شؤون خليجية-
ثلاث أزمات هيكلية تهدد عروش وامبراطورية أثرياء الخليج تعاقب الأجيال أي خلافة الجيل التالي في الشركات العائلية، وانهيار أسعار النفط والأزمات الجيوسياسية المحيطة بالمنطقة، وفي ظل فشل اتفاق تجميد الإنتاج وفشل مسار التسويات السياسية بالملفات الإقليمية يبدو أن أزمة الأثرياء ستكون أكثر حدة في ظل تزايد السياسات التقشفية وعجز الميزانية للحكومات الخليجية.
أزمات متزامنة ومتنامية
رصد رئيس الثروات في مصرف «جي بي مورغان الخاص» دانيال فليمينغ اشتاري، في تصريح إلى «الحياة» اليوم الاثنين 18 بريل 2016 أن الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال تواجه التحدي الأزلي والأول أمامها وهو تبني خطة واضحة وقوية لخلافة الجيل التالي. مشيراً إلى أن دول الخليج العربية تعتمد إلى حد كبير على عائدات النفط، وتستفيد الشركات العائلية المحلية من الأثر الاقتصادي غير المباشر لذلك. لكن بقاء أسعار النفط متقلبة واستمرار اضطراب البيئة الجيوسياسية، يترك تأثيراً سلبياً في الشركات العائلية، ولا سيما بعد بدء الحكومات المحلية في التقشف وضغط موازناتها، وهو ما يولد أعمالاً تجارية أقل للشركات العائلية.
عمليات اندماج
قال "اشتاري"، بأننا نشهد عمليات اندماج بين الشركات العالمية لإدارة الثروات مع الشركات الصغرى بعد تراجع قدرة الأخيرة على تحمّل ارتفاع تكاليف المتطلبات المتعاظمة لجهات التنظيم والرقابة. ويبرز هذا الاتجاه أيضاً على صعيد الشركات المحلية لإدارة الثروات، فالإجراءات والقواعد التنظيمية تتطور سريعاً بمعدل لا تتمكن جميع الشركات من مواكبته، فلا يبقى على قيد الحياة إلا أقواها. وقال: "شهدنا خلال الأعوام الـ25 الماضية عملاء أصحاب الثروات الضخمة، وأصحاب الثروات فائقة الضخامة، كانوا يوظفون الشركات المحلية الصغيرة لإدارة استثماراتهم المتخصصة في مجالات معينة، فحققت لهم بعض النجاحات. لكننا ما زلنا ننتظر ظهور المؤسسات المحلية الحقيقية لإدارة الثروات المتمكنة من توفير جميع الخيارات المتنوعة للاستثمارات العالمية، ومصادر الائتمان فضلاً عن خبرات هيكلة الثروات."
كيفية إدارة الثروات
وبشأن التخطيط السليم لإدارة الأثرياء لثرواتهم، أشار "اشتاري" إلى أن المطلوب من مديري الثروات التحول من عقلية التاجر أو الوسيط إلى العمل على توزيع الأصول وبناء المحافظ بما يضمن تلبية حاجات تنوع العملاء أصحاب الثروات الضخمة، وأصحاب الثروات فائقة الضخامة. وقال: «الحقيقة أننا رأينا بعض التحول في هذا الاتجاه من خلال ازدياد عدد المتخصصين المحليين ذوي التعليم العالي في السوق». وأشار إلى أن المخاطر الجيوسياسية المترافقة مع أسعار النفط المتقلبة تؤدي إلى بروز صعوبات أكبر أمام أصحاب الثروات الضخمة، أو الثروات فائقة الضخامة لتنمية ثرواتهم كما اعتادوا في الماضي. وما زالت مخزونات النفط مرتفعة، إذ يزيد العرض على الطلب العالمي بما يساوي مليوني برميل يومياً.
تحديات تواجه الشركات العائلية
بحسب "اشتاري" لا توجد تحديات رئيسة جديدة أمام الشركات العائلية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأن التحدي الأزلي والأول لتبنيها خطة واضحة وقوية لخلافة الجيل التالي ما زال قائماً. وعلى رغم أننا رأينا تحسناً على هذا الصعيد إلا أنه ليس كافياً. أما التحدي الثاني والقديم أيضاً، فهو أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعتمد إلى حد كبير على عائدات النفط، إذ تستفيد الشركات العائلية المحلية من الأثر الاقتصادي غير المباشر لذلك. لكن بقاء أسعار النفط متقلبة واستمرار اضطراب البيئة الجيوسياسية، يترك تأثيراً سلبياً في الشركات العائلية، إذ بدأت الحكومات المحلية في التقشف وضغط موازناتها، ما يولد أعمالاً تجارية أقل للشركات العائلية. وهكذا نرى أن التنويع الجزئي للاستثمارات بعيداً عن المنطقة قد يشكل تحوطاً جيداً من التبعية المحلية للنفط.
مشاركة الجيل التالي
طالب "اشتاري" الشركات العائلية بأن تشرك الجيل التالي في وقت باكر جداً بفهم أعمالها، ويتم ذلك عبر تدريبه خلال مرحلة المدرسة الثانوية أو توظيف أفراده في أول درجات سلم المناصب بعد تخرجهم من الجامعة، فمن المهم جداً أن يدرك الجيل الأصغر ويقدر حجم الجهد والعمل المبذول لتشغيل وإدارة الشركة العائلية لتبقى أعمالها ناجحة، وبينما قد تفهم رغبة الجيل الأكبر في الشركات العائلية والإغراء الذي يتعرضون له لترقية أولادهم سريعاً إلى مناصب أعلى في الشركات العائلية، إلا أن عليهم الحرص على منحهم الفرصة لتجربة وإتقان جميع جوانب أعمال شركاتهم، فالخبرة المتراكمة المناسبة ذات أهمية كبرى لمستقبل أعمالهم. وطالب الشركات العائلية أن تضع أيضاً سياسات شاملة للحوكمة في الشركة العائلية وبين أفراد الأسرة بحيث تكون منطقية وسهلة التنفيذ. أما المبالغة في وضع الخطط المعقدة لحوكمة الشركة والأسرة فقد يكون له آثار مدمرة على الشركة العائلية بدلاً من تنميتها، ولا يساعد بالضرورة في استدامة أعمالها.
تراجع ثروات المليارديرات العرب
يعد عام 2015 عاماً قاسياً على أصحاب المليارات في جميع أنحاء العالم، بما فيها منطقة الشرق الأوسط، حيث شهد المليارديرات العرب انخفاضاً في صافي ثرواتهم بنسبة 23.8%.
ورصد تقرير “فوربس الشرق الأوسط”، أن الخسائر القاسية لم تمنع البعض من تحقيق مكاسب مهمة، فتعززت قائمة المليارديرات العرب بانضمام إماراتيين اثنين هما حسين السجواني بثروة تقدر بـ3.2 مليارات دولار، وعبدالواحد الرستماني بثروة تعادل 1.3 مليار دولار، إضافة إلى القطري الشيخ فيصل بن قاسم آل ثان، والعماني سهيل بهوان، كما أوردت صحيفة "الأنباء"، أما على صعيد أكبر الأثرياء، فحافظ الأمير الوليد بن طلال، رغم تكبده خسارة قاربت 20% على المرتبة الأولى بنحو 17.3 مليار دولار، وتصدّرت السعودية الدول العربية من حيث حجم الثروات بإجمالي قدره 34.6 مليار دولار، تلتها الإمارات مع 19.7 مليار دولار.
توجهات أصحاب الثروات
وأكد تقرير سابق لـ"بنك الإمارات للاستثمار" الذي حمل عنوان: "الثروات في دول مجلس التعاون الخليجي لـ2016"، عن تحول واضح نحو الاستثمارات المحافظة، حيث بات أصحاب الملاءة المالية المرتفعة في الخليج أكثر تجنباً للمخاطر، ويتبعون نهجاً دفاعياً فيما يتعلق بتخصيص ثرواتهم.
وكشف التقرير أن 24% من أثرياء الخليج يميلون لزيادة حجم مخصصاتهم للنقد أو الودائع، و9% للذهب والمعادن الثمينة، ويفضل 76% ممن تتجاوز أصولهم الاستثمارية مليوني دولار إبقاءها قرب بلدانهم، فيما يرى 24% من المستثمرين أن تنويع المخاطر أكثر الأسباب لاستثمارهم خارجاً، ويركز 86% من ذوي الملاءة المالية المرتفعة على تنمية ثرواتهم بدل الاحتفاظ بها، في حين يهتم 52% بالاستثمارات المباشرة – الأسهم الخاصة، وانخفاض المخصصات المزمعة للاستثمارات العقارية، وينظر 83% من الأثرياء المستطلعة آراؤهم بتفاؤل حول الاقتصاد الخليجي خلال الخمسة أعوام القادمة، لكن مع بعض الحذر على المدى القصير.
وكانت آراء ذوي الملاءة المالية المرتفعة الأقل إيجابية في الكويت والبحرين والسعودية، حيث قال 8% فقط من المشاركين في كل دولة أنهم يشعرون بتحسن الوضع.
تفاقم أزمة النفط
في مؤشر على تفاقم أهم أزمة تهدد أثرياء الخليج فشل اجتماع الدوحة في التوصل لاتفاق بشأن تثبيت الإنتاج بما يرفع الأسعار، وقرر الاجتماع الوزاري الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة وضم ممثلين عن 18 دولة منتجة للنفط من داخل منظمة أوبك ومن خارجها، تأجيل بحث الاتفاق بشأن تثبيت إنتاج النفط حتى اجتماع أعضاء المنظمة في شهر يونيو المقبل، بما يهدد بانخفاض الأسعار مجددا.
الاجتماع الذي شهد خلافات جدية بين المشاركين فيه، كانت إيران أبرز مقاطعيه، لكنها مع ذلك كانت حاضرة بموقفها الذي مثل العقبة الأبرز في وجه اتفاق المجتمعين.
بدوره قال الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام في تصريح صحفي أمس إن العنوان العريض لاجتماع اليوم هو "لا اتفاق"، ومن ثم فهو أقرب ما يكون للفشل، رغم توفر عوامل النجاح للقمة، بدءا من التوافق السعودي الروسي، وهما تنتجان نحو 20% من الإنتاج العالمي، كما أن الاجتماع ضم 12 دولة تنتج نحو 73% من الإنتاج العالمي، لكن تشدد الموقف السعودي في مواجهة التشدد الإيراني أفشل الاتفاق.
وتوقع عبد السلام تراجعا محدودا في أسعار النفط على خلفية فشل اجتماع الدوحة، لأن الأسواق كانت مهيأة لعدم التوصل لاتفاق بسبب غياب دول مؤثرة في أسواق النفط كإيران وليبيا، بالإضافة للعراق الذي لم يلتزم بأي اتفاق، كما أن التصريحات السعودية قبيل الاجتماع أعطت انطباعا بأنه لن يتم التوصل لاتفاق مهم لخفض الإنتاج.
وقال عبد السلام إن هناك سباقا كبيرا بين الدول على بيع المزيد من النفط لأن اقتصادات الدول المنتجة للنفط تعاني من انخفاض أسعاره بنحو 70%، متوقعا أن تزيد ليبيا إنتاجها في أعقاب حالة الاستقرار السياسي بها، وكذلك العراق وإيران