اقتصاد » مياه وطاقة

بماذا يخبرنا إضراب عمال النفط في الكويت حول الإصلاح الاقتصادي في الخليج؟

في 2016/05/30

غالبا ما كانت الكويت تلعب دورا فريدا في منطقة الخليج، مع كونها دولة صغيرة جدا للدفاع عن نفسها في مواجهة جارها العراقي، فقد كانت دوما تعتمد على حلفاء أقوياء في ضمان أمنها وهم المملكة العربية السعودية والولايات المتحة، ولكنها في ذات الوقت قد تمكنت من الحفاظ على درجة كبيرة جدا من الاستقلالية وبقيت محايدة بما في الكفاية.

على سبيل المثال، فقد استضافت محادثات السلام بشان الصراع المثير للجدل في اليمن، وخلافا لجيرانها، فإن لديها نظام برلماني قوي نسبيا واقتصاد صحي، وقد وضعت هذه الاستقلالية الكويت في مقدمة الدول التي بدأت قاطرة الإصلاحات الاقتصادية الحرجة التي ستحتاج جميع دول الخليج في نهاية المطاف إلى تنفيذها من أجل جعل حكوماتها أقل اعتمادا على عائدات النفط وبالأخص خلال هذه الفترة من انخفاض الأسعار.

ولكن من أجل إصلاح الاقتصاد فإنه ينبغي على الكويت أن تقوم أولا بخفض الأجور في القطاع العام، وخصوصا في صناعة النفط التي تديرها الدول، وكانت هذه عملية مثيرة للجدل كما هو متوقع، الحكومات في جميع دول الخليج تقوم بتوظيف نسبة كبيرة من السكان، في أواخر أبريل/نيسان بدأ عمال النفط الكويتي إضرابا استمر لمدة 3 أيام على خلفية إضرابات عمالية متقطعة بين عمال الجمارك في عام 2011 وبين عمال النفط (داون ستريم) في عام 2013، وبعد عدة أسابيع من المفاوضات، أذعنت الحكومة لضغوط النقابات وقامت بإعفائهم جزئيا من استحقاقات الإصلاح، وتمتد تداعيات الإضراب الخليجي لتشمل منطقة الخليج، حيث تواجه سائر الحكومات العديد من القضايا الشائكة المماثلة، وبغض النظر عن الحاجة الملحة للإصلاح الاقتصادي وسط العجز الكاسح في الميزانية، فإن هذه الحكومات سوف تجد نفسها تتعرض لضغوط اجتماعية كبيرة.

تحليل

يبدو الإنفاق الكويتي خارجا عن السيطرة، ومثلها مثل سائر جيرانها من دول الخليج فإن الكويت تحاول خفض نفقاتها، هذا العام أصبح الوضع مزريا للغاية، تعاني ميزانية 2017/2016 عجزا قدره 40 مليار دولار وهو أعلى بنسبة 50% من السنوات السابقة ويمثل نسبة كبيرة من الموازنة التي تبلغ 63 مليار دولار، الكثير من هذا العجز يمكن أن يعزى إلى الأجور المتزايدة في القطاع العام، وبالتالي فإن الحكومة قد اقترحت نظام الأجور البديل الذي من شأنه أن يوفر ما يقدر بـ(15-19) مليار دينار كويتي، أي ما بين (50-63) مليار دولار على مدار العقد المقبل.

هذه الإصلاحات التي يتم تداول الحديث حولها في الأجور هي جزء من التغييرات الموصى بها من قبل صندوق النقد الدولي التي ضلت حبيسة مشاورات البرلمان ولم يتم تمريرها خلال العام الماضي. وقد اقترح صندوق النقد الدولي تغييرات مماثلة في مشاورات مع جميع الدول الست النفطية في مجلس التعاون الخليجي.

تحدد الخطة الكويتية مستويات لزيادة الأجور السنوية. ما بين 30 إلى 40% من موظفي الحكومة سوف يحصلون على زيادة كبري بنسبة 20-25 مرة واحدة من أجل معادلة دخول الموظفين الأقل دخلا، ما بين 25 إلى 35% من العمالي يتقاضون بالفعل رواتب مناسبة وسوف يحصلون على زيادة بنسبة 5% فقط وهو تقريبا نفس معدل التضخم، إذا تم تطبيق هذه الخطة فإنها سوف تساوي رواتب موظفي الحكومة في جميع قطاعات القوى العاملة.

عمال النفط، الذين يتقاضون النسبة الأكبر من الأجور في الدولة والذين تفوق رواتبهم موظفي الحكومة الآخرين بخمسة أضعاف، كانوا جزءا لا يتجزأ من خطط تعديل الأجور الأصلية، في الواقع فقد كان التباين بينهم وين سائر موظفي القطاع العام هو الدافع الأول لمناقشات إصلاح الأجور، ولكن على الرغم من أن الإصلاحات المقترحة سترفع الأجور، فإن عمال النفط الذين يطالبون بالمزيد قد نظموا إضرابا منهكا، كان هذا هو الإضراب الأول لقطاعي المنبع (أب ستريم) والمصب (داون ستريم) معا منذ عام 1995، وكان هو الأول أيضا منذ أن أعلنت الكويت هذا العجز القياسي في موازنتها، وقد أتي ثماره في نهاية المطاف حيث وافقت الحكومة على إعفاء 20000 من عمال النفط الحاليين من الاقتراح، وبموجب اتفاق تم إبرامه في 23 مايو/أيار سوف يكون من حق الأعضاء الحاليين لنقابة عمال النفط زيادة أجورهم بنسبة 7.5% سنويا وسوف يحصل العمال الجدد على زيادة بقيمة 5% سنويا وهذا يعني أن زيادات الكثير من عمال النفط سوف تتجاوز معدلات التضخم.

وقد خضعت الحكومة في نهاية المطاف إلى السلطة المتضخمة لقطاع النفط الذي يعد إلى الآن العنصر الأكثر أهمية في الاقتصاد، على الرغم من أن الإضراب كان وجيزا إلا أنه قد أظهر مدى السهولة التي يمكن يدمر بها عمال النفط اقتصاد البلاد. على مدى فترة ثلاثة أيام، انخفض إنتاج النفط الخام إلى نصف معدلاته الطبيعية البالغة 2.77 مليون برميل يوميا.

ومع العمل بشكل محموم فقد تمكنت الحكومة من إعادة الإنتاج إلى مستوياته الطبيعية خلال يوم واحد تقريبا وهي العملية التي غالبا ما تستغرق ثلاثة أيام، لم يشكل هذا الإضراب سوى ومضة قصيرة في أسعار النفط العالمية. ولكنه في حال استمر على أية حال فإنه كان يمكن أن يشكل خطرا جسيما على الاقتصاد الكويتي، وبالتالي، على المنطقة.

طوال فترة الإضراب، ظلت القيادات العمالية ودية حتى في ردود فعلها على إدانة الأمير «صباح الأحمد الجابر الصباح» لأساليبهم القسرية، ولكن سواء أكانوا مهذبين أم لا، فقد أظهر زعماء النقابات أن قدرتهم على زعزعة استقرار القطاع الأكثر أهمية في الاقتصاد تفوق سلطة الحكومة على فرض إرادتها، ولأن الكويت تمتلك أكثر قوانين العمل ليبرالية في الخليج، فإن هناك مجالا لمزيد من التعطيل، تمكنت الحكومة من تأجيل قرارات أكثر صرامة حول أجور العاملين في القطاع النفطي، لكنها سوف يكون عليها في نهاية المطاف مواجهة هذه المسألة.

التداعيات الخليجية

تمثل الكويت من كثير من الوجوه نموذجا رياديا بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وسوف يحتاج جيرانها في وقت قريب إلى تطبيق بعض الإصلاحات المماثلة وسوف يضطرون إلى التعامل مع أهداف متعارضة لفرض إصلاحات حاسمة مع الحفاظ على الاستقرار في القطاعات الرئيسية، خضوع الكويت لضغوط العمال يشكل سابقة خطيرة بالنسبة للدول الأخرى في عصر القرارات الصعبة حيث يمكن للتواصل بين المواطنين في جميع أنحاء العالم العربي أن يجبر الحكومات على ضبط توجهاتها إذا كانت التكاليف مرتفعة بما فيه الكفاية.

لكن الكويت هي أيضا في موقف فريد من نوعه مقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. تمتلك الكويت برلمانا قويا بالمقارنة بسائر دول الخليج يمتلك القدرة على ممارسة الضغط على السلطة التنفيذية بما في ذلك عزل الأمير والاعتراض على قراراته بأغلبية الثلثين. وكان المجلس التشريعي قد لعب دورا رئيسيا في فك الارتباط بين الدينار الكويتي والدولار في عام 2007، وهو القرار الذي خرج عن مسار دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت تخطط لتبني عملة موحدة بحلول عام 2010.

المواطنون في الكويت يتمتعون أيضا بالقدر الأكبر من حرية التعبير في المنطقة يرجع ذلك جزئيا إلى غياب الانقسامات العرقية والمذهبية الموجودة في البحرين أو المملكة العربية السعودية. هذا النظام الأقل استبدادية كان هو السبب في أن الإصلاحات قد بدأت مبكرا ولكنه جعل هذه الإصلاحات أيضا عرضة للاعتراضات الشعبية.

وقد استغل المواطنون في الكويت هذه الحرية من أجل توصيل صوتهم حول توقعاتهم من الحكومة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالإصلاح الاقتصادي، الطلب بين صفوف الشباب الكويتي على الوظائف ذات الرواتب العالية في القطاع العام أعلى منه في دول الخليج الأخرى، وتشارك المزيد من النساء في القوى العاملة مقارنة بدول الجوار. وهذا يضع قدرا كبيرا من الضغط على الحكومة لاستيعاب هؤلاء العمال.

وقد حققت الحكومة بعض التقدم في تخفيف هذا الضغط. في عام 2015، تمكنت الحكومة من فرض قيود على العمالة الوافدة في القطاع العام، وفتحت المزيد من الفرص للسكان المحليين وهو ما عجزت دول الخليج الأخرى عن التعامل معه، ولكن هذه القيود لها عيوبها أيضا.

هناك عدد أقل من الأجانب في هذه الوظائف، مما يجعل التخفيضات في القطاع العام أكثر صعوبة، يمكن للدول الخليجية الأخرى أن تقوم بتسريح الوافدين بدلا من تطبيق تخفيضات مؤلمة لرواتب المواطنين. الحكومة الكويتية تدرك هذا وقد هددت لتوظيف المزيد من الأجانب لسد أية ثغرات في العمل.

الكويت هي دولة صغيرة. ومن الواضح أن مشاكلها الاقتصادية رغم خطورتها تبقى أقل حدة من مثيلتها في البلدان الأخرى في المنطقة، المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، لديها عجز يستنزف احتياطي النقد الأجنبي وسوف تكون عما مجبرة على النظر في تخفيضات جذرية للإنفاق الاجتماعي، على العكس، فإن النظام السياسي الفريد في الكويت يمكنها من تنفيذ الإصلاحات، مثل سياسة الأجور المثيرة للجدل، بسرعة أكثر مما يمكن الدول الخليجية الأخرى، ولكن استسلام الكويت لنقابات النفط يبشر بنهايات سيئة لخطط مماثلة في دول الخليج الأخرى، من الواضح أنه في الوقت الذي تدفع فيه الحكومات الإقليمية لفرض إصلاحات مماثلة، فإنها سوف تواجه مقاومة مضادة من قبل العمال.

ستراتفور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-