اقتصاد » مياه وطاقة

ارتفاع أسعار المحروقات بين الحكومة والمواطن

في 2016/06/16

” إن الحكومة عندما تلجأ إلى تحرير او رفع أسعار المحروقات فهي تحاول جاهدة دفع المستهلك الى ترشيد استهلاكه من تلك السلعة بشكل يؤدي مباشرة الى تقليص كمية استهلاكه منها. لكن ذلك، للأسف، لم يحدث من جانب الشطر الاكبر من المستهلكين. بل يمكن القول انه عندما رفعت الحكومة اسعار الوقود، زاد معدل الاستهلاك بدلا من انخفاضه.”

عندما انخفضت اسعار النفط الخام عالميا لتلامس 26 دولارا للبرميل، شرعت الحكومة في تحريك او رفع الدعم او تحرير اسعار الوقود، مبررة ذلك بتراجع الايرادات العامة جراء التراجع الكبير في اسعار الخام الذي يعد المصدر الرئيس للدخل القومي. وتم تشكيل لجنة لتحديد الأسعار شهريا.
وكان الظاهر من الحكومة او بمعنى اخر ما فهمه غالبية الشعب هو ان هذا اجراء مؤقت فرضه تراجع العائدات النفطية وذلك بغية سد العجز في الميزانية العامة التي كانت الحكومة قد وضعتها على اساس 45 دولارا للبرميل الخام. واعتقد كثيرون ان هذا الاجراء مؤقت ومرتبط بانخفاض اسعار النفط ريثما تعاود الاسعار الارتفاع وهو ما حدث مؤخرا حيث ناهز سعر البرميل الخام 48 دولارا.
من جهة أخرى، فقد صاحب ارتفاع أسعار الوقود نوعا من الاستقرار في أسعار السلع الأساسية بل تراجع أسعار بعضها بشكل أحدث حالة من التوازن في الانفاق لذوي الدخول المنخفضة.
لكن اللافت أن الارتفاع التدريجي في أسعار الخام يواكبه ارتفاع في أسعار الوقود. الأمر الذي يدفع الكثيرين الى التساؤل عن سبب هذا الارتفاع مع ارتفاع أسعار الخام الذي يؤدي بدوره الى ارتفاع ايرادات الدولة الذي كان تراجع أسعار الخام في البداية هو العلة المباشرة لرفع أسعار الوقود على أساسها. وقد دفع ارتفاع اسعار الخام بالبعض الى الاحساس بشيء من التشاؤم بدلا من البشر والفرح. وذلك لأن البعض يرى علاقة طردية بين ارتفاع أسعار الوقود وارتفاع أسعار النفط الخام ومن ثم التأثير المباشر على ميزانيته.
وفي نفس الوقت، يرى البعض أن التراجع في أسعار بعض السلع الاساسية واستقرار بقيتها في الاونة الاخيرة كان له علاقة بانخفاض اسعار الخام وذلك من خلال الاسهام في خفض كلفة الانتاج وشحن ونقل تلك السلع. ومع معاودة ارتفاع اسعار الخام، يرى البعض ان ذلك يمكن ان ينعكس ارتفاعا على أسعار السلع ومن ثم يمكن ان يشهد، حال تواصل ارتفاع اسعار الخام، موجة من الارتفاع في أسعار تلك السلع بسبب زيادة كلفة الانتاج والشحن والنقل.
وبالطبع فان تلك التساؤلات والتخوفات مشروعة وبحاجة الى توضيح مفصل من الجهات المعنية ولا يكفي لتبديدها إعلان مقتضب من مسئول بأن هناك لجنة تدرس وتقيم وتحدد أسعار الوقود وأن هذه الأسعار تحددها عوامل محلية وعالمية. فهنا يجب التوضيح بالشرح الوافي لدواعي وأسباب ونتائج رفع اسعار الوقود مع ارتفاع اسعار الخام، وذلك حتى يطمئن قلب المواطن ويقنع بما تقوم به الحكومة من اجراءات فيتحمل ويقف معها. وكيلا يعطي مثل هذا الصمت الرسمي مجالا للتأويلات والتشكيكات في جهود الحكومة بشكل يثير اللبس والبلبلة. كما يجب أن يحظى ذلك باهتمام اعلامي أكبر حتى تتضح الصورة بشكل أفضل لدى المواطنين.
زد على ذلك، فقد كشفت الإحصائيات الأولية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات مؤخرا أن إنتاج وقود السيارات العادي بلغ مليونا و891 ألف برميل بنهاية ابريل الماضي، أي بارتفاع نسبته 4ر110 بالمائة مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2015 التي شهدت إنتاج 898 ألفا و900 برميل من وقود السيارات العادي.
وبلغ إنتاج وقود السيارات الممتاز 6 ملايين و30 ألفا و100 برميل بنسبة انخفاض قدرها 2ر18 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2015 التي شهدت إنتاج 7 ملايين و368 ألفا و200 برميل.
ويأتي ارتفاع إنتاج العادي وانخفاض الممتاز متماشيا مع الطلب الذي أصبح توجهه التسعيرة التي تتغير كل شهر وفقا لأسعار النفط الخام حيث يتجه الغالبية للتزود بالوقود العادي الأقل سعرا.
وبلغ إنتاج المصافي والصناعات البترولية بالسلطنة بنهاية أبريل الماضي 24 مليونا و218 ألفا و400 برميل بانخفاض 6ر11 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2015 والتي شهدت إنتاج 27 مليونا و384 ألفا و500 برميل. وأشارت الإحصائيات إلى أن المنتجات شملت وقود السيارات بنوعيه العادي(90) والممتاز(95).
وانخفض إنتاج زيت الغاز (الديزل) بنسبة 2ر4 بالمائة ليبلغ بنهاية أبريل الماضي 6 ملايين و620 ألفا و500 برميل مقارنة مع 6 ملايين و908 آلاف و400 برميل تم إنتاجها بنهاية أبريل 2015، كما انخفض إنتاج زيت الوقود بـ1ر61 بالمائة ليبلغ الإنتاج 267 ألفا و200 برميل مقارنة مع 687 ألفا و200 برميل بنهاية أبريل 2015. واذا كان هذا على صعيد الانتاج المحلي، فيمكن ايضا رصد الكمية المستهلكة من الوقود بمختلف انواعه، ليظهر مدى كفاية الانتاج المحلي وحجم الكمية المستوردة ان وجدت حتى تكتمل الصورة وتتضح.
هذا على الجانب الحكومي. أما على جانب المواطن، فانه يتحمل شطرا كبيرا في المسئولية عن ارتفاع اسعار الوقود. وذلك ان الحكومة عندما تلجأ إلى تحرير او رفع أسعار المحروقات فهي تحاول جاهدة دفع المستهلك الى ترشيد استهلاكه من تلك السلعة بشكل يؤدي مباشرة الى تقليص كمية استهلاكه منها. لكن ذلك، للاسف، لم يحدث من جانب الشطر الاكبر من المستهلكين. بل يمكن القول انه عندما رفعت الحكومة اسعار الوقود، زاد معدل الاستهلاك بدلا من انخفاضه. وبما ان الوقود هو في النهاية سلعة اقتصادية تخضع لعوامل العرض والطلب، فقد كان للمستهلك دورا سلبيا في ذلك.
ان المطلوب من مجموع المستهلكين للسلعة اعادة النظر وتغيير سلوكايتهم وانماط تعاملهم مع السيارات. وذلك بان يفكر اصحاب الدخول المنخفضة بالتخلي عن السيارات التي تستهلك كمية كبيرة من الوقود والاتجاه الى السيارات المنخفضة استهلاك الوقود اي السيارات ذات السي سي الاقل 1300 سي سي و1600 ولا داعي لسيارة فوق 2000 سي سي وما شاكل ذلك بلا ضرورة. اذ سوف تؤدي تلك النوعية من السيارات المنخفضة الاستهلاك اغراض التنقل المطلوبة بكميات وقود منخفضة بما يؤدي الى تقليل نفقاته من ناحية، وخفض كمية الوقود المستهلكة عموما بما يترتب عليه في في النهاية خفض اسعاره في المحطات. كما يجب ايضا ترشيد استخدام السيارات عموما، فلا يذهب الشباب بها الى اقرب الاماكن التي لا تحتاج سيارة من الاساس. كما يمكن تجميع متطلبات الخروج بالسيارة كالتسوق وغيره. والتوقف عن قضاء اليوم ذهابا وايابا بالسيارة ربما لمكان واحد او اماكن متقاربة بحيث يمكن تجميع كل ذلك في مرة واحدة. كما يمكن للبعض استخدام حافلات النقل العام.
فعندئذ سيقلص مجموع المستهلكين كميات الوقود التي يتم استهلاكها، مما يترتب عليه زيادة في الكمية المعروضة وتراجع في الطلب لتكون النتيجة انخفاض اسعار الوقود. واجمالا فالمطلوب من الحكومة مزيد من الايضاحات ومطلوب من المواطن ترشيد وتقليل استهلاك الوقود حتى تمر تلك المرحلة بسلام على الجميع.

السيد عبد العليم- الوطن العمانية-