راي- الراي الكويتية-
إذا، لم ترَ الحكومة حلاً لمشكلة البلد الاقتصادية إلا بدعوة المواطنين والمقيمين للمشاركة في تحمل جزء من العبء عبر رفع متدرج للدعوم وتحرير بعض الأسعار ما يستتبع بالتالي ارتفاعاً غير مسبوق في كلفة المعيشة.
مجدداً، لم تفعل الحكومة ذلك عن تخطيط ودراسة بل عن رد فعل مستعجل نتيجة انخفاض أسعار النفط التي كان الكثيرون يحذرون من أنها قد لا تبقى في مستوياتها. وبما أن رد الفعل نتج عن سبب فهل للحكومة أن تخبرنا من الآن عن خطوتها الجديدة إذا زال السبب أو عن «رد فعلها» المقبل وعادت أسعار النفط إلى ما فوق المئة دولار للبرميل؟ سؤال بسيط لكن إجابته لا يمكن أن تأتي من إدارة لم تمتهن التخطيط يوماً ولم تضع بشكل علمي خريطة للقادم من السنوات.
تنزل أسعار النفط نرفع الدعوم... ترتفع أسعار النفط نعيد الدعوم؟ سؤال كاريكاتوري في الشكل محزن في المضمون.
الأمر الآخر الذي يجب أن يدركه المعنيون، أن هبوط أسعار النفط ما كان ليحدث كل هذا الهلع لو كان جسم الدولة رياضياً ورشيقاً وقادراً على الحركة والتقدم. تعاقبت الحكومات ومعها البرلمانات على إبقاء هذا الجسم في غرف العناية تحت حجة أنها غرف «خمس نجوم»، مارس وزراء ونواب ومديرون ومسؤولون كل ما من شأنه إتعاب هذا الجسم بالغذاء الخطأ والممارسات الخطأ والسلوكيات الخطأ والدواء الخطأ والعلاج الخطأ والحلول الخطأ. تكدست الشحوم داخل الشرايين وعلى الجلد، وانتشرت كل أنواع الأمراض الإدارية والاستهلاكية والصحية والتربوية والتعليمية والثقافية والطائفية والعنصرية والرياضية والفنية. أما الرؤية فغابت وتوارت بسبب السكر الذي أمنته «حلاوة» الحكومات والمجالس.
لا جسد متعافياً ولا رؤية حاضرة... لكن المنظر لم يكن بذاك الوضوح لأن غرف العناية «خمس نجوم» كل ما فيها من ديكور وخدمات شخصية حاضر بينما العلاج غائب.
هذا الجسم المترهل، المليء بالشحوم، المتكدس بالأمراض، المتثاقل الخطوات، الضعيف النظر، وجد نفسه فجأة في غرفة عناية من «أربع نجوم» تليها غرفة أخرى بنجوم أقل. وهو يواجه اليوم أزمة مداخيل وإمدادات. هذا الجسم لم تكن غرفة العناية الاستهلاكية مكانه أصلاً، كانت ميادين الحياة والعمل والإنتاج هي المكان المناسب. لم يكن بحاجة إلى واسطة كي يحظى بوظيفة ويجلس في الغرفة بدل مكتبه. لم يكن بحاجة إلى كل الدسم المفرود أمامه لإشباع نهم من موائد المسايرة وحشد الولاء والاستفادة من الصفقات السياسية بل كانت وجبة صحية تكفيه غذائياً و«تكفيه» شرور الإدارات السيئة وسمومها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
هذا الجسم لو كان رشيقاً متعافياً، لما أصيبت الدولة بالهلع من أزمة اقتصادية بسبب تراجع أسعار النفط. لو كانت وظائفه تسير بانتظام وتناغم لما تقاعس عن السير والتقدم واللحاق بالآخرين. لو اعتمد مبدأ «درهم وقاية خير من قنطار علاج» لما وضع كل علاجاته وأدويته وملفاته وغذائه في سلة الذهب الأسود بل نوع المصادر ووزعها على أكثر من سلة.
ترتفع أسعار النفط نعيد الدعوم؟
صدقاً المشكلة ليست في النفط وأسعاره، هي في جسم الدولة المتخم بشحوم الإدارة المعتنقة شعار«نبيع نفطاً وندفع رواتب»، وما لم نعد لهذا الجسم حيويته ورشاقته وعافيته وأساليب الحياة الصحية فالحركة المتثاقلة اليوم ستصبح شللاً في الغد لن تنفع كل العلاجات في شفائه... حتى لو ارتفع سعر برميل النفط إلى 200 دولار.