علاقات » دول أخرى

بين الخليج والهند.. ما وراء التبادل بالعملات المحلية والتجارة الحرة؟

في 2024/08/18

كامل جميل - الخليج أونلاين-

يبدو أن دول الخليج تسير على طريق تقليل اعتماد الدولار في التبادلات التجارية مع بلدان أخرى، يرافقه سعي لاعتماد التجارة الحرة؛ وهو ما يراه مراقبون خطوة مهمة للخلاص من سطوة الدولار الأمريكي.

أحدث ما جاء قي هذا الشأن ما ذكرته وكالة "رويترز"، الجمعة (16 أغسطس الجاري)، أن البنك المركزي الهندي أبلغ البنوك التي تتعامل مع الإمارات بتسوية جزء على الأقل من مدفوعاتها التجارية باستخدام عملتي البلدين الروبية والدرهم مباشرة.

ونقلت الوكالة عن مصادرها القول إن بنك الاحتياطي الهندي لم يحدد للبنوك هدفاً بعينه، لكنه طلب منها إبلاغه بانتظام بحجم هذه المدفوعات. 

ووفق أحد المصادر، فإن بنك الاحتياطي الهندي قال: إن البنوك "يجب أن تسعى أولاً إلى تدفق مماثل بالدرهم من بنك آخر عند سداد المدفوعات للإمارات، وذلك لتشجيع تطور سوق الروبية والدرهم".

وهذا يعني أن البنوك ستسعى للحصول على سعر الروبية مقابل الدرهم من بنك آخر، وتجنب الذهاب إلى السوق لتحويل الروبية إلى الدولار أولاً ثم الدولار إلى الدرهم.

تشير الوكالة إلى أن هذه الإرشادات تعد أكبر من دعوة البنك المركزي للبنوك في 2023، لتسهيل مثل هذه المدفوعات بعد زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الإمارات. 

وتأتي هذه الخطوة في إطار محاولات الهند زيادة تسوية المعاملات التجارية بالروبية والحد من الاعتماد على الدولار، وهو ما تطمح إليه معظم الدول.

علاقات الهند والخليج

وبين الهند ودول الخليج العربي علاقات تزداد أهمية لا سيما في المجال الاقتصادي، وأبرز ما يميزها هو:

حجم التجارة الخارجية لدول الخليج مع الهند يبلغ 115 مليار دولار سنوياً، منها 28 مليار دولار للصادرات الهندية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، و87 مليار دولار للصادرات الخليجية إلى الهند.

تأتي الهند في المرتبة الثالثة على قائمة المستوردين الرئيسيين من دول مجلس التعاون، بحصةٍ قدرها 1.12%.

تأتي الهند في المرتبة الثالثة على قائمة المصدرين الرئيسيين إلى دول المجلس بحصةٍ قدرها 6.8%.

 تستضيف السوق الخليجية 10 ملايين هندي من بين الأيدي العاملة الأجنبية.

مبادلة العملة

واتفاقيات مبادلة العملة، أو "سواب" كما تسمى بالإنجليزية تمثل:

أحد الأساليب التي تستخدمها البلدان لتمويل جزء من مبادلاتها التجارية.

يتم من خلالها دفع قيمة جزء من المبادلات التجارية بين البلدين بالعملات المحلية لهما.

يكون ذلك بأسعار محددة مسبقاً لسعر الصرف، دون استخدام عملة ثالثة، مثل الدولار الأمريكي.

تحدد مدة استمرار عملية التمويل هذه حسب اتفاق الطرفين.

تلك الخطوة يراها الخبير الاقتصادي د. محمد موسى، "صائبة"، مؤكداً أن العالم كله بعد الحرب الروسية الأوكرانية بات ينظر إلى التبادل التجاري بالعملات الوطنية كحاجة أساسية.

وأضاف د. محمد موسى في حديث لـ"الخليج أونلاين": "نحن اليوم أمام مشهد جديد: كل التجارة الدولية لا تريد البقاء تحت رحمة الدولار الأمريكي".

بالدرهم والريال والروبية

يوم (25 نوفمبر 2022) كشف سنجاي سودهير، السفير الهندي لدى الإمارات، أن البنكين المركزيين في البلدين يتناقشان في شأن آلية محتملة للتبادل التجاري بالعملتين المحليتين، بحسب وكالة "رويترز".

سودهير قال للصحفيين في نيودلهي: إن "التجارة بالروبية والدرهم ستساعد على تقليل تكاليف الصفقات، في وقت يتطلع فيه البلدان إلى تعزيز التجارة بموجب اتفاق للتجارة الحرة".

ووقعت الهند مطلع 2023 اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الإمارات؛ لمساعدة المصدرين الهنود على الاستفادة من الإمارات، التي تمثل مركزاً تجارياً، لتعزيز إمكان الوصول إلى الأسواق في أفريقيا وأوروبا.

الحديث عن تبادل تجاري بالعملات المحلية مع الإمارات هو الثاني بين الهند ودولة خليجية؛ حيث أعلنت الحكومة الهندية، في 19 سبتمبر 2022، أنها بحثت جدوى تأسيس تبادل تجاري مع السعودية بالعملتين المحليتين: الروبية والريال.

جاء الإعلان الهندي على هامش انعقاد اجتماعات مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي-الهندي بالعاصمة الرياض، برئاسة وزيري الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، والتجارة والصناعة الهندي بيوش جويال.

التحرر من سطوة الدولار

الخبير الاقتصادي محمد موسى يرى أن تفكير دول الخليج في التبادل التجاري بالعملات المحلية بعيداً عن الدولار، "ينطلق من مصالحها الوطنية بالمقام الأول، وبالمقام الثاني تمتلك دول الخليج القابلية للتفاوض من موقع القوة، بسبب امتلاكها الوقود".

ويرى موسى أن "الفكر الاقتصادي الخليجي بدأ ينطلق من الأولويات الوطنية؛ وبناءً عليه لا أستبعد أن يأخذ هذا الاتفاق حيزاً". 

ويقول إن التبادل التجاري بالعملات المحلية يشكل من ناحية أخرى، "رافداً أساسياً" للعلاقات بين الدول، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تمنع وقوع الدول تحت "سطوة العقوبات وغيرها من الأمور مع أمريكا".

أما سبب بحث دول الخليج عن اتفاقيات تعاون مثل هذه، فيرى موسى أنها وليدة "قلق" من سياسات الولايات المتحدة؛ وعليه بدأت الدول الخليجية تبني منظومة دعامتها الأولية وهي البعد الاقتصادي.

يستشهد موسى بالخطوات التي اتخذتها دول خليجية وما حققته من إنجازات ومنها "رؤية 2030" في السعودية، والتوجه الاقتصادي الذي تتبناه سلطنة عُمان، وسياسات التبادل التجاري التي تتخذها الإمارات، وقوة بنوك قطر واحتضانها بطولة كأس العالم لكرة القدم.

وعليه يقول: "دول الخليج باتت تملك رؤية اقتصادية حقيقية تؤهلها لأن تكون خلال السنوات العشر القادمة، في مصاف الدول الأولى بالعالم".  

موسى يرى أنه قريباً ستشهد دول الخليج والهند ولادة تبادل تجاري بالعملات المحلية، والصين أيضاً، ولا يستبعد روسيا كذلك في اللحاق بالركب نفسه؛ مع تحولات "أوبك+" والعلاقة المستجدة بين كل من السعودية والإمارات مع روسيا.

تعزيز التجارة مع الهند يأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي، ويتضح ذلك من خلال استئناف مفاوضات التجارة الحرة بين الهند ودول المجلس.

بالنسبة للتجارة بين الطرفين يعتقد د. محمد موسى، أنها آخذة في التصاعد منذ فترة، كما يعتقد أن هناك دولاً أخرى سترغب في ذلك مثل تركيا وكوريا الجنوبية والصين.

ويرى أن التجارة الحرة تمنح راحة للطرفين وتخلق مزيداً من الترابط التجاري والثبات والقوة الاقتصادية، ويعتقد أن ذلك يشمل الخليج بجميع دوله، وليس دولاً معينة في التعاطي مع الهند وغيرها من الدول، بحسب قوله.

ويعتقد موسى أن التجارة الحرة "تشكل لبنة أساسية في التحول القائم بالنظام العالمي ككل على المستوى السياسي الذي سينعكس على المستوى الاقتصادي".

وأضاف: "انطلاقاً من أن هناك تحولات، على مستوى الحرب التي تجري بين روسيا وأوكرانيا، على الخارطة السياسية العالمية، هناك تحول أيضاً على المستوى الاقتصادي".

ويعتقد المحلل الاقتصادي في ختام حديثه، أن دول الخليج ستكون رائدة في هذا المضمار على المستوى الاقتصادي؛ "لذلك هي اليوم أكثر حاجة ومرونة لتطبيق مثل هذه الاتفاقات مع هذه الدول وفي مقدمتها الهند، التي تعتبر دولة أساسية في الاقتصاد العالمي".