متابعات-
يطرح الاهتمام السعودي الحالي بمنطقة الساحل الأفريقي بعد إعلانها المساهمة بتقديم معونات عسكرية عدة تساؤلات عن دوافعها للحضور في تلك المنطقة، التي لا تدخل كثيراً في دائرة اهتمام الرياض.
وتتعدد مظاهر الحضور السعودي في دول الساحل فشملت الجوانب الدعوية والتعليمية والخيرية والاجتماعية والاقتصادية، وعزز ضعفُ اقتصاديات المنطقة رغبة المملكة بملء الفراغ الناجم عن إلغاء تدخل الدولة الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما شجع حضور العديد من المنظمات والهيئات الخيرية الخليجية، وخاصة السعودية.
لكن الاهتمام العسكري ودعم هذه الدول هو ما يطرح التساؤلات حول ذلك، وما إذا كان الانسحاب الفرنسي من بعض الدول المنضوية تحت اسم الساحل الأفريقي دافعاً للرياض للاهتمام بتلك الدول.
دعم عسكري
في الـ22 من نوفمبر الجاري، أعلنت السعودية تقديم مدرعات خفيفة للدول الأعضاء في مجموعة الساحل الأفريقي، وذلك لدعمها في التصدي لظاهرة الإرهاب، وتوفير الأمن والاستقرار لشعوبها.
وأفادت وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية بأن السعودية ودول المجموعة وقعت اتفاقاً في نواكشوط، تقدم بموجبه الرياض مجموعة من المدرعات الخفيفة للدول الأعضاء.
وأكد مدير إدارة التعاون الدولي بقيادة الأركان السعودية يوسف الطاسان، أن الهدف من هذا الدعم "مساعدة دول الساحل الأفريقي في جهودها الرامية إلى التصدي لظاهرة الإرهاب، وتوفير الأمن والاستقرار لشعوبها"، وفق الوكالة الموريتانية.
وقال الطاسان: إنه "بموجب الآلية التي تم الاتفاق عليها بين الجهات المعنية ستسلم الحصة الخاصة بكل دولة على حدة عبر مينائها أو ميناء إحدى الدول المجاورة لها؛ بالنسبة للدول التي لا تتوفر على واجهة بحرية".
ليست الأولى
لم تكن هذه المعونات العسكرية هي الأولى، فقد أعلنت السعودية في ديسمبر 2017 المساهمة بـ100 مليون دولار لتعزيز جهود التصدي للجهاديين في دول الساحل الأفريقي.
جاء ذلك خلال اجتماع عقد في فرنسا لتعزيز التعبئة الدولية حول دول الساحل، ويومها تم جمع مبلغ 250 مليون دولار من دول أوروبية وعربية كالإمارات التي قدمت 30 مليون دولار، لكن السعودية كانت المساهم الأكبر بـ100 مليون.
لكن في نوفمبر 2019، أعربت فرنسا على لسان وزيرة الجيوش الفرنسية السابقة فلورانس بارلي، عن أسفها لـ "تأخر" السعودية في تمويل تسليح القوة المشتركة لدول الساحل الأفريقي.
وقالت الوزيرة الفرنسية حينها، إن السعودية لم تف حتى الآن بالوعد الذي قطعته قبل نحو عامين بتقديم الدعم المالي لتسليح جيوش قوة دول الساحل الخمس.
والقوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس مؤلفة من جنود من خمسة من بلدان المنطقة هي مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا.
اهتمام قديم
يرى الناشط السياسي محمد هدية، أن الاهتمام السعودي بمنطقة الساحل الأفريقي "ليس وليد الساعة بل هو اهتمام قديم كان أساساً على المستوى الديني".
ويشير إلى أن السعودية استشعرت منذ وقت مبكر بـ"مخاطر المد الشيعي ومحاولة إيران التغلغل في دول الساحل الأفريقي"، لافتاً إلى أن تدخلها برز سابقاً "من خلال العمل الخيري وإنشاء المؤسسات الخيرية وبناء المساجد والمستشفيات، مستغلة عجز سلطات هذه الدول في رعاية احتياجات مواطنيها".
أما عسكرياً، فيقول هدية لـ"الخليج أونلاين"، إنه منذ عام 2009 "دأبت السعودية بمعية دولة الإمارات على مد هذه الدول بمساعدات عسكرية برعاية فرنسية".
لكنه يؤكد ضرورة الإشارة إلى أن هذه المساعدات "تأتي بعد الفراغ الذي تركه الانسحاب العسكري الفرنسي من المنطقة"، لافتاً إلى أمر وصفه بالهام يتمثل في "غياب دولة مالي عن حفل توقيع اتفاقية المساعدة التي وقعت في نواكشوط خصوصاً إذا علمنا أن المساعدة قدمت لمنظمة الساحل الأفريقي، التي تمثل مالي عضواً هاماً فيها".
ويلفت إلى أن علاقات السعودية مع هذه الدول كانت قد توطدت "خصوصاً مع موريتانيا والنيجر، اللتين كانتا مع المملكة في كل مواقفها، ووصلت إلى وقوفهما معها خلال الأزمة الخليجية".
ويضيف: "إلى جانب ذلك فإن هذا الدعم يأتي في إطار ترسيخ الحضور السعودي في هذه المنطقة المتاخمة لدول المغرب العربي التي فشلت السعودية في بسط نفوذها داخلها، فتبقى منطقة الساحل، التي تتسم بالصراعات، هي الملاذ الوحيد للمملكة لإبقاء شيء من النفوذ قريباً من المغرب العربي".
وفضلاً عن ذلك فإن حضور المملكة، حليفة أمريكا، في دول الساحل ومساعدتها يعود، وفق ما يرى "هدية"، إلى وقف تمدد روسيا عبر مجموعات "فاغنر".
السعودية ودول الساحل
على مدار السنوات الماضية يُحسب للرياض تمويل الكثير من المشاريع التنموية وتشييد العديد من البنى التحتية بدول المنطقة، ومنها منشآت إسلامية كبيرة كمسجد الملك فيصل بمدينة نجامينا التشادية، الذي بلغ تمويله حوالي 16 مليون دولار أمريكي، ومسجد بنفس الاسم في باماكو بمالي، الذي بلغت تكلفته نحو سبعة ملايين دولار.
ثم توسع النشاط السعودي بمنطقة الساحل -وأفريقيا عموماً- من المجال الديني إلى الدبلوماسي والاستراتيجي، بعد تنامي حركة التشيع في أفريقيا والحضور القوي لإيران كفاعل دولي جديد على الساحة الأفريقية.
في المقابل ينشط بمنطقة الساحل الأفريقي العديد من التنظيمات المتطرفة، بينها فرع "القاعدة" ببلاد المغرب، حيث تشن من حين لآخر هجمات تستهدف ثكنات عسكرية وأجانب بدول الساحل، خصوصاً في مالي.
ومجموعة الساحل تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون تأسس عام 2014، بهدف مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، يضم موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر ومالي.
ويأتي هذا الدعم السعودي في وقت تصاعدت فيه التوترات بين عدد من بلدان الساحل الأفريقي، خصوصاً مالي، والدول الأوروبية؛ بعد أن سمحت باماكو لمرتزقة "فاغنر" الروسية بالانتشار على أراضيها.
وأعلنت فرنسا في وقت سابق من العام الحالي أنها ستسحب قوتها من مالي بعد تدهور العلاقات مع المجلس العسكري الذي استولى على السلطة عام 2020.
كما أعلنت عدة دول أوروبية أيضاً سحب قواتها من بعثة حفظ السلام في مالي، بذريعة أن باماكو أصبحت "تعتمد على المرتزقة الروس" ما يقوض الاستقرار.