفوذ الباكستاني في أفغانستان.
أما الجيش الباكستاني فيريد انطلاقًا من عقيدة "العمق الاستراتيجي"، إنشاء حكومة موالية في أفغانستان.
ويرى الجيش الباكستاني النزاع الحدودي مع الهند وأفغانستان بشأن كشمير كجزء من تنافس إقليمي أوسع. لذلك فإن الجيش الباكستاني يعتبر أن هناك ترابطا بين قضية كشمير والصراع الأفغاني.
التقاء المصالح يدفع التقارب
وتعد هذه المصالح ذات آثار مهمة على السعودية، التي طالما تمتعت بعلاقات أمنية واقتصادية وثيقة مع باكستان؛ المنافسة الرئيسية للهند. أما في السنوات الأخيرة، فقد تعمقت العلاقة الأمنية بين السعودية والهند، وهناك خطط لتدريبات عسكرية مشتركة بين القوات الهندية والسعودية. ومع تنامي النفوذ الإقليمي لكل من الهند والسعودية، قد تتشكل شراكة طبيعية حيثما تلتقي المصالح.
وفي الوقت نفسه، ستبقى باكستان حليفا أمنيا مهما للمملكة، وسوف تستمر علاقاتهما الاقتصادية، لكن الحوافز الهيكلية القوية التي تحرك العلاقات بين الرياض و نيودلهي ستجمع الاثنين معا على المدى الطويل.
وبما أن المخاوف الأمنية المشتركة ستؤرق الدولتين فيما تغريهما فرص المشاركة الاقتصادية، فربما ستتفوق نيودلهي في المستقبل على إسلام آباد لتصبح الحليف الإقليمي الأساسي للسعودية.
دور جديد للهند
سعت الهند أيضا إلى تقديم نفسها كمركز للدبلوماسية الإقليمية. وبعد أسبوع واحد من استضافة رؤساء الاستخبارات الروسية والأمريكية، تستعد نيودلهي لزيارة من وزراء الخارجية الإيراني والسعودي، لإجراء محادثات واسعة النطاق حول أفغانستان والتطورات الإقليمية.
ويشير التواصل الدبلوماسي من الدول المتنافسة في غرب آسيا إلى أن جميع شركاء الهند يسعون للتفاوض من خلال القيادة الهندية.
وقد انخرطت الهند في الدبلوماسية النشطة وسعت إلى شراكات جديدة من أجل التأثير على التطورات في كشمير، ومستقبل مشروع خط أنابيب طاجيكستان والأفغانستان وباكستان والهند، ومواجهة انعدام الأمن في بعض المناطق الحدودية الهندية.
ويمكن للهند أيضا أن تلعب دورا في تقليل التوترات بين إيران والسعودية، ما يعزز الأمن في الخليج. ولهذا السبب، من المرجح أن تستمر السعودية والهند في تعميق علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية من أجل تشكيل شراكة مستمرة.