المجلس الأطلسي - ترجمة الخليج الجديد-
"يجب على المجتمع الدولي ألا يترك الشركاء الخليجيين يتحملون وحدهم عبء توفير الجزء الأكبر من الإغاثة الإنسانية بأفغانستان".. قدم الباحثان بمركز "تريندز" للبحوث والاستشارات بأبوظبي، "ليوناردو مازوكو" و"كريستيان ألكسندر" هذه الخلاصة في إطار تحليل مصالح السعودية وقطر في أفغانستان ومقاربة كل منهما لتحقيقها عبر التعاون مع حركة طالبان التي تسيطر على الحكم هناك.
وذكر الباحثان، في تحليل نشره موقع "المجلس الأطلسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن السعودية وقطر لديهما مصالح كبيرة في أفغانستان، في ظل قدرة المنظمات الإرهابية الدولية، مثل ولاية خراسان الإسلامية، على استغلال الفراغ الأمني بالبلاد وما يمثله تدهور الأوضاع الإنسانية للشعب الأفغاني من تهديدات أمنية مباشرة وغير مباشرة لدول الخليج العربية.
وأضافا أن أغلب دول العالم اعتمدت الطابع الرسمي للعلاقات الدبلوماسية مع "إمارة أفغانستان الإسلامية"، كما تسميها طالبان، إلا أن حكومات دول الخليج العربية تتحرك بحذر وبدرجات متفاوتة على طريق التطبيع الناعم أو الاعتراف الجزئي بنظام طالبان.
ونوه التحليل إلى أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي تعاونت مع واقع حكم طالبان في أفغانستان منذ أغسطس/آب 2021، إذ يجب عليها أن تتعامل بشكل عملي مع الوضع على الأرض، فيما تنظر السعودية وقطر تحديدا إلى أفغانستان على أنها مصدر قلق أمني وإنساني، لكن برؤية مختلفة في التعامل مع نظام طالبان.
ففي عهد ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، تغير نهج المملكة إلى التركيز على الجوانب الإنسانية، مستخدمة نفوذها في المؤسسات الإسلامية الكبرى لتوجيه المساعدات إلى الشعب الأفغاني.
أما قطر، فلعبت دورا قياديا أكثر وضوحًا في أفغانستان منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وحققت الكثير بالنظر إلى حجمها الصغير نسبيًا، وسهلت المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان، ما أدى إلى اتفاق الدوحة 2020، كما لعبت دورًا قيمًا في إجلاء آلاف القوات الأجنبية والمدنيين من أفغانستان في منتصف عام 2021.
وكانت المخاوف الأمنية هي الموضوع الرئيسي للانخراط السعودي في شؤون أفغانستان، ما يعكس تطورًا مستمرًا في أولوياتها الاستراتيجية استنادا إلى خبرتها التاريخية.
فبعد غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في عام 1979 ، قدمت السعودية نفسها كحاجز أمام مزاعم الملحدين للشيوعيين، ثم عملت بعد ذلك على احتواء طموحات جمهورية إيران الإسلامية في آسيا الوسطى الكبرى، قبل أن تتحول مرة أخرى لتصبح حصنًا ضد الإيديولوجيات الإرهابية المتطرفة لتنظيمات مثل القاعدة، بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وتؤشر التحولات في السياسة السعودية تجاه أفغانستان عن نهج السياسة الخارجية الذي يتفاعل بشكل كبير مع الأولويات الاستراتيجية المتغيرة للبلاد.
وساهمت هذا بالنهاية في تقويض مصداقية السعوديين في نظر الجمهور الأفغاني، ووصلت سمعتهم إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق في أوائل عام 2010، حسبما يرى الباحثان.
ومع إدراك مآلات التدخل المستمر منذ عقود في شؤون البلاد، أصبحت قطاعات كبيرة من الطيف السياسي الأفغاني غير واثقة من طموحات السعودية، وأصبحت المملكة على هامش السياسة الأفغانية.
واستأنفت السعودية التواصل مع أفغانستان في أعقاب ترشيح "بن سلمان" وليًا للعهد في عام 2017 واتبعت سياسة مناهضة لطالبان شبه منفتحة، ونأت بنفسها عن شريكها السابق من خلال مقارنة النسخة المتطرفة من الإسلام بـ "الإسلام الأكثر اعتدالًا" يحاول ولي العهد السعودي تقديمه.
وفي يوليو/تموز 2017، استضافت السعودية مؤتمرًا دوليًا لمنظمة التعاون الإسلامي بهدف تعزيز السلام والاستقرار في الدولة التي مزقتها الحرب، وشارك فيه أكثر من 100 عالم دين من حوالي 40 دولة، واختتم بإعلان يدين العنف الذي تمارسه حركة طالبان، التي لم تكن قد حصلت على اعتراف أي حكومة رسميًا بعد.
ومع بسط طالبان سيطرتها على أفغانستان، في منتصف أغسطس/آب 2021، كانت السعودية مترددة في التعامل مباشرة مع طالبان، واعتمدت على قناتين مهمتين، هما منظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية، لكسب موطئ قدم بأمان في أفغانستان.
على خلفية استيلاء طالبان على السلطة في منتصف أغسطس/آب 2021، لعبت السعودية دورًا محوريًا في الضغط على أعضاء منظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية لتسهيل تقديم المساعدة الإنسانية للبلاد.
وفي السياق، وافق البنك على إنشاء صندوق الائتمان الإنساني الأفغاني في فبراير/شباط 2022، فيما عينت منظمة التعاون الإسلامي مديرًا عامًا جديدًا لمكتبها بكابول، في مارس/آذار 2022، ووتم تشكيل بعثة رسمية للمنظمة بأفغانستان في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وخوفًا من تكاليف السمعة المحتملة للانخراط في تعاون مع طالبان، حرصت الرياض على توجيه أعمالها نحو الأهداف الإنسانية وترسيخها بقوة في إطار مؤسسي، في إطار نهج "القيادة من الخلف".
دبلوماسية قطر
أما قطر، فخطت خلال ما يقرب من عقد من المشاركة في أفغانستان، خطوات ملحوظة في بناء أوراق اعتماد دبلوماسية قوية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
ومن خلال تقديم خدمات الوساطة لأطراف ثالثة تسعى للحصول على نقطة دخول للتأثير في الشأن الأفغاني، انتقلت الدوحة من مبتدئ إلى رائد في لعبة القوة بالشرق الأوسط.
ومع وجود ثقل سياسي أقل بكثير من دول الخليج العربي الأخرى، رأت قطر في أفغانستان نقطة انطلاق لتعزيز دبلوماسيتها، وسهلت المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان التي أدت إلى اتفاق الدوحة لعام 2020 وكان دورها حاسما في عمليات إجلاء آلاف العسكريين والمدنيين الأجانب جواً من أفغانستان في منتصف عام 2021.
كان أول ما فعلته قطر لكسب بعض النفوذ، هو السماح لطالبان بفتح مكتب سياسي في الدوحة في عام 2013، وهو المكتب الذي تعتمد عليه الحركة الأفغانية لإجراء الأنشطة الدبلوماسية خارج أفغانستان.
وأسفرت سياسة قطر تجاه أفغانستان عن نتائج متباينة، إذ ساعدت على ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية صاعدة وسمعتها كشريك موثوق للولايات المتحدة وأوروبا، من جانب، وسلطت الضوء على القيود الهيكلية التي تعيق طموحات الدوحة في الظهور كوسيط إقليمي كبير، من جانب آخر، إذ لم تكن قطر قادرة على الضغط على طالبان لتقديم تنازلات جوهرية.
ونوه الباحثان بالمجلس الأطلسي إلى أن الأيديولوجيات الراديكالية في أفغانستان وموقعها الجغرافي الاستراتيجي في قلب آسيا الوسطى يعني أن أي مشاكل تواجهها البلاد ستصبح مخاوف إقليمية ودولية، وأشار إلى أن الفترة من الغزو السوفيتي عام 1979 إلى الغزو الأمريكي عام 2001 ، تظهر أن التصعيد المسلح له آثار غير مباشرة يتردد صداها خارج أفغانستان.
ولذا لا يمكن حل المعضلة الأفغانية بجهود دولة واحدة، إذ تُظهر التجارب السابقة أن استغلال الفراغ الأمني والسياسي في أفغانستان لتسوية حسابات قديمة قد أدى إلى نتائج مدمرة لا تزال مستمرة حتى اليوم.
ويرى الباحثان ضرورة تحديد دول الخليج للمدى الذي ينبغي أن تتعامل خلاله مع النظام الإسلامي المتشدد، وأشارا إلى "إجماع" تطور بشكل تدريجي حول الحاجة إلى متابعة تفاعلات منخفضة المستوى مع طالبان لمعالجة المخاوف الأمنية والإنسانية في أفغانستان.