اقتصاد » مياه وطاقة

«نيوزويك»: لماذا يصعب على السعودية التعافي من إدمانها على النفط؟

في 2016/04/29

ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد

«الملك عبد العزيز والرجال الذين عملوا معه لإقامة الدولة السعودية لم يعتمدوا على النفط وقد أسسوا هذه البلاد بدون النفط وأداروها بدون النفط وكانوا يعيشون فيها من دون النفط»، هكذا صرح نائب ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» في مقابلته التليفزيونية التي أجراها يوم الاثنين الماضي.

وانتقد الأمير الشاب «إدمان» بلاده للنفط الذي تسبب في «تعطيل تطوير العديد من القطاعات خلال الأعوام الأخيرة» ما يعني ضمنيا أنها مشكلة حديثة نسبيا.

وقال الأمير أنه سوف يقود برنامجا للتحول الوطني من شأنه أن يمكن البلاد من «العيش من دون النفط» بحلول عام 2020 وفقا لما صرح به في مقابلته لقناة العربية في 25 إبريل/نيسان.

ولكن إذا كانت المملكة العربية السعودية قد تأسست بفعل الغزو والحنكة الماهرة للملك «عبد العزيز»، فقد حافظت هذه البلاد على تماسكها بفضل عائدات النفط بشكل أكبر حتى من تدينها المحافظ. وقد أسس تقسم عائدات النفط أساس العقد الاجتماعي الذي قامت عليه الدولة في سنواتها الأولى وشكل ملامح الاقتصاد والمجتمع.

وقد بني أساس العقد الاجتماعي السعودي وفق مبادلة تقاسم الثروة النفطية في مقابل الدعم الشعبي للحكم الملكي المركزي المطلق لآل سعود. لذا فإن تحويل هذا العقد بعيدا عن التركيز على النفط هو طموح محفوف بمخاطر كبيرة وفرص ضبابية للنجاح.

النفط والسعودية

قبل اكتشاف النفط، كانت المملكة العربية السعودية بلدا فقيرا مع اقتصاد يبلغ بالكاد حد الكفاف، ويعتمد بشكل رئيسي على عائدات الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقد تم تأسيس الدولة الحديثة عبر سلسلة من الفتوحات بين عامي 1902 و1926 قبل أن يتم الإعلان عن تأسيها رسميا في عام 1932.

في ذلك الوقت، كانت الإيرادات الحكومية تأتي من خلال الرسوم الجمركية وعائدات الحج والعشور. منذ البداية، كانت الدولة فقيرة في المال وتبحث بشكل يائس عن مصادر أخرى للدخل. وقد كانت أحد أهم الأسباب التي دفعت السعودية إلى منح حق التنقيب عن النفط إلى شركة سوكال الأمريكية بدلا من شركة نفط العراق البريطانية هو أن سوكال كانت مستعدة لدفع قدر أكبر من الأموال مقدما عبر توفير قروض يتم سدادها من عائدات الإنتاج في المستقبل.

في عام 1938، بلغت إيرادات الحكومة بالكاد 7 ملايين دولار وفقا لـ«آرثر يونغ»، الخبير المالي الأمريكي الذي تم إرساله إلى المملكة العربية السعودية في أعقاب الحرب العالمية الثانية من أجل المساهمة في إنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي.

تم العثور على أول اكتشاف تجاري للنفط في العام نفسه. حيث تلقت المملكة في هذا العام حوالي 340 ألف دولار من العائدات النفطية. ولكن الآمال في هذه الانتعاشة قد تم تثبيطها بعد نشوب الحرب العالمية الثانية. ولكن بمجرد انتهاء الحرب، تم استئناف الإنتاج وارتفعت عائدات النفط. وقد ارتفعت الإيرادات السنوية للمملكة من النفط من 340 ألف دولار في عام 1938 إلى 10 ملايين دولار في عام 1946 إلى 47 مليون دولار في عام 1950 ثم 334 مليون دولار عام 1960،إلى 1.2 مليار دولار في عام 1870، و84 مليار دولار عام 1980.

المال والسلطة

حتى قبل النفط، كانت المكرمات جزءا هاما من الاتفاق بين الحاكم ورعاياه. وغالبا ما كانت العائلة المالكة بحاجة إلى إثبات الكرم المالي في مواجهة رعاياها. ومع تدفق عائدات النفط، فد وفرت مجالا لاستمالة الفئات الاجتماعية كلها تقريبا لصالح الدولة. تم منح الجماعات القبلية الدعم الحكومي السخي وتجنيدهم في الحرس الوطني. وقد وضع مئات الآلاف من المواطنين على قوائم الرواتب في القوات المسلحة والوزارات المختلفة.

كما تم استخدام المال أيضا من أجل تسوية التوترات داخل العائلة المالكة من خلال السماح لكل أمير كبير أن يحظى بنصيب كبير من الإقطاعية البيروقراطية الواسعة. وقد مكنت هذه الثروة الدولة من تجنب فرض أي أشكال من الالتزامات الضريبية وكذا من دعم توفير الخدمات الأساسية بما في ذلك المياه والكهرباء والبنزين.

مكنت الثروة النفطية المملكة العربية السعودية من الحفاظ على مدفوعات أكثر من 250 ألف رجل مسلح وتشغيل ثالث أكبر ميزانية الدفاع في العالم. لذا فإن المملكة العربية السعودية الحديثة، قد كانت ولا زالت، بشكل مباشر أو غير مباشر، تعتمد على عائدات النفط.

مشكلات الموازنة

منذ البداية، بدأ الإنفاق يتزايد بشكل ملحوظ في الوقت الذي تتنامى فيه الإيرادات. ووفقا لـ«يونغ» فإنه عندما نما إنتاج النفط، فقد نما الإنفاق شكل أسرع. ويضيف بالقول: «الحكومات، مثل الأفراد، لديهم الرغبة في إنفاق أكثر كلما زاد الدخل فجأة».

في عام 1949، على الرغم من بلوغ العائدات النفطية مبلغ 39 مليون دولار، فقد كانت الحكومة تدافع من أجل دفع فواتيرها. وكانت هذه هي الأزمة الأولى ضمن عدة أزمات في الموازنة شهدتها العقود اللاحقة. وقد شهد تاريخ المملكة بين عامي 1950 إلى 2010 سلسلة من الأزمات النفطية التي صحبتها تعديلات مؤلمة عندما انخفضت أسعار النفط وتقلص الإيرادات.

إدمان النفط

وقد أحدت الانهيارات الدورية في أسعار النفط والتي كانت تؤدي إلى تناقص عائدات البلاد إلى أحاديث حول ضبط العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها. لم يكن الأمير «محمد» هو أول من يشكو من إدمان البلاد الاعتماد على النفط. سبق أن حذر ولي العهد آنذاك، الأمير «عبد الله» في عام 1998 أن «حكومات وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي عليهم أن يدركوا أن فترة الطفرة النفطية قد انتهت. وعلينا جميعا أن تعتاد على نوع معين من نمط الحياة التي لا تعتمد كليا على الدولة».

وقد أكد الأمير «عبد الله» خلال حديثه في قمة مجلس التعاون الخليجي في أبو ظبي في ديسمبر/كانون الأول عام 1998، على أن «الفترة المقبلة تحتاج من القطاع الخاص أن يتحمل بعض المسؤولية الملقاة على كاهل الدولة». وكان حديث الأمير «عبد الله» متزامنا مع فترة طويلة من الركود في أسعار النفط امتدت من الثمانينيات إلى أواخر التسعينيات.