يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تبدو السعودية مستعدة لضخ مليارات الدولارات لاستغلال أكثر من 1.3 تريليون دولار من المعادن، التي تقول إنها مدفونة في بواطن مختلفة من أراضي المملكة، لكنها إلى جانب ذلك تخطط للذهاب إلى أبعد من ذلك بالتنقيب عن المعادن في قارة أخرى.
وبينما كانت التحالفات بين واشنطن والرياض عسكرية سياسية على نحو رئيس، يبدو أن الخلافات الأخيرة تدفع الجانبين إلى المضي في تحالف جديد للتنقيب عن ثروات اقتصادية تتمثل بالمعادن، وهذه المرة عبر بوابة القارة الأفريقية التي توصف بـ"ذات الكنز الوفير".
وتتجه الأنظار إلى أهم 3 دول أفريقية منتجة للمعادن عام 2023، في إطار وفرة المعادن الحيوية والعناصر الأرضية النادرة في أفريقيا وتنوُّعها وجودة مواردها؛ وهي الدول التي تخطط الرياض وواشنطن للتنقيب عن المعادن فيها، وهو أمر يطرح تساؤلات، مفادها: ما الذي يدفع السعودية إلى الذهاب نحو أفريقيا؟
تحالف في المعادن
تتجه أنظار العالم إلى أفريقيا، في إطار وفرة المعادن الحيوية والعناصر الأرضية النادرة فيها وتنوعها وجودة مواردها؛ ما جعل الثروة المعدنية في القارة السمراء ركيزة لتحوُّل الطاقة العالمي في الوقت الحالي.
مؤخراً كشف تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية (10 سبتمبر 2023)، عن وجود مباحثات تجريها كل من السعودية والولايات المتحدة الأمريكية؛ للحصول على المعادن من أفريقيا؛ وذلك لمساعدتهما على التحول في مجال الطاقة.
الصحيفة أشارت إلى أن مشروعاً سعودياً تدعمه الحكومة سيشتري حصصاً في أصول تعدينٍ قيمتها 15 مليار دولار في دول أفريقية، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا وناميبيا، مما يسمح للشركات الأمريكية بالحصول على حقوق شراء بعض الإنتاج.
وقالت الصحيفة إن صندوق الاستثمارات العامة تواصل مع الكونغو في يونيو الماضي؛ للاستثمار في الكوبالت والنحاس والتنتالوم بالبلاد، من خلال مشروع مشتركٍ حجمه 3 مليارات دولار مع شركة معادن تسمى "منارة المعادن للاستثمار" (منارة)، والتي تركز أيضاً على خام الحديد والنيكل والليثيوم.
ولفتت إلى أن البيت الأبيض يسعى للحصول على دعم مالي من صناديق الثروة السيادية الأخرى في المنطقة، لكن المحادثات مع السعودية أحرزت تقدماً أكبر، حسبما جاء في التقرير.
وإذا ما تحقق الحلم جزئياً، فسيكون لذلك آثار تتجاوز المنطقة، ليس فقط بالنسبة للتعدين، بل أيضاً بالنسبة لعلاقات السعودية مع الولايات المتحدة والصين والأسواق الناشئة التي تقترب المملكة منها.
أفريقيا.. حيث المعادن
أصبحت المعادن الحيوية في أفريقيا، التي تعد ضرورية لتنفيذ التقنيات النظيفة وإرساء أمن الطاقة، عامل جذب للشركات العالمية البارزة في مجال الطاقة والتعدين.
يأتي ذلك مع استمرار تحول الطاقة في تحفيز الطلب، ووسط الاكتشافات الجديدة لمكامن معدنية واسعة النطاق، وفقاً لما نشرته مؤخراً منصة "إنرجي كابيتال آند باور" (Energy Capital & Power).
وتمثل جمهورية الكونغو الديمقراطية إحدى أغنى الدول في جميع أنحاء العالم من حيث الاحتياطيات المعدنية الحيوية، ولديها القدرة على أن تصبح مركزاً منافساً للتعدين على مستوى العالم، حيث تحتوي على 70% من احتياطيات الكوبالت في العالم، وهو معدن رئيس لإنتاج السيارات الكهربائية والبطاريات.
وتمتلك الكونغو الديمقراطية أكبر منجم ينتج ما يصل إلى 95 ألف طن، أو ما يقرب من 41% من الإنتاج العالمي.
أما ناميبيا التي تعد ثاني دولة ترغب الرياض في الدخول إليها، فهي موطن لمكامن كبيرة من العناصر الأرضية النادرة وضمن ذلك الديسبروسيوم والتيربيوم الضرورية لإنتاج مغناطيس دائم في بطاريات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، وكذلك اليورانيوم، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي عام 2020، أنتجت البلاد 12% من اليورانيوم بجميع أنحاء العالم، لتحتل المرتبة الثانية في إنتاج هذا المورد بعد كازاخستان.
بدورها تعتبر غينيا موطناً لمجموعة متنوعة من المعادن القيمة ذات الجودة العالية، وهي ثاني أكبر منتج للبوكسيت في العالم؛ حيث تمثل نحو 22% من الإنتاج العالمي، كما تستضيف أكبر احتياطي غير مستغل من خام الحديد في العالم، إضافة إلى أنها سابع أكبر منجم للذهب في أفريقيا.
خدمة الطرفين
يرى السياسي والمحلل الاقتصادي د.عادل عبد العزيز الفكي، أن خطوات المملكة الحالية تتوافق مع رؤية 2030 التي أعلن عنها ولي العهد السعودي في 2020، من خلال تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد السعودي، من غير القطاعات النفطية كقطاع "المعادن".
ويؤكد "الفكي" لـ"الخليج أونلاين"، أن الاستثمارات الخارجية للسعودية يقوم بها صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يهدف إلى "البحث عن الفرص الاستثمارية الجديدة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بهدف تعظيم أصول الصندوق وتنويع مصادر دخل المملكة".
ويلفت إلى أن شركات الصندوق "تركز على الاستثمار في عدة قطاعات استراتيجية، منها البنية التحتية، والتطوير العقاري، والتعدين، والرعاية الصحية، والخدمات المالية، والأغذية والزراعة، والتصنيع وضمن ذلك التصنيع العسكري والاتصالات والتقنية".
ووفق الفكي تستصحب أنشطة الصندوق السيادي الاستثمار في الاقتصاد الأخضر، للوفاء بالتزامات المملكة العربية السعودية في ما يلي التغيرات المناخية ورؤية كوب 27 لمعالجة التغيرات المناخية.
ويلفت إلى أن أفريقيا "تمثل كنزاً مخبأ من المعادن الرئيسة المطلوبة لمختلف الصناعات، حيث تعتبر الكونغو وغينيا بلدين في غاية الأهمية بالنسبة للاستثمارات في قطاع المعادن بأفريقيا".
ويعتقد أن التعاون السعودي الأمريكي في الاستثمار بقطاع المعادن بأفريقيا "يخدم استراتيجية كلا الطرفين"، مبيناً أن "المملكة تستفيد من التقدم التقني الأمريكي الهائل في مجال الاستشعار عن بعد للكشف عن المعادن، والتقنيات الأمريكية التي تعمل على أعماق سحيقة".
كما يعتقد أن هذا التعاون في حال تم البدء به "سيخدم استراتيجية الولايات المتحدة في محاصرة النشاط الاقتصادي للصين بأفريقيا، خصوصاً الاستثمار في قطاع المعادن".
اهتمام سعودي
لم يكن الاهتمام السعودي وليد اللحظة حسب ما تناقلته وسائل الإعلام الأمريكية، بل بدأ منذ عدة أشهر، فقد أكد نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين السعودي خالد المديفر (فبراير 2023)، الدور الحيوي الذي ستؤديه منطقة التعدين الجديدة الناشئة لبلاده، والتي تمتد من أفريقيا إلى وسط وغرب آسيا، في تلبية الطلب العالمي على المعادن.
وقال المديفر في كلمته بمؤتمر التعدين الأفريقي "إندابا 2023" في كيب تاون بجنوب أفريقيا، بعنوان "شركاء أفريقيا: المملكة العربية السعودية": "إننا في المملكة جنباً إلى جنب، مع كثير من دول العالم، متفائلون بشأن المعادن والفلزات في القارة خلال عام 2023".
وأشار إلى التركيز على قطاع التعدين في أفريقيا من خلال الاهتمام بمعادن تحويل الطاقة، مثل: النحاس والبلاتين والليثيوم والنيكل والكوبالت.
وحتى نهاية 2022، كشفت المملكة أن عدد المجمعات التعدينية في السعودية وصل إلى 377 مجمعاً، بمساحة إجمالية 44365 كيلومتراً مربعاً، موزعة على 13 منطقة، حيث تقدر قيمة المعادن داخل السعودية بـ1.3 تريليون دولار.
وإلى جانب تطوير المناجم المحلية، وما تخطط له بالدخول إلى أفريقيا، تريد المملكة شراء الموارد من أماكن أُخرى ليتم تكريرها ومعالجتها في منشآت جديدة داخل المملكة، كما حدث في يوليو الماضي، حينما أعلنت الرياض عن أول دفعة كبيرة لها في مجال التعدين الدولي.
وقالت إنها شاركت في صفقة بقيمة 3.4 مليارات دولار في البرازيل، حيث اشترت حصة في وحدة المعادن الأساسية التابعة لشركة "فايل إس إيه" Vale SA إلى جانب صندوق الاستثمار "إنجين رقم 1".