القبس الكويتية-
محزن أن نرى الصراع يحتدم بين الحكومة وبعض المواطنين على «عصب الاقتصاد الكويتي» ولقمة عيش أبنائنا.. محزن ما رأيناه خلال الساعات الماضية، من شحن وتهديد ووعيد كبَّد الكويت خسائر مالية فادحة، تقدر بعشرين مليون دينار حتى هذه اللحظة، وربما أكثر.. محزن أن نرى «المضربين» يرفعون سقف الاضراب رغم علمهم بكارثة تبعات اضرابهم، واكثر حزنا عندما نرى الحكومة تفقد السيطرة في هكذا مشهد، وتلمح إلى الاستعانة بعمال نفطيين من دول شقيقة، وتفشل في إقناع المضربين الكويتيين بالاحتكام الى الدستور وقوانين دولة المؤسسات، دون الإضرار بمصالح البلد والأجيال القادمة.
أيها السيدات والسادة، إن ما تعيشه الكويت اليوم من فجوة مخيفة بين الحكومة والمواطن سببه «أزمة ثقة» تكدست وأفضت بعلاقة الطرفين الى طريق مسدود.. وأنامل الاتهام اليوم لا يجب أن تصوب على «المضربين» فقط، فالتخبط الحكومي على صعيد الخطط والقرارات والتصريحات الإعلامية جعلت من «أزمة الثقة» أشد تعقيدا، وأضحى المواطن يعيش في هاجس مخيف وأزلي، بأن أول الحلول الحكومية دائما ما تكون مصوبة على «جيب المواطن البسيط».. فما الحل إذن؟
من يعيد قراءة تاريخ الأمم العظمى، عندما تحل بهم الأزمات السياسية والاقتصادية، وتضطر الحكومات عندئذ لاتخاذ إجراءات استثنائية لإنقاذ كيان الدولة من الانهيار، فإن أول ضحايا حكومات تلك الأمم هم «وزراؤها».. والسبب بسيط جداً، فتكريس المصداقية والثقة بين الحكومات والشعوب كلفته باهظة جدا، ولا تتم حتى تنفذ الحكومات تلك الإصلاحات على نفسها أولا، وتجعل من تطبيقها عبرةً لمن لا يعتبر.. فعلى سبيل المثال، في انجلترا عندما دكت الأزمة المالية لندن قبل سنتين، أخذ رئيس الوزراء «ديفيد كاميرون» قراراً تاريخياً بتجميد راتبه ورواتب وزراء حكومته لمدة خمس سنوات لمواجهة العجز في الميزانية، وعلى الرغم من أن المبلغ الإجمالي الذي ستوفره مبادرة كاميرون ستصل 800 ألف جنيه استرليني في العام فقط، بيد أن صداها كان عظيما جدا، وجعل من عملية إقناع الشعب بالتقشف أكثر سهولة.
في فرنسا أيضا لم يكن الوضع مختلفا، ففي الجلسة الاستشارية الأولى لحكومة «جان مارك ايرولت»، وافق أعضاء الحكومة على تبني قانون يقضي بخفض رواتبهم 30 بالمئة، تحسباً للأزمة الاقتصادية وقتذاك.
العالم العربي لم يكن بمعزل عن تلك التضحيات، فقد أقر مجلس الوزراء في تونس تخفيض رواتب الوزراء وكتاب الدولة (وكلاء الوزارات) بنسبة 10%، بهدف ترشيد نفقات الدولة.
جميع ما سبق ذكره من إجراءات، لم تكن إلا تمهيدا من الحكومات الى شعوبها لاتخاذ إجراءات غير مسبوقة، وكأنما تمد تلك حكومات كفها الى شعوبها لتُعيينَها على تجاوز محنتها.. وهذا ما غاب عن حكومات الكويت المتعاقبة على مدى السنوات الماضية: فالإصلاح يجب أن يبدأ من البيت الحكومي أولا! التغيير والترشيد والتقشف لابد أن يطبق على الوزراء قبل الجميع لتكريس مبدأ المصداقية وإعادة بناء الثقة المعدومة.. فالحكومة بأَمسْ الحاجة اليوم الى تضحيات كبيرة حتى تقنع المواطن الكويتي بجدوى خططها التقشفية، فإن اتخذ وزراء الحكومة الحالية قرارا تاريخيا بالتنازل عن مكافآتهم السنوية، أو تقليص رواتبهم، أو التنازل عن امتيازات السيارات وبدلات السفر والصحة.. حينها فقط سيقتنع المواطن بخطة الترشيد والتقشف، دون اللجوء الى الاضراب، وإن كان الاضراب خاطئاً.