سلمى حداد - الخليج أونلاين-
بصورة متسارعة تشهد العلاقات الاقتصادية بين السعودية والهند تطوراً ملحوظاً بالسنوات الأخيرة، وذلك في ظل مساعي المملكة لتوسيع أنشطتها وتنويعها، ومحاولة نيودلهي لتصبح قطباً صناعياً عالمياً، وسط ما تواجهه الصين من عقبات خلفتها جائحة كورونا والحرب الاقتصادية مع الولايات المتحدة.
هذه العلاقات توجها توقيع السعودية والهند، الاثنين 11 سبتمبر الجاري، عشرات الاتفاقيات الاستثمارية بقطاعات مختلفة، وذلك بعد يوم واحد من إعلان خطة لإطلاق ممر اقتصادي جديد يربط الهند بالمملكة والإمارات وصولاً إلى أوروبا، سيكون بوابة لمرحلة جديدة في سوق التجارة العالمية.
53 اتفاقية جديدة
كشف وكيل وزارة الاستثمار السعودية بدر البدر عن توقيع المملكة والهند 53 اتفاقية ومذكرة تفاهم في قطاعات استثمارية وعقارية وسياحية وتجارية، وذلك على هامش الزيارة الرسمية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى نيودلهي.
وقال البدر، في تصريحات لقناة "العربية" السعودية، إن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة على هامش منتدى الاستثمار الهندي السعودي تضمنت نحو 47 اتفاقية للقطاع الخاص، و6 اتفاقيات بين الحكومة والقطاع الخاص.
وأوضح أن الاتفاقيات الموقعة في قطاعات الطاقة والطاقة المتجددة والتصنيع، وتبلغ قيمتها نحو 3.5 مليار دولار.
علاقات عميقة
هذه الاتفاقيات امتداد لعلاقات اقتصادية وسياسية متينة بين الرياض ونيودلهي، حيث يقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين بنحو 52 مليار دولار.
وتعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري للسعودية، بينما تعد المملكة رابع أكبر شريك تجاري للهند، وثاني أكبر مورد للنفط إلى الهند، كما تبرز الجالية الهندية في المملكة مصدراً رئيساً للتحويلات الأجنبية في الهند.
التطور الكبير في العلاقات السعودية الهندية بدأ بعد تأسيس "مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي - الهندي" في عام 2019.
وتقدم الرياض فرصاً عديدة للشركات والمستثمرين الهنود، نظراً إلى الخبرة التي يمتلكونها، لا سيما في المجالات الرئيسة، مثل البناء وتكنولوجيا المعلومات والصلب والألمنيوم والصناعات، ويبلغ عدد الشركات الهندية العاملة في السعودية أكثر من 2000 شركة، في حين يبلغ عدد شركات المملكة في الهند نحو 40 شركة.
وقال السفير الهندي لدى الرياض سهيل خان، في تصريحات صحفية سابقة: "هناك عدد كبير من الشركات الهندية المسجلة في السعودية، وتعمل في قطاع تقنية المعلومات، وكذلك البناء والقطاع الخدمي".
وأضاف: "إن الشركات الهندية مهتمة بالفرص الاستثمارية التي توفرها رؤية 2030، وكذلك لديها اهتمام كبير بممارسة الأعمال التجارية وتوقيع العقود مع الجانب السعودي في مختلف المجالات والمشاريع".
وحول العلاقات الثنائية بين البلدين قال محمد شاهد عالم، القنصل العام لجمهورية الهند بالرياض، في مقال كتبه بصحيفة "عكاظ" المحلية، في 15 أغسطس الماضي: "لم يعد التعاون الهندي السعودي اليوم مقصوراً على المجال التقليدي لتجارة النفط والطاقة فقط، وبدلاً من ذلك أصبحت العلاقة متعددة الأوجه والمجالات".
وبيّن عالم: "هذا التعاون جاء بفضل الزخم الذي أعطته قيادتا البلدين لمجالات أخرى، ومن ذلك الدفاع والأمن البحري ومكافحة الإرهاب والعلوم والتكنولوجيا واحتياطيات النفط الاستراتيجية والاستثمارات والسياحة، وما إلى ذلك".
وتابع: "لقد جاءت هذه المودة في وقت تجري فيه برامج الإصلاح الاقتصادي الضخمة في المملكة العربية السعودية، التي ستقدم الهند لها كل دعمها، وستكون شريكاً في جميع المجالات الممكنة".
وتأكيداً لعمق العلاقات بين الدولتين، قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في مقطع فيديو بثته وسائل إعلامية هندية رسمية بالتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي إلى بلاده: "باعتبارنا اقتصادين من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، إن تعاوننا المتبادل مهم للسلام والاستقرار في المنطقة بأسرها".
وأضاف: "تعتبر الهند السعودية واحدة من أهم شركائها الاستراتيجيين".
لماذا الهند؟
لكن لماذا اختارت السعودية الهند من بين كافة دول العالم لتعمق علاقتها وشراكتها الاستراتيجية معها إلى هذه الدرجة؟
تعد الهند ثالث أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، بعد الصين والولايات المتحدة، بمتوسط يومي يتجاوز 4.2 ملايين برميل، بحسب بيانات منظمة "أوبك"، وهي من كبار مستوردي النفط من المملكة.
كما أن شهدت الهند خلال العقود الأخيرة قفزة اقتصادية كبرى جعلتها في مصاف الدول ذات الاقتصاد القوي عالمياً، وهو ما تبحث عنه المملكة في إطار إصلاح اقتصادها وتنويعه وفق رؤيتها 2030.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصبح نيودلهي رابع أعلى ناتج محلي إجمالي بحلول عام 2027.
وتشير التوقعات الاقتصادية للنمو العالمي إلى أن الهند في عام 2050 ستكون قطباً حقيقياً في الساحة الاقتصادية الدولية.
وتعمل الحكومة الهندية منذ سنوات على إطلاق مبادرات لتطوير قطاع التصنيع في البلاد، والذي يسهم حالياً بنسبة 14% فقط في الناتج المحلي الإجمالي الهندي، وهو أيضاً ما يلفت انتباه المملكة التي بدأت تهتم بالاستثمار في القطاع الصناعي.
وفي العام 2020 أعلنت الهند تقديم أرض مساحتها ضعف مساحة لوكسمبورغ (تبلغ مساحة لوكسمبورغ 2586 كيلومتراً مربعاً) لعرضها على الشركات الراغبة في نقل نشاطاتها الصناعية إلى خارج الصين، وبدأت بالتواصل مع ألف من الشركات الأمريكية متعددة الجنسية، حسب ما أوردت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية.
وتسعى الهند من وراء ذلك إلى احتلال مكانة الصين في أن تتحول إلى مركز للصناعات العالمية، خاصة أنها تملك بنية تحتية قوية وأيدي عاملة رخيصة.
ووفق تقرير اقتصادي حديث صدر عن "مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية المحدودة"، وأوردته شبكة "سي إن بي سي" الاقتصادية الأمريكية، فإنه من المرجح أن يتفوق النمو الاقتصادي للهند على نظيره الصيني.
وأفاد التقرير بأنه من المقرر أن تصبح الآسيوية ثالث أكبر اقتصاد بحلول نهاية هذا العقد، مما يعني أن طلبها على السلع سيرتفع.
وأضاف أنه "من المقرر أن ينمو طلب الهند على السلع الأساسية بسرعة، بدعم من التركيبة السكانية المواتية والتوسع الحضري والنمو في التصنيع والصادرات وبناء البنية التحتية".
ومن المتوقع أيضاً أن يرتفع الطلب السنوي في الهند على السلع الأساسية مثل النفط والفحم والغاز والنحاس والألمنيوم والصلب بشكل جماعي إلى أكثر من 5% من العام 2022 وحتى عام 2030.
ويعني تركيز الحكومة الهندية المتزايد على تطوير البنية التحتية وتحول الطاقة والنفقات الرأسمالية أيضاً أن الطلب على الصلب والحديد سيرتفع هناك.
ومنذ سنوات قليلة تعمل السعودية على ضخ استثمارات كبيرة في قطاع التعدين ضمن استراتيجية وضعتها لتنويع إيرادات اقتصادها.
وتستحوذ السعودية حالياً على نسبة 40% من سوق المعادن والتعدين في الشرق الأوسط وأفريقيا بـ60 مليار ريال سعودي (16 مليار دولار).
وفي أكتوبر الماضي، قال وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف، في تصريحات صحفية: إن "السعودية تسعى لإطلاق ثروة معدنية تقدر قيمتها بنحو 1.3 تريليون دولار".
أي فائدة لاقتصاد السعودية؟
وحول الفائدة التي قد يجنيها اقتصاد السعودية من الشراكة مع الهند قال المحلل الاقتصادي عاصم أحمد: إن "اقتصاد المملكة يملك إمكانات كبيرة للنمو والازدهار، لكنه يواجه تحديات كبيرة؛ منها اعتماده الشديد على النفط والغاز، ولذلك تسعى السعودية إلى تنويع اقتصادها وتعزيز القطاعات غير النفطية، ومن ذلك الصناعة والتعدين".
وأضاف المحلل الاقتصادي في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن "الهند تعد من أكبر الاقتصادات في العالم، وتتمتع بقطاع صناعي قوي ومتنوع، ولذلك فإن التعاون الصناعي بين الرياض ونيودلهي يمكن أن يحقق العديد من الفوائد للاقتصاد السعودي".
ومن هذه الفوائد زيادة الصادرات السعودية إلى الهند من المعادن ومنتجات الطاقة المختلفة، وبينها الطاقة النظيفة التي بدأت المملكة بالاعتماد عليها.
كما يمكن للتعاون بين البلدين جذب مزيد من الاستثمارات إلى كليهما، وخاصة زيادة استثمارات الهند في المملكة، وفق الخبير الاقتصادي.
ورأى أن تعاون المملكة مع الهند في القطاع الصناعي سيؤدي إلى تطوير الصناعات بالسعودية، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخل أساسي للدولة، علاوة على أنه سيخلق فرص عمل كثيرة، وهو ما يحقق استراتيجية المملكة بخفض معدلات البطالة إلى 7% بحلول العام 2030.
وأشار إلى أن من أبرز الصناعات التي يمكن أن يتعاون فيها الجانبان، الصناعات التحويلية والتكنولوجية، إضافة للصناعات الخضراء، وتلك المرتبطة بإنتاج الطاقة النظيفة مثل الهيدروجين الأخضر.