طه العاني - الخليج أونلاين-
على مدار السنوات الثلاث الماضية، شهدت العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وحركة طالبان الأفغانية تطوراً ملحوظاً، وصلت إلى مرحلة من التعاون والتقارب.
ويعكس هذا التحول تغيرات جيوسياسية في المنطقة، ورغبة الأطراف المختلفة في إعادة ترتيب أولوياتها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
وفي تطور يؤكد حرص البلدين على تنمية العلاقات الثنائية، قام وزير داخلية أفغانستان خليفة سراج الدين حقاني، في 4 يونيو الجاري، بزيارة الإمارات على رأس وفد يضم رئيس الاستخبارات العامة المولوي عبد الحق وثيق، والتقى مع الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية "وام"، فإن الجانبين بحثا خلال اللقاء في أبوظبي "تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، وسبل تنميتها بما يحقق المصالح المشتركة، ويسهم في استقرار المنطقة، خاصة في المجالات الاقتصادية والتنموية ودعم الإعمار والتنمية في أفغانستان".
حالة من التقارب
وهذا اللقاء ليس الأول منه نوعه، حيث سبق أن استقبل الرئيس الإماراتي، في ديسمبر 2022، وزير دفاع حركة طالبان الملا محمد يعقوب في أبوظبي، حيث ركزت المناقشات حينها على استعادة الأمان التشغيلي لمطارات أفغانستان.
وكانت الإمارات واحدة من الدول القليلة التي حافظت على قنوات اتصال مفتوحة مع طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان، في أغسطس 2021، وذلك رغم الانسحاب الأمريكي والفوضى التي تبعته.
وترمي هذه العلاقات إلى تحقيق أهداف متعددة، تشمل الجوانب الأمنية والاقتصادية والسياسية، مع مراعاة التأثيرات الإقليمية والدولية.
كما تعود هذه العلاقة إلى اعتبارات استراتيجية، حيث تسعى الإمارات لتعزيز دورها كوسيط مؤثر في النزاعات الإقليمية والدولية، بينما ترى طالبان بها شريكاً اقتصادياً محتملاً يمكن أن يسهم في إعادة بناء أفغانستان بعد عقود من الحرب.
إضافة إلى ذلك، فإن التحولات الإقليمية والدولية، من ذلك المنافسة بين القوى الكبرى واستمرار التوترات في منطقة الخليج، دفعت البلدين إلى تبني نهج أكثر براغماتية في سياساتهما الخارجية.
ووفقاً لمؤسسة "كارنيغي" الأمريكية للسلام الدولي، فقد تعاملت الإمارات، منذ أغسطس 2021، مع واقع أن "إمارة أفغانستان الإسلامية هي الحكومة الفعلية الوحيدة في البلاد، لذا فقد رأت أبوظبي في هذا الوضع فرصة لتعزيز مكانتها كشريك ذي قيمة للقوى الغربية، بجانب دورها الإنساني".
وعلى الصعيد السياسي، اتبعت الإمارات نهجاً متوازناً وحساساً، فبينما استضافت الرئيس المخلوع أشرف غني على أراضيها، أشارت في تصريحاتها الأولى عن سيطرة إمارة أفغانستان الإسلامية، في عام 2021، إلى "الشعب الأفغاني الشقيق" بحسب ما نقلته المؤسسة الأمريكية.
وتجلى هذا السعي -وفقاً للمؤسسة- من خلال المساعدات التي قدمتها الإمارات لإجلاء الدبلوماسيين الأجانب، و28 ألف مواطن أفغاني عند استعادة طالبان السيطرة على البلاد، إضافة إلى إمدادات الغذاء والإغاثة.
سياسة ناعمة
وعن هذه العلاقات يقول الباحث في الشؤون السياسية والإقليمية هاني الجمل لـ"الخليج أونلاين":
الإمارات انتهجت مع حكومة طالبان سياسة الاعتراف الناعم، باعتبار أن أفغانستان أصبحت إمارة إسلامية، وأصبح هناك وضع شائك لها إقليمياً ودولياً بعد خروج القوات الأمريكية.
الإمارات استطاعت أن تقوم بنوع من أنواع الوساطة الجيدة بعد سيطرة طالبان على الحكم، كإجلاء الدبلوماسيين الأجانب، وأكثر من 28 ألف مواطن أفغاني، كما قدمت مواد إغاثية مباشرة للداخل الأفغاني كرسالة تقارب.
استطاعت أبوظبي أن تجعل لها كينونة في التعامل مع الحركة، ومن ثم محاولة أن تكون هناك جسور للتواصل طبقاً للرؤية الدولية، وأن يكون لها أيضاً تأثير في الداخل الأفغاني.
رغم الرفض الدولي لحركة طالبان فإن الإمارات وجدت لها مخرجاً في هذا الأمر، من خلال تقديم نفسها باعتبارها الدولة العربية الإسلامية التي تستطيع أن تكون عنواناً للتسامح الديني، مثل استضافتها لحوار الأديان و"البيت الإبراهيمي"، ما جعلها محط أنظار الدول الكبرى بأن تواصلها مع "طالبان" يجعله نوعاً من أنواع تخفيف تشددها.
أهمية هذا التقارب تكمن في محاولة الحد من التوافق الإيراني مع طالبان، حيث إن معسكر الصقور في إيران يتوافق بشكل كبير جداً مع معسكر الصقور في حركة طالبان، ومن ثم فهذا التوافق ينعكس سلباً على المصالح الإماراتية.
الإمارات استبقت هذه الخطوة بمدّ جسور التواصل مع حركة طالبان لتفويت الفرصة على النظام الإيراني بالسيطرة على حركة طالبان، ومن ثم استطاعت أن تجد لها موطئ قدم في داخل الحركة، ووجدنا تأثير ذلك بأن أصبحت طالبان والإمارات شركاء ضمن "مبادرة الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين.
سياسة الاعتراف الناعم التي تنتهجها الإمارات لها تأثير إيجابي في تغيير أيديولوجية وتكوينات المنظمات الراديكالية وقبولها لدى المجتمع الدولي وإنتاجها بشكل جديد.
هذا الأمر يتوافق مع الرؤية الدولية التي تعمل على التسامح وحرية المرأة وحرية التعبير وتداول السلطة، وألا تكون هناك دولة قائمة على نسق ديني دون أن يكون هناك بعد نظر سياسي أو اقتصادي متوازٍ.
أشكال الدعم والتعاون
وتؤكد الإمارات باستمرار التزامها بمواصلة دورها الإنساني تجاه الشعب الأفغاني، من ذلك دعم جهود الحكومة الأفغانية لتحقيق المصالحة الوطنية، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية شاملة.
وعملت دولة الإمارات بالتعاون مع اليابان، في ديسمبر الماضي، على صياغة القرار رقم "2721" بشأن أفغانستان، الذي يهدف "لتعزيز العملية المبيَّنة في التقييم المستقل بشأن أفغانستان، بما يشمل تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة لتعزيز تنفيذ توصيات التقييم".
وأضافت البعثة: "يؤكد القرار أن الهدف من هذه العملية هو أن تعيش أفغانستان في سلام داخلياً ومع جيرانها، وأن يعاد دمجها بشكل كامل في المجتمع الدولي، مع المشاركة الآمنة والكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة الأفغانية".
وقالت لانا زكي نسيبة، مندوبة الإمارات لدى مجلس الأمن عقب اعتماد القرار حينها: إنه "يمثل نهجاً دولياً مبدئياً وعملياً يتمحور حول المصالح الأفغانية، ويمهد الطريق لأفغانستان مزدهرة وسلمية وآمنة ومستقرة".
كما قدمت الإمارات مساعدات إنسانية كبيرة للشعب الأفغاني، خاصة في ظل الأزمة الإنسانية التي تعصف بالبلاد بعد سيطرة طالبان، تشمل هذه المساعدات توزيع الأغذية، وتوفير الرعاية الصحية، وبناء المدارس والمستشفيات.
ومن أبرز مظاهر تطور العلاقات بين الحركة والإمارات الاتفاق المبرم بين الهيئة العامة للطيران المدني الإماراتية وسلطات طالبان لتوفير خدمات المساعدة الأرضية والأمنية في المطارات الأفغانية الرئيسية، فيما أعلنت الهيئة، في مايو 2022، أن العقد يمتد لـ18 شهراً، ويشمل مطارات كابل، وقندهار، وهرات.
وبدأت شركتا الطيران الاقتصاديتان الإماراتيتان "العربية للطيران" و"فلاي دبي"، تسيير رحلات إلى مطار كابل الدولي.