عبدالله بن ربيعان- الحياة السعودية-
في معظم الدول، وقبل أن تقرر الحكومة الدخول في سياسة تقشفية، يجري استثناء ذوي الدخول المنخفضة لمنع تأثرهم سلباً بالسياسة الجديدة، بأن تصرف لهم مقدماً بطاقات تموينية، أو كوبونات مجانية لاستهلاك قدر معين من المياه والكهرباء أو غيرهما من الخدمات الأساسية. لكن في السعودية جرى رفع الدعم كلياً أو جزئياً عن النفط والكهرباء والماء من دون تفرقة بين طبقة وأخرى. وبالطبع هنا موضع الخلل، والمتأثر بالدرجة الأولى هم محدودو الدخل (منخفضو الدخل ومتوسطو الدخل الأقرب إلى منخفضي الدخل منهم لتصنيف الطبقة الوسطى العليا). وسياسة تعويض الطبقة المنخفضة الدخول هي إحدى السياسات التي يستخدمها صندوق النقد الدولي عند تدخله لإصلاح اقتصاد دولة، وبالطبع فإن سياسة الصندوق هي سياسة حادة وقوية لكنها مع ذلك تضمن عدم تأثر الطبقة المنخفضة الدخل. في المملكة، ومع انخفاض أسعار النفط وفقد الحكومة لما يزيد عن 55 في المئة من دخلها، كان لا بد من استخدام سياسة تقشفية في الإنفاق ومن ضمنها خفض حجم الدعم أو إلغاؤه كلياً عن بعض الخدمات التي تقدمها الحكومة. وبالتأكيد لا أحد يجادل حول ضرورة ذلك، لكن الجدل حول كيفية إدارة هذه السياسة بحيث لا تتأثر الفئة الأقل دخلاً سواء من منخفضي الدخول أو من متوسطي الدخول الذين يمكن أن ينزلق تصنيفهم إلى الأدنى.
وعلى رغم قيام جهات الحكومة بالفصل بين القطاع التجاري والقطاع السكني أو الأسري، وعمل فاتورة وشرائح للقطاع الثاني أقل من الأول، في النهاية ستتحمل الأسر تكلفة القطاعين معاً، بطريقة مباشرة وغير مباشرة. فمثلاً في فاتورة الماء، سيدفع المواطن فاتورة منزله الخاصة بطريقة مباشرة، لكنه سيدفع أيضاً فاتورة القطاع التجاري بطريقة غير مباشرة نتيجة لرفع هذا القطاع أسعاره بما يعادل نسبة ارتفاع تكاليفه نتيجة رفع سعر الخدمات عليه. وهذا ما يسمى في كتب المالية بنقل العبء خطوة إلى الأمام، فالمنتج ينقلها لتاجر الجملة، وتاجر الجملة ينقلها لتاجر التجزئة، والأخير ينقلها للمستهلك الأخير الذي هو المواطن في هذه الحالة. وفي عودة إلى فاتورة الماء التي كانت موضع جدل ونقاش وأخذ ورد خلال هذا الأسبوع، واضح أن الخلاف ليس على نسبة الرفع، فالتكلفة على الورق ما زالت معقولة، لكن ما فوجئ به الناس على أرض الواقع كان بخلاف الكلام النظري الذي سوّقته وزارة المياه وشركتها عليهم. وزيادة على ذلك، فالوزارة والشركة لم تعترفا بأي أخطاء على رغم أن ما عرض على وسائل التواصل الاجتماعي من صور لفواتير بألوف الريالات، وقراءات مختلفة بين ما يسجله العداد وما كتب في الفاتورة كان واضحاً فيها الخطأ. إلا أن الوزارة وشركتها حمّلتا المواطن السبب، وردّد مسؤولاهما كلمة «تسريبات المياه» في أكثر من لقاء متلفز ومنشور، وهو ما لا يتفق مع الواقع فعلاً.
وبالطبع، فإن لغة الوزارة والشركة زادت الطين بلة كما يقولون، فخطاب الوزارة وشركتها كان غير موفقاً البتة، ولم تنجح الوزارة في إقناع الناس بشيء، بل نجحت فعلاً في خلق مزيد من التذمر من الوزارة وخطابها وفاتورتها.
وفي عودة إلى ضمان عدم تأثر الطبقة المنخفضة الدخل، سيؤثر رفع الدعم (كله أو بعضه) عن الوقود والماء والكهرباء أولاً في هذه الطبقة. وحتى مع محاولة تكيّف هذه الطبقة مع الفواتير الجديدة إلا أنها لن تستطيع. فالظروف المعيشية لهذه الطبقة لا تساعدها على اقتناء سيارات جديدة واقتصادية في الوقود، ولا السكن في بيوت حديثة تتوافر فيها سباكة حديثة وأجهزة مرشدة للماء، وهو ما يجعل الفاتورة على هذه الطبقة «حارة» بالفعل لأنها (بالنسبة والتناسب) هي من سيتأثر أكثر برفع الدعم مقارنة بغيرها من الطبقات.
ختاماً، الترشيد مطلوب، ورفع الدعم جزئياً عن بعض الخدمات أمر مبرر، لكن إدارة الانتقال من سياسة الإنفاق إلى سياسة التقشف والترشيد هي الأهم في الوقت الحالي بما يضمن عدم تأثر الطبقة المحدودة الدخل، وانزلاقها إلى خط الفقر، فالفقر لا يولّد إلا مزيداً من الفقر ومزيداً من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لأي مجتمع يتفشّى فيه.