د. أشرف كشك
كان ولايزال أمن منطقة الخليج العربي يستحوذ على جلّ اهتام الدول والمنظمات الغربية انطلاقاً ما تمثله تلك المنطقة من أهمية استراتيجية بالغة، بالنظر لموقعها الجغرافي الذي يضم عدداً من الممرات الحيوية للتجارة العالمية، فض اً عن استمرار الأهمية النفطية لتلك الدول، بالرغم ما ي ردد بشأن اكتشافات النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثمّ فقد تصدت القوى الغربية – منذ الانسحاب البريطاني من شرق السويس والخليج العربي وحتى الآن- لكافة المحاولات التي استهدفت تغير موازين القوى القائمة في تلك المنطقة، وذلك بانتهاج استراتيجيات عديدة بلغت حدّ استخدام القوة العسكرية عندما تطلب الأمر ذلك. ومن جانبها ومع التسليم بأن الدول الصغرى دائماً ما تسعى لبناء شراكات دفاعية مع القوى الدولية الفاعلة في النظام الدولي، فإنّ ذلك الأمر كان أكر إلحاحاً بالنسبة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي لا تكمن مخاوفها في صغر مساحتها فحسب، ولكن في كونها دولاً لديها ثروات نفطية وتقع ضمن محيط إقليمي يشهد حالة من الاضطراب المزمن، نتيجة استمرار الراع الإقليمي-الإقليمي، والإقليمي الدولي على تلك المنطقة وعجزها عن التحول لمفهوم القوة الموازنة ضمن تلك التفاعلات، ومن ثمّ فقد حرصت دول مجلس التعاون منذ استقلالها وحتى الآن على بناء سلسلة من الشراكات الدفاعية على مستوى العالم سواء مع الدول أو المنظمات الكبرى. وعى الرغم من أهمية تلك الشراكات لجهة الحفاظ على أمن دول المجلس من ناحية والحفاظ على معادلة التوازن الإقليمي الخليجي التقليدية من ناحية أخرى، فإنّ ثمّة تغرّاً شهدته البيئتان الإقليمية والعالمية، وبخاصة بعد عام 2011 ومن ذلك تغيّر استراتيجيات بعض الدول الكبرى تجاه أمن منطقة الخليج العربي، الأمر الذي يطرح تساؤلات خمسة أولها: ما هي أهمية التحالفات الدفاعية الدولية لدول مجلس التعاون؟ وثانيها: ما هي المستجدات التي طرأت على واقع هذه التحالفات، وثالثها: ما مدى تأثر البيئة الإقليمية والدولية على العلاقات الخليجية-الغربية؟، ورابعها: هل تعدّد تلك الشراكات كان ميزة استراتيجية لدول المجلس أم عبئاً عليها؟ وخامسها: ماهي الخيارات العملية لدول مجلس التعاون في ظل تغرّ تلك الشراكات؟ الإجابة عن تلك التساؤلات ستكون محوراً لهذا المؤلّف الذي يتناول علاقات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بكل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، في محاولة لتحليل واقع تلك العلاقات واستشراف آفاقها المستقبلية، وبخاصة بعد التحولات التي شهدها العالم العربي عام 2011 والتي لاتزال آثارها آخذة في التصاعد، وسوف تترك تغيرّات عميقة ليس فقط على أمن الخليج، وإنّما على النظام الإقليمي برمّته.