سايمون هندرسون- معهد واشنطن-
تمثل التصريحات الرسمية في الاجتماع الأخير "للوكالة الدولية للطاقة الذرية" تنازلاً فعلياً عن موقف السعودية التفاوضي بشأن التطبيع مع إسرائيل.
في البيان الحكومي الرسمي المرفوع إلى المؤتمر العام "للوكالة الدولية للطاقة الذرية" في 25 أيلول/سبتمبر، أفاد وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، بما يلي: "اتخذت المملكة، مؤخراً، قراراً بإبطال العمل بـ «بروتوكول الكميات الصغيرة»، والتحوّل إلى التطبيق الكامل لـ «اتفاق الضمانات الشاملة». وتعمل المملكة، في إطار منظومتها الوطنية، على وضع الآليات اللازمة لهذا التطبيق الكامل، وفقاً لأفضل الممارسات والتجارب الدولية بهذا الخصوص". ويكمن وراء هذه المصطلحات تحول دبلوماسي كبير، عبّر عنه الأخ غير الشقيق للزعيم الفعلي للمملكة، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ومع ذلك، لا يزال البيان يثير سؤالين جوهريين: متى اتُخذ القرار ومتى سيدخل حيز التنفيذ؟
إلى جانب الضمانات الأمنية الأمريكية والوصول إلى التكنولوجيا العسكرية، يقوم أحد العناصر الرئيسية في مطالب السعودية للموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل على الوصول إلى التكنولوجيا النووية المدنية الأمريكية. وهذا الطلب مثير للجدل، ويُعزى السبب جزئياً إلى تصريحات ولي العهد المتكررة (بما في ذلك الأسبوع الماضي فقط) بأن المملكة ستسعى للحصول على قنبلة ذرية إذا حصلت إيران على واحدة، كما يرجع إلى تردد الرياض سابقاً في قبول ضمانات "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بما يتوافق مع رغبتها المعلنة في إنشاء محطات للطاقة النووية واكتساب القدرة على تخصيب اليورانيوم. فالتخصيب بمستوى منخفض ينتج وقوداً مناسباً لمحطات الطاقة المدنية، ولكن يمكن استخدام مستويات أعلى من التخصيب لصنع قنبلة نووية.
وفي 23 أيلول/سبتمبر، بعد وقت قصير من تصريح محمد بن سلمان لشبكة "فوكس نيوز" بأن المملكة "ستضطر إلى الحصول" على سلاح نووي إذا حصلت إيران على سلاح نووي، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن وجود "مشاكل كبيرة" تتعلق باحتمال التخصيب السعودي. ويشير الموقف الذي عبرت عنه المملكة في مؤتمر "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" هذا الأسبوع إلى أنه يمكن إيجاد حل بديل، أو أن العمل يجري بالفعل للتوصل إليه.
ويحد "بروتوكول الكميات الصغيرة" الحالي الذي تطبقه الرياض بشكل كبير من وصول "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" إلى برنامجها النووي، ولم يعد هذا الترتيب مناسباً منذ فترة طويلة نظراً للأنشطة الحالية للمملكة ونواياها المعلنة. وتعرّف "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" اتفاق الضمانات الشاملة على أنه يمنح الوكالة "الحق والالتزام بتطبيق الضمانات على جميع المواد المصدرية أو المواد الانشطارية الخاصة المستخدمة في جميع الأنشطة النووية السلمية التي تُباشر داخل أراضي الدولة أو تحت ولايتها أو التي يتم تنفيذها تحت سيطرتها في أي مكان، وذلك حصراً من أجل التحقق من عدم تحويل هذه المواد إلى أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية أخرى".
بالإضافة إلى ذلك، وكما تُظهر الخلافات المستمرة حول التزامات إيران النووية، تفسّر "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" "القانون 3.1" على النحو التالي: حالما تتبنى السعودية اتفاق ضمانات شاملة، سيتعين عليها تزويد الوكالة بمجموعة واسعة من المعلومات وحقوق التفتيش (على سبيل المثال، الوصول إلى جميع المباني في أي موقع ستتواجد فيه مواد نووية، بغض النظر عن الاستخدام المحدد لكل مبنى). وفي المقابل، ادعت إيران أن مثل هذه المعلومات لا ينبغي تقديمها إلا من قبل الدول التي توافق على «البروتوكول الإضافي» "للوكالة الدولية للطاقة الذرية"، والذي يفرض التزامات إضافية بشأن إعداد التقارير وعمليات التفتيش. وتستطيع السعودية توضيح جوانب هذه المسألة بسهولة وتجنب مثل هذه النزاعات إذا حذت حذو معظم الدول الأعضاء الأخرى في "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" وقبلت باتفاق ضمانات و"البروتوكول الإضافي".
وتتجلى التداعيات العملية لهذه القضايا من خلال المفاعل النووي للأبحاث المتوقع أن يبدأ عملياته في السعودية عما قريب. ووفقاً لتفسير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، يتعين على المملكة تقديم خططها لجميع المنشآت في هذا الموقع النووي بالقرب من العاصمة والسماح بتفتيشها حتى لو لم توقع على "البروتوكول الإضافي"، كما هو موضح في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في آب/أغسطس 2020.
وبالمثل، لا تحتاج "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" إلى توقيع السعودية على "البروتوكول الإضافي" للضغط عليها من أجل تفسير أنشطتها النووية السابقة أو السماح للمفتشين بالتحقق من صحة هذه التفسيرات. وتشير تقارير مثيرة للقلق إلى أن المملكة كانت "الزبون الرابع" (بعد ليبيا وإيران وكوريا الشمالية) لخبير الانتشار النووي الباكستاني الراحل، عبد القدير خان. وعلى الرغم من أن خان فقد نفوذه على الأنشطة النووية لبلاده منذ عام 2003، إلا أن محمد بن سلمان التقى بقادة في الجيش وغيرهم من كبار المسؤولين خلال زيارته التاريخية إلى إسلام آباد عام 2019، بينما سافر الرجل القوي - القائد - العسكري الباكستاني والزعيم النووي الفعلي، الجنرال عاصم منير، إلى المملكة لعقد محادثات سرية دامت عدة أيام في كانون الثاني/يناير من هذا العام.
وفي هذا السياق ونظراً إلى غياب التفاصيل والجداول الزمنية المحددة في بيان الأمير عبد العزيز "للوكالة الدولية للطاقة الذرية"، يجب على واشنطن وشركائها الاستمرار في طرح الأسئلة الصعبة حول النوايا النووية للمملكة. ومع ذلك، لا يزال البيان موضع ترحيب لأنه يقترح سبيلاً للتغلب على حاجز محتمل على مسار التطبيع الإسرائيلي السعودي.