ربما تكون هناك علاقات قليلة بين البلدين هي أهم أو أكثر حساسية مما بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ويرجع السبب بالذات إلى أن الدولار الأمريكي هو عملة الاحتياط العالمية منذ الاتفاق الذي أبرم في عام 1971 بين وزير الخارجية «هنري كيسنجر» والسعوديين، والذي تم بموجبه جلب سياسة البترودولار إلى حيز الوجود.
وعدت الولايات المتحدة بحماية دائمة لآل سعود عسكريا. وفي المقابل، فإن السعوديين يقبلون الدولار فقط مقابل النفط. وتحت الضغط السعودي، خضع كل أعضاء أوبك لنفس السياسة. وهذا يعني أن كل أمة على وجه الأرض إذا أرادت النفط فهي تحتاج إلى الدولار.
حاليا، ومع ذلك، فإن هذه العلاقة الحاسمة يمكن القول إنها في دورتها الأقل استقرارا منذ ولادة البترودولار. وقد كان هذا الاستياء واضحا بشكل صارخ خلال زيارة الرئيس «أوباما» الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من التقليد الذي يملي أن على قادة الحكومة إظهار الاحترام لزيارة الدبلوماسيين الأجانب، ومع أن رئيس الولايات المتحدة يفترض أن يكون الأكثر احتراما في العالم، فإنه لم يتم استقبال «أوباما» في المطار من قبل العاهل السعودي الملك «سلمان». وعلاوة على ذلك، تجاهل التلفزيون السعودي ووسائل الإعلام إلى حد كبير الزيارة التي من شأنها، أن تكون في أي مكان آخر، قضية عظيمة للدعاية والإثارة.
و من المرجح أن ذلك قد جاء نتيجة لمقابلة الرئيس السلبية اتجاه السعودية مع صحيفة «ذي أتلانتك» في شهر مارس/آذار الماضي.
السياسة الخطرة
لقد ازداد التوتر بين البلدين مؤخرا، وذلك بفضل تمرير مشروع قانون مجلس الشيوخ الذي يسمح لأسر ضحايا 11 سبتمبر/أيلول بمقاضاة المملكة العربية السعودية. وهذا يعني، أنه إذا تم العثور حتى على موظف حكومي واحد من ذوي الرتب المتدنية قد شارك في الهجمات بأي شكل، فإنه يمكن رفع دعوى ضد المملكة من كل عائلة أمريكية فقدت شخصا في ذلك اليوم.
في حين أن هناك ثغرة فيما يتعلق بقرار المطالبات لتلبية القانون، فإن المملكة العربية السعودية كانت ستخسر مبلغا كبيرا من المال تعويضا عن الألم والمعاناة، ناهيك عن وصمة العار على سمعة البلاد على نطاق دولي.
وقد استشاط السعوديون بشكل أكثر سخونة من رمال الصحراء العربية في يوم صيف حار. وبين تصريحات «أوباما» والورطة القانونية المحتملة، تفقد المملكة العربية السعودية ثقتها بواشنطن.
جزء رئيسي آخر من انعدام الثقة ينبع من رفع العقوبات الأمريكية عن منافستها إيران.
وعلاوة على ذلك، فإن كبار الشخصيات في المملكة العربية السعودية يشعرون بأن الولايات المتحدة لم تفعل شيئا تقريبا لحفظ موقع «حسني مبارك»، حليفهم السني، والرئيس السابق لمصر الذي أزيل قسرا من منصبه وبعد ذلك أدين بالفساد في عام 2015. وهذا قد أعطى السعوديين انطباعا للسعوديين بأنهم النظام السني القادم الذي سيتم الإلقاء به من قبل الولايات المتحدة.
وأيضا فإن مشروع قانون 11 سبتمبر تسبب في معظم الاضطرابات في الآونة الأخيرة .
كتبت صحيفة عكاظ السعودية تحت عنوان: «صك شيطاني من الكونغرس يفتح أبواب جهنم على أكبر بلد في العالم». وليس هناك حاجة لقراءة ما بين السطور لنرى كيف تشعر الأمة السعودية تجاه الولايات المتحدة.
على الرغم من أن العنوان بالتأكيد مفرط في تبسيط قضية معقدة حقا، فإنه، إذا وقع على هذا المشروع ليصبح قانونا، فما الذي يمنع الدول الأخرى من رفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة عن الأضرار والوفيات الناجمة عن تدخلات الجيش الأمريكى؟
مستقبل البجعات السوداء
إذا وضعنا السياسة جانبا، فمن الأهمية بمكان أن نلقي نظرة على الآثار المحتملة لهذه الهوة المتزايدة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأسواق المالية. يجب على الجميع، بما في ذلك المستثمرين، أن يدركوا بسرعة حقيقة أن الولايات المتحدة تتعامل مع نظام جديد في المملكة العربية السعودية، وأن مفاتيح المملكة هي في أيدي الأمير البالغ من العمر 30 عاما ولي ولي العهد «محمد بن سلمان».
الرجل صار معروفا كزعيم. يختلف أسلوبه في نواح كثيرة عن أسلافه، ولكنه أكد أنه لا يوجد لديه خوف من واشنطن وهذا ما يميزه عن معظم القادة السعوديين.
بالنسبة إليه فإن «قواعد اللعبة» مفتوحة. وقد أكد بجلاء أنه لن يخجل من الصراع مع الولايات المتحدة إذا لزم الأمر. ومع ذلك، إنه لا يستخدم الهذيان المجنون، ويعرف بشكل أفضل عاقبة شن الحرب المادية ضد أقوى دولة على وجه الأرض. بدلا من ذلك، فإن خياراته للعمل هي ما تشير له الأسواق المالية على أنها أحداث «البجعة السوداء».
النفط .. ساحة المعركة الأولى
وقد أنهى السعوديون المرحلة الأولى من استراتيجيتهم النفطية وقادوا انخفاض الأسعار، وأضروا ببعض منتجي الصخر الزيتي كالولايات المتحدة. والآن تجري المرحلة الثانية. ويشمل الهدف النهائي لها رفع الطاقة الإنتاجية السعودية من 12 مليون برميل يوميا إلى 20 مليون برميل يوميا في أقصر وقت ممكن. ونهاية اللعبة هي إغراق السوق بالنفط.
في نهاية المطاف، يأمل« محمد بن سلمان»، أن لاعبي النفط في الولايات المتحدة سوف يغرقون في الطوفان.
يعتقد المشاركون في أسواق النفط أن محمد بن سلمان مخادع في خطته. وأن السعوديين قد ينتقلون أيضا لكسر الرابطة بين الدولار والريال السعودي. وقد تم تعيين قيمة السند عند 3.75 ريال للدولار منذ عام 1986. وقد يكون تخفيض قيمة الريال هو خطوة السعوديين الكبيرة بقيادة «بن سلمان» نحو نهاية سياسة البترودولار.
الصين وروسيا، والهند، يحثون على وضع حد لهيمنة الدولار الأمريكي في النظام النقدي الدولي، ولاسيما فيما يتعلق بتسعير للسلع. لديهم الآن أذن صاغية وسعيدة للمملكة العربية السعودية، البلد الوحيد الذي يمكن أن تضع حدا فعليا لهيمنة الدولار.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذا سيكون هذا تغييرا كبيرا. حيث أن الاقتصاد العالمي يجب أن يجد مكانته مع عملة أخرى. وتقف الصين في طابور الانتظار، بحيث يمكن أن يكون لدينا سياسة بيترو- يوان. ولكن دعونا نأمل أن لا يأتي ذلك اليوم. حيث إن نهاية نظام البترودولار سوف تؤثر على سوق الأسهم وعلى مستوى المعيشة في الولايات المتحدة.
لذلك، وبفضل ساستنا الذين ينثرون الرمال في وجه القيادة السعودية التي لم تعد تخاف من الوقوف في وجه الولايات المتحدة، وبعد كل هذه السنوات، فإن إمكانية وفاة نظام البترودولار الآن قد صارت أكثر احتمالا.
وول ستريت ديلي - ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-