أندرياس كريج- ميدل إيست آي - ترجمة الخليج الجديد-
مضى عام على سيطرة حركة "طالبان" على العاصمة الأفغانية كابل بعد عقدين من الكفاح ضد القوات الأمريكية والحكومة الموالية لواشنطن.
وتمكنت رحلات الإخلاء المحمومة من إخراج القوات الأمريكية تاركين عشرات الآلاف من الموظفين المحليين وعائلاتهم الذين شاركوا في عبء المجهود الحربي الغربي.
ووسط هذه الفوضى، انتهزت قطر الفرصة للاستفادة من العلاقات التي طورتها مع "طالبان" التي استضافتها بناء على طلب الولايات المتحدة منذ عام 2010. وهكذا، ظهرت قطر كأهم وسيط وميسر في أفغانستان.
وبصرف النظر عن تنظيم رحلات الإخلاء واستضافة اللاجئين الأفغان، فقد توسطت قطر في صفقات ثنائية مع "طالبان" لصالح شركائها الغربيين، وقد دفعت قطر الشركاء الأمريكيين والأوروبيين إلى نقل سفاراتهم الأفغانية إلى الدوحة، ما جعل العاصمة القطرية بوابة جديدة إلى أفغانستان.
يشار إلى أن بعض جيران قطر - وعلى رأسهم الإمارات - استغلوا استضافة قطر لمكتب "طالبان" للترويج لتهمة دعم الإرهاب. وفي عام 2017، وصلت الإمارات والسعودية إلى حد فرض الحصار على قطر مستشهدين باستضافة قطر لـ"طالبان" من بين أشياء أخرى.
ولكن عندما تمكنت قطر في عام 2021 من ترجمة روابطها مع "طالبان" إلى رأس مال سياسي في الغرب، قامت أبوظبي بتحويل سياستها تجاه أفغانستان و"طالبان".
وسيط آخر
بعد مرور عام على صعود نفوذ قطر، ظهرت أبوظبي كوسيط آخر في أفغانستان، فيما بدا منافسة لنفوذ قطر، وكان توفير الإمارات لملاذ للرئيس الأفغاني الهارب في صيف عام 2021 أول خطوة لأبوظبي للحفاظ على موطئ قدم في الشأن الأفغاني.
منذ ذلك الحين، أعادت أبوظبي إحياء العلاقات مع شبكة "حقاني"، وهي مكون قوي في حركة "طالبان" برز باعتباره المؤثر الفعلي في حكم كابل منذ سبتمبر/أيلول 2021.
وعلى عكس قطر التي يقتصر نفوذها على "طالبان" على الأفراد الأكثر براجماتية حول الملا "برادار" الذي تم تهميشه على نطاق واسع الآن، فقد كان للإمارات علاقات طويلة الأمد مع "الحقانيين" منذ الثمانينات.
وكانت المجموعة التي أسسها "جلال الدين حقاني" القوة القتالية الأكثر فعالية بين العديد من الفصائل المسلحة في التمرد الذي استمر لمدة عقدين ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان.
وفي حين أن الأعضاء الأكثر براجماتية في حركة "طالبان" صاغوا خططًا سياسية في مكان آمن بالمنفى القطري، فإن "الحقانيين" حملوا عبء الحرب في تمرد لا هوادة فيه ضد الغرب. وعلى عكس آمال قطر في رؤية البراجماتيين يستولون على مناصب رئيسية في حكومة "طالبان" الجديدة، لم يكن من المفاجئ أن أقوى الفصائل في الحركة - الحقانيين - تولوا المحافظ الرئيسية في الحكومة الأفغانية الجديدة.
تحول النفوذ
أصبح "سراج الدين حقاني"، نجل مؤسس الشبكة، وزير الداخلية الذي يسيطر على الأجهزة الرئيسية للأمن والاستخبارات الداخلية. وتحولت السلطة بعيدًا عن أولئك الذين عاشوا في قطر لسنوات عديدة والذين نشؤوا في الغالب في منطقة قندهار.
يتزامن صعود "سراج الدين" (لا يزال من أهم المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي) مع تراجع النفوذ القطري على سياسات" طالبان"، حيث جرى تهميش أعضاء "طالبان" الذين عاشوا في قطر لصالح الأعضاء الأقرب إلى الشبكات القبلية في شمال شرقي وجنوب شرقي أفغانستان.
وفي الوقت نفسه، كانت أبوظبي حريصة على تنمية شبكاتها الخاصة بالقرب من أصحاب النفوذ الجدد في كابل.
ومنذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي حتى العقد الأول من القرن العشرين، اعتمدت شبكة "حقاني" على الإمارات كمركز لغسل الأموال. ومن خلال "شركات الواجهة" وشبكة المغتربين الأفغان الموثوق بهم، قام "الحقانيون" ببناء بنية تحتية قوية في الإمارات لتمويل عملياتهم مما حول هذه المجموعة الفرعية من "طالبان" إلى القوة القتالية الأكثر فعالية في التمرد.
وفي حين استجابت الإمارات للضغط الأمريكي في عام 2014 لوضع شبكة "حقاني" على القائمة السوداء، من المحتمل أن ما حدث هو إخفاء العمليات فحسب، مع تكهن بعض المعلقين بأن عمليات غسل الأموال غير الرسمية التابعة لشبكة "حقاني" لم تتوقف أبدًا.
كانت المودة الشخصية مع الإمارات عميقة لدرجة أن مؤسس الشبكة "جلال الدين" تزوج امرأة عربية من الإمارات أنجب منها ولداً واحداً هو "سراج الدين" الذي يشغل حالياً منصب وزير الداخلية. ويُعتقد أن "سراج الدين" قضى فترات طويلة من حياته في الإمارات بصحبة والدته.
في يناير/كانون الثاني 2017، أدى انفجار قنبلة إلى مقتل سفير الإمارات و4 دبلوماسيين إماراتيين آخرين في قندهار، ويُعتقد أن وكلاء "حقاني" كانوا وراء هذا الانفجار، وبسببه ضعفت العلاقات مع الإمارات، حتى لو لم يكن الهجوم يستهدف دبلوماسيي الإمارات على الأرجح.
مكاسب الإمارات
عندما أصبح النفوذ في أفغانستان مغريًا للجميع وسط منافسة القوى العظمى على أفغانستان، أعادت الإمارات الانخراط في أفغانستان عام 2021 من خلال المساعدات الإنسانية بعد سيطرة "طالبان".
ووفقًا للعديد من المصادر في كابل، عملت سفارة الإمارات على التواصل مع العناصر الفاعلة في شبكة "حقاني" في عقر دارهم شرقي أفغانستان، وتحديداً في خوست ولويا باكتيا.
ويُزعم أن دبلوماسيي الإمارات قاموا ببناء علاقات وثيقة مع حاكم مقاطعة خوست الذي يُعتقد أيضًا أنه صديق شخصي لـ"سراج الدين حقاني". كما تزعم مصادر أخرى أن سفارة الإمارات كونت روابط أيضًا مع مساعد "سراج الدين" الشخصي على مدار العام الماضي.
ومع انهيار المفاوضات القطرية التركية مع "طالبان" حول إدارة مطار كابل في وقت سابق من هذا العام بسبب مطالب قطر وتركيا بشأن الاستمرار في إدارة أمن المطار، كان لدى الإمارات الشبكات اللازمة لكسب وزارة الداخلية بقيادة "سراج الدين" وإقناعها بإبرام عقد تشغيل المطار معها. وعلى النقيض من منافسيها، لم تفرض أبوظبي شروطاً تذكر في العقد ما سمح لشبكة "حقاني" بإدارة أمن المطار.
في النهاية، فازت شركة "GAAC" الإمارتية بالعقد، محققة بذلك نصراً للإمارات في تنافسها مع خصمها، قطر. والأهم من ذلك، أنه نظرًا لأن آسيا الوسطى أصبحت ساحة مهمة لبناء شبكة تجارية إماراتية ولإبرام تعاون صيني إماراتي، فسيكون هذا مفيدًا لتطلعات الإمارات بأن تصبح محاورًا رئيسيًا للصين في المنطقة.
وعلى عكس قطر، التي كانت بمثابة وسيط محايد على نطاق واسع في الصراع، فإن الإمارات تعتبر أفغانستان في قلب إستراتيجيتها التجارية الكبرى لربط العقد اللوجستية وسلاسل التوريد في آسيا الوسطى، وهو أمر مفيد لشبكة "حقاني" التي تهيمن على "طالبان" الآن.