سايمون هندرسون- معهد واشنطن للدراسات-
ليس هناك شك في أن تعيين قائد عسكري ودكتاتور محتمل في الدولة الإسلامية الوحيدة التي تملك أسلحة نووية في العالم يستحق مراقبة حثيثة من المسؤولين الأمريكيين والخليجيين على حد سواء.
في 29 تشرين الثاني/نوفمبر، من المقرر أن يستلم الجنرال عاصم منير منصب رئيس أركان الجيش الباكستاني، ليحل محل الجنرال قمر جاويد باجوا. وقد اختاره رئيس الوزراء شهباز شريف من بين قائمة رفعها إليه الجيش بأسماء ستة مرشحين، ولا بد أن حساباته التي أوصلته إلى هذا القرار كانت مثيرة للاهتمام نظراً إلى تجارب عائلته السابقة مع ظروف مماثلة. ففي عام 1998، اختار شقيقه الأكبر ومرشده نواز شريف - الذي كان رئيس الوزراء آنذاك - الجنرال برويز مشرف لهذا المنصب، ولكن لم يمضِ عام حتى أطيح به في انقلاب عسكري عندما راودته الشكوك بشأن قائد الجيش وحاول إقالته. وبعد ذلك أصبح مشرف هو الديكتاتور الحاكم في البلاد ثم رئيساً للسنوات التسع التالية، بينما نُفي شريف إلى المملكة العربية السعودية (شغل لاحقاً منصب رئيس الوزراء مرة أخرى في الفترة بين 2013 و 2017، ويقيم الآن في لندن).
وفي الواقع، إن دول الخليج العربية هي البلدان التي يلجأ إليها الحكام الباكستانيون المعزولون غالباً بحثاً عن ملاذ آمن. فقد عاشت رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو في دبي لسنوات عديدة بعد أن خسرت منصبها، ولكنها اغتيلت عند عودتها إلى الوطن في عام 2007. وانتقل مشرف إلى هناك أيضاً بعد أن اتهمته حكومة مدنية لاحقة بالخيانة العظمى.
إن علاقات باكستان الأوسع نطاقاً مع دول الخليج، بما فيها إيران، وثيقة لكنها معقدة. وتُعتبر التحويلات المالية لمئات الآلاف من العمال الباكستانيين في المنطقة مصدراً مهماً للدخل، في حين غالباً ما يتوجه الباكستانيون الأثرياء إلى دبي ومدن أخرى لقضاء الإجازات وإجراء العلاج الطبي. وفي المقابل، يسافر العديد من الشيوخ الإماراتيين مباشرة إلى مهابط الطائرات الصحراوية في باكستان للاستمتاع برحلات الصيد.
وعلى الصعيد الأمني، أمضت باكستان أكثر من عشرين عاماً في بناء بنيتها التحتية اللازمة لتخصيب اليورانيوم وصنع القنابل، وذلك من خلال شركات تجارية صغيرة في الإمارات العربية المتحدة والكويت، والتي كانت بمثابة منفذ للقطع التكنولوجية التي كانت تشتريها باكستان سراً من أوروبا والولايات المتحدة. غير أن هذا المسار تغير لاحقاً بالاتجاه المعاكس عندما تم إفشاء الأسرار النووية الباكستانية إلى ليبيا وإيران. وليس معروفاً إلى أي مدى كان الجيش موافقاً على هذه الأعمال - على سبيل المثال، إن السيرة الذاتية التي نشرها العام الماضي القائد السابق للجيش، الجنرال ميرزا أسلم بيك، تتضمن صورة له تعود لعام 1989 في اجتماع عقده مع قاسم سليماني، القائد الراحل لـ «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. ومع ذلك، تم إلقاء اللوم بالكامل عن نشر الأسرار النووية على العالم النووي الباكستاني الراحل عبد القدير خان.
أما بالنسبة لخلفية الجنرال منير، فقد شغل سابقاً منصب رئيس "وكالة الاستخبارات الباكستانية" التي اشتهرت بأنشطتها السابقة مع حركة "طالبان" وإيوائها لأسامة بن لادن بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر. ومؤخراً ترأس فرقة في الجيش مسؤولة عن مراقبة الجبهة الهندية الحساسة. وفي المرحلة القادمة، من المتوقع أن يتخذ موقفاً أكثر تشدداً ضد نيودلهي من ذلك الذي اتخذه الجنرال باجوا. كما أنه معروف بكونه شديد التدين.
وتتزامن ترقية منير مع فترة مضطربة بشكل خاص في السياسة الباكستانية. فقد صوّتت "الجمعية الوطنية" على حجب الثقة عن رئيس الوزراء السابق عمران خان في وقت سابق من هذا العام بعد أن خسر حظوته لدى القادة العسكريين، الذين افترض الكثيرون أنهم ساعدوه في الوصول إلى سدة الحكم عام 2018. ومنذ ذلك الحين، يقود خان مظاهرات حاشدة ضد الحكومة الحالية؛ وكان لديه أيضاً مرشح مختلف لمنصب قائد الجيش. ومؤخراً، جادل الجنرال المتقاعد باجوا بأنه لا ينبغي للجيش "تجاوز صلاحيته"، لكن دعوته للحد من نفوذ الجيش في السياسة الداخلية قوبل على نطاق واسع بالشكوك التي تكاد أن ترقى إلى درجة الاستهزاء - فهو، في النهاية، القائد نفسه الذي حرّض على الأرجح على النجاح الأولي لخان وعزله لاحقاً.
وفيما يتعلق بتداعيات هذه الخطوة على السياسة الأمريكية، فإن التحديات متعددة، خاصة وأن الصين هي أقرب حليف لحكومة إسلام أباد. ومع ذلك، لا يزال بإمكان واشنطن المساعدة على تهدئة سياسة حافة الهاوية في السياسة الداخلية، وتوجيه الجيش بعيداً عن المواجهة مع الهند، وحث القادة على عدم الإقدام على أي عمل استفزازي على الحدود مع أفغانستان التي لا تخضع لحكم القانون بل تحكمها "طالبان"، وبلوشستان الإيرانية. في الوقت نفسه، يجب عليها أن تساعد باكستان في الحفاظ على أمن ترسانتها النووية ومنع أي ميل قد يراودها لنشر الأسرار النووية، سواء بشأن التخصيب أو تصميم الرؤوس الحربية.