سي جي ويرليمان / ميدل إيست آي - ترجمة الخليج الجديد-
يسارع رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" وحزب "بهاراتيا جاناتا" لاحتواء العاصفة الدبلوماسية التي اندلعت في جميع أنحاء الشرق الأوسط بسبب تصريحات أدلى بها اثنان من كبار المسؤولين في الحزب الحاكم تضمنت "إساءة" للنبي "محمد"صلى الله عليه وسلم وللإسلام.
بالنسبة لأولئك المطلعين على السياسة الهندية، كان الأسبوع الماضي فريدا؛ حيث تعد هذه أول مرة يظهر فيها الحزب الحاكم للهند محرجًا بسبب سوء معاملته الممنهجة للأقلية المسلمة منذ أن وصل إلى الحكم على خلفية أجندة قومية هندوسية متشددة عام 2014.
وكان الإزعاج الدبلوماسي الأكبر لـ"مودي" نتيجة تحرك دول الخليج. وتم استدعاء سفراء الهند في قطر والكويت وإيران لتوبيخهم على هذه الإساءات، في حين أزالت الكثير من المحال في دول الخليج المنتجات الهندية من أرففها، وانتشرت الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي لمقاطعة الهند.
وعلقت الصحفية الهندية "رنا أيوب" قائلة: "إيران والسعودية وقطر يتحدثون بصوت واحد. متى كانت آخر مرة شهد فيها العالم هذا؟ مودي جعل هذا ممكنًا".
وأمام هذه العاصفة، أوقفت الحكومة الهندية المسؤولين الذين أدلوا بالتصريحات المسيئة، وللمرة الأولى في تاريخ البلاد الحديث، تصدر بيانا تتبرأ فيه من المسيئين للإسلام والرسول الكريم.
وقال "كابير تانيجا"، وهو زميل في المؤسسة الفكرية "أوبزرفر ريسيرش فونديشن": "فوجئت الهند بالرد. القضايا الدينية ليست جديدة في الهند.. لكن لم يكن هناك مثل هذا الرد في السابق".
الخليج يفاجئ الهند
كانت ردود الأفعال مفاجئة لحكومة "مودي" بالنظر إلى أن الدول العربية غضت الطرف سابقًا عن الانتهاكات بحق المسلمين في الهند، بما في ذلك القانون الذي يحرم المهاجرين المسلمين من حقوق المواطنة؛ واستبعاد الطالبات اللواتي ترتدين الحجاب، والمقاطعة الاقتصادية ضد الشركات المملوكة للمسلمين، وإلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير.
وظلت حكومات الخليج أيضًا صامتة إزاء وصف أعضاء من حزب "مودي" للمسلمين بـ"النمل الأبيض" و"الآفات" و"الإرهابيين"، في حين حثت الجماعات القومية الهندوسية المتحالفة مع حزب "بهاراتيا جاناتا" مؤيديها على "إبادة" المسلمين، وهو نداء يُسمع الآن يوميا.
كما لم تعترض دول الخليج على أحكام الإعدام بحق المسلمين وتخريب منازلهم وشركاتهم ومساجدهم من قبل الغوغاء المتطرفين وفي حماية الشرطة.
لذلك تفاجأ "مودي" من ردود فعل قادة العالم الإسلامي خاصة الأصوات التي دعت إلى "وقوف الأمة الإسلامية صفا واحدا ضد الحكومة الهندية" مثل مفتي سلطنة عُمان الشيخ "أحمد بن حمد الخليلي" الذي دعا أيضًا إلى مقاطعة المنتجات الهندية.
نقاط ضغط على الهند
بالرغم أن حكومة "مودي" ردت من قبل بلهجة ساخرة ضد الولايات المتحدة، متهمة إياها بالانغماس في "سياسة الصياح" بعد أن اتهمت إدارة "بايدن" نيودلهي بإساءة معاملة الأقليات الدينية في وقت سابق من هذا الشهر.
إلا إن الهند تعلم أن عليها أن تكون أكثر تصالحية بكثير مع دول الخليج، بالنظر إلى أن حوالي ثلثي واردات النفط الخام في الهند تتدفق من الشرق الأوسط.
لكن النفط ليس نقطة الضغط الوحيدة، بل إن القضية الأكبر هي ملايين المغتربين الهنود الذين يعيشون ويعملون في دول الخليج؛ مما يهدد عشرات المليارات من الدولارات التي تتدفق إلى الهند على شكل تحويلات من مواطنيها في هذه البلدان.
وإذا نفذت بعض دول الخليج تهديدها بترحيل المهاجرين الهنود، أو أوقفت تأشيرات العمال الهنود، فإنها ستخلق أزمة سياسية ضخمة لحكومة "مودي"، في وقت لا يمكنها فيه تحمل تكاليف ذلك بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد.
ووفقًا لمراقبين هنود، فإن العلاقة التجارية للهند مع دول الخليج تحمل أهمية مضاعفة باعتبار الخليج سوق تصدير كبير بالنسبة للهند.
إذ زادت تجارة الهند الثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي -بما في ذلك الإمارات والسعودية- بشكل كبير في 2021-2022، وزادت الصادرات الهندية لدول المجلس بأكثر من 58% ووصلت إلى 44 مليار دولار.
"مودي" بين نارين
في النهاية، يترك هذا الوضع "مودي" محاصرًا في مأزق مزدوج. فمن ناحية، يعرف أنه يجب عليه التراجع عن عداء حزبه للمسلمين لإرضاء شركاء الهند في الخليج.
ومن ناحية أخرى، فهو يدرك أن جهود حزب "بهاراتيا جاناتا" لاستخدام المسلمين ككبش فداء وتشويه سمعة المسلمين قد ساعدته وحزبه على التهرب من المسؤولية عن تدهور الاقتصاد.
وقال "ديباسيش روي شودري"، الذي شارك في تأليف كتاب "قتل الديمقراطية.. ممر الهند إلى الاستبداد": "للاستمرار في الفوز في الانتخابات، يجب أن تستمر في استقطاب الناخبين الهندوس ضد المسلمين، وإدارة المزيد من حملات شيطنة المسلمين".
ويدفع ذلك "مودي" للسير على حبل مشدود ومحاولة إرضاء الطرفين عبر إطلاق التصريحات التي يريد قادة الشرق الأوسط سماعها، بينما يقدم دعمه الكامل بهدوء لرجال حزبه الذين يهينون الرسول الكريم ويسيؤون للمسلمين.