كامل جميل - الخليج أونلاين-
السعودية وباكستان وتركيا، ثلاث دول تمثل أهمية كبيرة على مستوى القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، لا يمكن التغافل عن تأثير كل منها على مستوى الإقليم والعالم، لا سيما بوجود شراكة بينها تتجسد على المستوى العسكري.
ما يزيد من أهمية القوة السعودية الباكستانية التركية أنها دول مسلمة، ومن الدول الإسلامية الفاعلة أيضاً، لطبيعة هذه الدول ولما تتفرد به كل واحدة منها.
السعودية القوة الاقتصادية المهمة ذات التأثير الكبير على أسعار الطاقة في العالم، إلى جانب تركيا التي تواصل تحقيق إنجازات كبيرة في مجال الصناعات العسكرية المتطورة، وهما أيضاً من بين دول العشرين الاقتصادية.
باكستان الدولة التي تمثل قوة عسكرية شديدة الأهمية؛ لا سيما أنها دولة نووية وتأتي بالمركز السادس بين الدول التسع المالكة للسلاح النووي بامتلاكها 160 رأساً نووياً.
الرياض وأنقرة وإسلام آباد تسعى اليوم إلى وضع خطة مشتركة في مجال القدرات الدفاعية، وتطوير البحث العلمي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الدفاع وتوحيد الجهود التقنية وتوطينها في الدول الثلاث.
شراكة ثلاثية
العلاقات الباكستانية مع كل من السعودية وتركيا، يمكن وصفها بالمثالية؛ يجسدها تعاون كبير في مجالات عديدة.
العلاقات السعودية التركية تعززت كثيراً على نحو إيجابي، منذ أبريل 2022، وتتميز بتعاون واسع شمل المجال العسكري أيضاً.
في يوليو الماضي، أعلن وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، توقيع الخطة التنفيذية للتعاون الدفاعي مع نظيره التركي ياشار غولر، وقال إنها تأتي "تتويجاً لمسار التعاون بين البلدين في المجالين الدفاعي والعسكري".
في 6 أغسطس 2023 وُقعت في العاصمة السعودية اتفاقية ومذكرتي تفاهم بين المملكة وتركيا لتوطين صناعة الطائرات المسيرة والأنظمة المكونة لها داخل السعودية.
كما وقعت الشركة الوطنية للأنظمة الميكانيكية (NCMS) مذكرتي تفاهم مع شركتي "أسيلسان" و"روكتسان" التركيتين؛ لتوطين صناعة الذخائر والمستشعرات البصرية لمنظومة الطائرات المسيرة وتصنيعها داخل المملكة، وفق الوزارة السعودية.
وبين تركيا وباكستان تعاون عسكري كبير، خاصة في مجال الصناعات العسكرية، فضلاً عن اتفاقيات تعاون في مجالات عسكرية أخرى.
في 2018، وقعت أنقرة وإسلام آباد صفقة لإنتاج شركة "أسفات" التركية 4 طرادات في إطار مشروع "ميلغم" لمصلحة البحرية الباكستانية، على أن يجري تصنيع اثنتين منها في تركيا، ومثلهما في باكستان. تسلمت باكستان جميع السفن وآخرها كانت في أغسطس الماضي.
ذلك كله جعل الرياض وأنقرة وإسلام آباد يقفون على رؤية واحدة في إنشاء تحالف ثلاثي، يعزز قوتهم العسكرية والدفاعية.
الإسراع في التعاون الدفاعي
طموح البلدان الثلاثة تجسد بتكوين لجنة ثلاثية، أجرت اجتماعها الأول في أغسطس 2023 بالرياض، شارك فيه نائب وزير الدفاع التركي جلال سامي توفكجي، ومساعد وزير الدفاع السعودي طلال بن عبد الله بن تركي العتيبي، ومن القوات المسلحة الباكستانية الفريق محمد سعيد.
بحث الاجتماع سبل تعزيز التعاون الدفاعي، بحسب بيان لوزارة الدفاع السعودية. وعقدت الوفود المشاركة عقب الاجتماع مجموعات عمل ثنائية خاصة.
اجتماع مجموعة العمل السعودية-التركية تناول خارطة الطريق المتعلقة بالتعاون في مجال الصناعات الدفاعية، ونقل التكنولوجيا وتوطينها، وتطوير البحث العلمي.
اللجنة الثلاثية عادت واجتمعت للمرة الثانية في إسلام آباد، السبت (13 يناير 2024)، بحضور مساعد وزير الدفاع السعودي طلال بن عبد الله العتيبي، ورئيس هيئة الأركان بالقيادة العامة للجيش الباكستاني الفريق الركن محمد أويس، ونائب وزير الدفاع التركي جلال سامي توفيكي.
بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع السعودية، بحث الاجتماع خارطة التعاون المشترك في مجال القدرات الدفاعية، ونقل وتوطين التقنية، وتطوير البحث العلمي.
كما تطرق الاجتماع إلى مستجدات التعاون في المجال الدفاعي، ومجال القدرات الدفاعية، والبحث العلمي النوعي، ونقل وتوطين التقنية.
ووفق بيان صادر عن الجيش الباكستاني، اتفق المجتمعون على تعزيز التعاون الثلاثي فيما بين دولهم بمجال الصناعات الدفاعية.
وأضاف البيان أن الاجتماع الثاني من نوعه ناقش سبل التعاون الممكنة في مجال تقنيات المعدات الدفاعية، ومن ضمن ذلك البحث والتطوير.
وجددت الدول الثلاث خلال الاجتماع تأكيدها على أهمية توحيد الموارد الفكرية والتقنية والمالية والبشرية فيما بينها؛ لتحقيق الأهداف المشتركة في مجال الدفاع وتحقيق الاكتفاء الذاتي بهذا الخصوص.
المسؤولون العسكريون المشاركون في الاجتماع أكدوا كذلك على "العلاقات التاريخية والأخوية بين تركيا وباكستان والسعودية"، وفق البيان.
واتفقوا على عقد النسخة الثالثة من الاجتماع الثلاثي في فبراير المقبل، بالعاصمة السعودية الرياض.
التعاون التكاملي
المحلل السياسي محمود علوش، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، يشير إلى أهمية كبيرة للشراكة بين الدول الثلاث، ليس فقط لمصالح البلدان الخاصة بل يمتد إقليمياً وإسلامياً.
يرى علوش أن للسعودية وتركيا وباكستان ثقلاً على المستوى الإسلامي والإقليمي، لافتاً إلى أن أي تعاون بين هذه الدول، سواء على المستويات العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية وغيرها "لا شك يزيد من تأثير وقوة هذه الدول ودورها فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية أو فيما يتعلق بقضايا العالم الإسلامي".
ويجد علوش أيضاً أن التعاون بين هذه الدول هو "الحالة الطبيعية التي يفترض أن تكون"، مبيناً أن بإمكان هذا الثلاثي أداء دور كبير في "تمثيل والتعبير عن القضايا الإسلامية لا سيما أمام المحافل والسياسات الدولية".
وفق ذلك يعتقد علوش أن هذا التعاون "يكتسب اليوم أهمية كبيرة لا سيما في ظل هذا الوضع المضطرب الذي يطرأ على النظام العالمي وهذا أيضاً يمنح الفرصة للقوى الإقليمية لا سيما السعودية وتركيا وباكستان للعب دور أكبر في تشكيل السياسات الإقليمية".
ميزة التعاون بين هذه الدول أنه "تعاون تكاملي"، وفق المحلل السياسي محمود علوش، الذي يقول إن لدى باكستان قدرات عسكرية في المجال النووي، ولدى تركيا قدرات عسكرية كبيرة في مجال الصناعات الدفاعية، والسعودية مهتمة إلى حد بعيد بتطوير علاقاتها العسكرية مع كل من تركيا وباكستان، وتمتلك إمكانيات اقتصادية كبيرة لتمويل مشاريع التسليح والصناعات الدفاعية وغيرها.
هذه الميزات التي ذكرها علوش، بحسب ما يقول، "تخلق نوعاً من التعاون التكاملي بين هذه الدول تساعد كل طرف على أن يحقق ما يريده من هذه الشراكة".